اعتصام أمام "التربية": "يوم الغضب" أم تنفيس للأساتذة

وليد حسين

الأربعاء 2021/09/08
تحت شعار "يوم الغضب"، نفذّت هيئة التنسيق النقابية (مؤلفة من روابط المعلمين في التعليم الأساسي والثانوي والمهني والمتعاقدين والمستعان بهم والمتقاعدين) اعتصاماً أمام مبنى وزارة التربية والتعاليم العالي، للمطالبة برفع الغبن عن معلمي الرسمي والخاص والتقني والمهني وموظفي الدولة. 

ورغم تأمين حافلات من كل المناطق، فقد شارك فقط نحو ألف أستاذ في هذا الاعتصام، الذي يأتي على أبوب بدء العام الدراسي، والذي جددت فيه الروابط موقفها بوقف كل الأعمال الإدارية والتربوية المتعلقة بالعام المقبل. ووصفت الكلمات التي ألقيت الواقع المزري الذي يعيشه الأساتذة على مستوى تراجع القدرة الشرائية والمعاناة في الطبابة والاستشفاء، مجددة المطالبة برفع رواتبهم وتأمين بونات بنزين ليتسنى لهم الالتحاق بمدارسهم. 

التعليم الخاص يبدأ
وإذا كان حال الأساتذة في القطاع العام لا يختلف عن حال الموظفين في الدولة، ما يصعب بدء التعليم في القطاع الرسمي، فالقطاع الخاص سيتدبر أمره ولو على حساب الأهالي من خلال رفع الأقساط. وبدأت المدارس الخاصة برفع رواتب الأساتذة في محاولة لإطلاق العام الدراسي. وأكد نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود أن النقابة تسهل كل الأمور كي يبدأ العام الدراسي وترضى بحلول تراعي ظروف الأساتذة وتراجع قدرتهم لشرائية. 

وأوضح لـ"المدن"، أنه إلى حد الساعة ما زال القرار بعدم الذهاب إلى الصفوف، إلا إذا تغيرت المعطيات. فهناك إشكاليات عالقة مع المدارس وأخرى مع الحكومة. المطالب المتعلقة بالدولة والحكومة تتمثل في الزام المدارس بتطبيق قانون سلسلة الرتب والرواتب وتأمين المحروقات المدعوم للأساتذة ليتسنى لهم الانتقال إلى المدارس، لأن رفع بدل النقل إلى 24 ألف ليرة غير كاف. فهو وضع على أساس ارتفاع صفيحة البنزين إلى نحو سبعين ألف ليرة، فيما هي اليوم بنحو 130 ألفاً، وسترتفع إلى أكثر 330 ألف بعد رفع الدعم. وهناك أمور عالقة مع إدارات المدارس حول رفع رواتبهم تماشياً مع غلاء المعيشة. 

وعن إمكانية قبول الأساتذة بالزيادات التي تجريها المدارس، أكد عبود أنه على المدارس المتخلفة عن إعطاء الست درجات تنفيذ القانون، ليصار بعدها إلى رفع الرواتب بنسب مقبولة. فلا يكفي أن ترفع المدارس الرواتب بنحو 30 بالمئة من دون دفع الست درجات. بالتالي النقابة تتعامل بكل إيجابية لتقطيع العام الدراسي وسيذهب الأستاذة إلى الصفوف حتى لو لم يحققوا كل مطالبهم، لكن بشرط أن تكون الحلول مقبولة وكافية. 

انقسامات الأساتذة
يعيش الأساتذة منذ سنتين حال غليان وانقسامات تجذرت بفعل الأزمة الاقتصادية وتراجع قدرتهم المعيشية، وانعكست هذه الانقسامات في تراجع الحشد في الشارع. فمنذ أكثر من سبع سنوات كانت نقابات المعلمين تنظم تظاهرات يشارك فيها عشرات الآلاف. لكن بعد سيطرة الأحزاب عليها، بدأت ثقة الأساتذة تتراجع.

وتعليقاً على الاعتصام الذي نفذته الروابط أكد النقابي في لقاء النقابيين المستقلين، حسن مظلوم، "عدم ثقة الأساتذة بهيئة التنسيق وبمكوناتها الحالية، لأنها أدوات السلطة التي أوصلت البلد إلى الخراب الحالي". 

