"تريسي" في ذروتها وجدل بيزنطي بين مؤسّستي الأرصاد

لوسي بارسخيان

الأربعاء 2019/01/16
غالباً ما يتحوّل موضوع الطقس في لبنان إلى عنصر خلاف وتحدٍ، ليس فقط بين هواة تتبع أحوال الثلوج والأمطار والعواصف، وإنما بين المؤسسات التي تعنى بالأحوال المناخية. وظهرت مؤخراً في تنافس على تسمية كل عاصفة جديدة، فيما يشبه الجدل الذي يخوضه الوالدان عادة في تسمية المولود الجديد. حتى باتت التسمية ومدى شيوعها، معيارا لإثبات البنوّة، أو لتحديد الجهة التي يحق لها أن تطلق التوقّعات الجديدة.

نورما أم غطاس؟
وقد أُخذ اللبنانيون بالمعلومات المتضاربة التي بثّتها وسائل الإعلام، التي وجدت في "أخبار الطقس" مادة لرفع نسبة متابعيها. فبين "نورما" و"غطاس" ضاعت وسائل الإعلام في الأسبوع الماضي، وانتشر مراسلوها في مختلف مرتفعات لبنان، بحثا عن عاصفة لم تأت. ومتساقطاتها لم تكن على قدر "التجييش" الإعلامي الذي رافقها، ما جعل الإهتراء في البنية التحتية مادة رديفة تنقذها من الحرج. أما وسائل التواصل الإجتماعي، فغرقت بأخبار وتوقعات مضخّمة بثّها "الهواة"، وسرعان ما تناقلها المتابعون على أنها حقيقة، ليتحوّل الطقس همّاً إضافياً في يوميات اللبنانيين.  

كل هذا يأتي في وقت يبدو أن التعاون بين المؤسستين الرسميتين الوحيدتين اللتين تملكان إمكانية القراءة الدقيقة للأحوال المناخية مفقوداً، رغم وجود محاولات بدعم أوروبي، للتكامل في هذا الإطار.
وقد بدا التنافر بين المؤسستين مؤخرا من خلال بيان نشرته مصلحة الأرصاد الجوية ، تؤكد فيه أنها المرجعية الوحيدة لبث أخبار الطقس. وهو ما استدعى رداً من مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، شرحت فيه قدراتها في توقعات حالة الطقس، خصوصاً أن لديها نحو 80 محطة أرصاد عاملة على مختلف الأراضي اللبنانية، ويقوم بتشغيلها 40 موظفاً مختصاً.

اختلاف تسمية العواصف بين المرجعيتين، شكّل دليلاً على غياب التنسيق بينهما. علما أن للتسمية أصول، تجعلها مقرونة بالعواصف الاستثنائية التي يشهدها لبنان، كما يشرح رئيس مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية ميشال أفرام في حديث إلى "المدن". وذلك في محاولة لأرشفة تداعياتها، وما رافقها من كميات في الهطولات، كما هو حاصل في الدول الغربية، لدى إطلاق التسميات على العواصف القوية.

ترايسي القوية
ولفت أفرام إلى أن المصلحة كانت أول من سمى العاصفة "أليكسا" قبل خمس سنوات، وصولا إلى إطلاق تسمية "ترايسي" على العاصفة الحالية. وهذه الأخيرة كما يقول، ستحمل رياحاً قوية، وتدنياً كبيراً في درجات الحرارة، وتساقط الثلوج ابتداءً من ارتفاع 600 متر، خلال يوم الأربعاء في 16 كانون الثاني. وستؤدي إلى حصول فيضانات وسيول، لا سيما في بعض المناطق المجاورة لنهر الليطاني. 

هذا التنافر بين المؤسستين، يشرّع الأبواب أمام الشائعات الكثيرة التي يساهم ببثها بعض "الهواة" أحيانا. وهذا يؤدّي إلى إحداث بلبلة تصعّب مهمة المؤسسات المعنية في نشر التوعية والإرشادات، "استباقاً" للعواصف قبل هبوبها. فقراءة الأحوال الجوية ليست "هواية"، كما يