لوسي بارسخيان
وقبل أيام نشرت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني خريطة بتقنية نظم المعلومات GIS، تظهر انتشار حالات الإصابة بمرض السرطان في بر الياس، فاصطبغت الخريطة بنحو 600 نقطة بيضاء، هي إشارة وضعت عند اكتشاف كل إصابة سرطان في بر الياس، علما أن عدد سكان البلدة لا يتجاوز 16 الف نسمة، وفقا لتقرير المصلحة الوطنية لنهر الليطاني.
وزارات كثيرة
الصرخة تطلقها هذه المرة مؤسسة رسمية، في وجه مؤسسات رسمية أخرى، لتتهمها بالتقصير ليس فقط في تحمل مسؤولياتها، وإنما في تطبيق القوانين التي تصدرها، وأولها القانون 63 الصادر منذ سنة 2016، والذي رصد مبلغ 1100 مليار ليرة لحل مشكلة الليطاني، محدداً مسؤوليات كل وزارة معنية بمشكلة التلوث في النهر: وزارة الطاقة، وزارة البيئة، وزارة الصناعة، وزارة الزراعة، ووزارة الداخلية والبلديات، إلى جانب المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، التي عليها التنسيق بينها.
فإذا كان القانون موجودا، وأمواله مرصوده، ومخططاته موضوعة، ما الذي يعيق تطبيقه حتى الآن؟
ليس لدى متابعي ملف الليطاني أي إجابة على هذا السؤال. وما يعني رئيس المصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية، هو المباشرة بالحلول المقترحة، وأولها كما قال في اتصال مع "المدن": الانطلاق بمخططات سريعة وقريبة الأمد توقف مصادر التلوث مرحلياً، بموازاة إطلاق الحلول الطويلة الأمد، وأبرزها إنشاء محطة تكرير في بلدة المرج، ترفع التلوث عن مجرى نهر الغزيل بشكل أساسي. علما أن المحطة ليست سوى جزء من حل يشمل إنشاء محطة تكرير في تمنين، وضعت مخططاتها، من دون أن تنتقل إلى مرحلة التنفيذ. وهذا يعني عدم حصر التلوث ببر الياس وحدها، بل شموله القرى القائمة على ضفاف الليطاني كلها، بدءاً من أعلى نقطة في شمال البقاع، حتى بحيرة القرعون في جنوبه.
وقفة - صرخة
إزاء هذا الواقع الذي أعادت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني التذكير به، تحرك أهالي برّ الياس مجددا مساء الأربعاء 11 أيلول الجاري، ونزلوا إلى الشارع، وتحديدا إلى تجمع المدارس الرسمية بمحاذاة مجرى نهر الليطاني، ليرفعوا الصوت: "عله يوقظ الضمائر، إذا كان هناك من ضمير حي".
الاعتصام جاء بدعوة من لجنة المتابعة والمحاسبة في البلدة، واستقطب اهتمام الإعلام المحلي والخارجي، وشارك فيه رئيس بلدية مجدل عنجر ومنسق تيار المستقبل في البقاع سعيد ياسين، مع عدد من أهالي بلدته التي تصب "مياهها الآسنة"، كما البلدات المجاورة، في مجرى الغزيل، قبل وصولها إلى بر الياس.
أما المطلب الأساسي الذي حدده الشيخ وليد لويس، بإسم أئمة البلدة والمشاركين في الاعتصام، فكان عقد جلسة مجلس وزراء طارئة في بلدة بر الياس، يكون موضوع الليطاني البند الوحيد على جدول أعمالها، لمواجهة هذه "الجريمة الكاملة" بحق أبناء البلدة، معتبراً أن شبكات الفساد السياسي التي تعيق حل هذه المشكلة منذ سنوات طويلة، أخطر من شبكات الصرف الصحي التي تصب في النهر.
خلال الاعتصام حمل المشاركون مجسما يمثل نعش "شهداء" مرض السرطان، تعبيراً عن المعاناة المؤلمة لأهالي البلدة من هذا المرض، لينتهي بوعد أطلقه ربيع الميس بإسم لجنة المتابعة في وجه المعنيين: "هي المرة الأخيرة التي نبكي فيها قبل أن نبكيكم"، داعيا أبناء البلدية للتكاتف حول مصلحتهم ومصلحة أولادهم.