واعتبر أن "تجربة السنة الفائتة تؤكد أن تحركات الهيئة ظرفية وتأتي بدوافع سياسية لامتصاص نقمة الأساتذة العارمة. فالأساتذة مع أي تحرك لتحصيل حقوقهم، لكن تبين من المشاركة الهزيلة اليوم أنهم لا يثقون بما يمكن للروابط أن تحققه". 

وشكك مظلوم بهذه التحركات، مؤكداً أن "الأيام المقبلة ستكشف للأساتذة أن الروابط ستتراجع عن المطالب المرفوعة عندما تطلب منها الأحزاب. وسترضى بالفتات من الحقوق مثلما هو معتاد. لكن الفرق بين الأمس واليوم أن الأساتذة باتوا غير قادرين بالمعنى التام للكلمة الذهاب إلى مدارسهم، لأن بدلات النقل باتت أعلى من راتبهم". 

هيئة التنفيس النقابي
بدوره أطلق النقابي في التيار النقابي المستقل جورج سعادة تسمية "هيئة التنفيس النقابية"، على روابط هيئة التنسيق، لأنها تنفس عضب الأساتذة، ليس أكثر. فلو كانت الهيئة صادقة مع الأساتذة، لكان عليها تفجير غضبها أمام المراكز الحزبية التابعة لها. لأن الهيئة مؤلفة من تحالف أحزاب السلطة التي دمرت البلد وضربت الحقوق والمكتسبات والكرامات". 

وأضاف أن "هذه النقابات صوت هذه الأحزاب بالنقابات التي هيمنت عليها وألغت القرار الحر وصوت الناس فيها. فلو فجرت هذه النقابات غضبها بأحزابها منذ سبع سنوات لما وصلنا إلى الانهيار الحالي في لبنان. لو تلك الأحزاب حققت للأستاذة حقوقهم وعززت المدرسة الرسمية وقدمت المقومات اللازمة لها، كان العام سار بشكل طبيعي.

منسق التجمع النقابي المنضوي تحت أسم "لجان الأقضية"، أكرم باقر، لفت إلى أن عدداً قليلاً من اللجان شارك في الاعتصام. فقد كان هناك آراء مع المشاركة، بسبب أن التحرك يأتي تحت عنوان تحسين الوضع المعيشي للأستاذ وعدم العودة إلى التعليم قبل تحقيق المطالب، وجزء آخر رفض الأمر لعدم جدواه. 

وأكد أن موقف لجان الأقضية هو في عدم الذهاب إلى المدارس قبل تحقيق المطالب، وهناك شكوك حول مواقف الروابط. فالأساتذة لا يعولون على هيئة التنسيق لأنها تتحرك ضمن السقف الذي ترسمه الأحزاب السياسية وليست لها مواقف مستقلة. وجرب الأساتذة تلك الروابط لم تحقق أي مطلب، بل رفعت الصوت وتراجعت بعدها.

تحرك انتخابي
وأجمع النقابيون المعارضون على أن تحرك الروابط اليوم تنفيسي للأساتذة، أو يأتي من أجل حفظ ماء الوجه على أبواب الانتخابات ليس أكثر، وفق مظلوم.

أما سعادة فاعتبر أن "ما تقوم به الهيئة من اعتصام ورفع الصوت مجرد مسرحية منظمة، ولن يشارك فيها النقابات المعارضة والأساتذة الأحرار، لأنهم يرفضون أن يكونوا قطيعاً يساق على مسلخ هذه السلطة. فالأخيرة سترمي لهم عظمة وعطاءات سخيفة وترضي أساتذتها بها، ولا يمكن أن تستمر في الضغط من أجل التوصل إلى حل الشامل للمعضلة الحالية. فهذه الهيئة تدرك أنه بعد ثلاث أشهر ستجري الانتخابات الداخلية في كل الروابط وتعمل على تلميع صورتها امام الأستاذة، بعدما تركتهم لمصيرهم منذ سبع سنوات. وتعلم أن يوم الحساب بات قريباً".   

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024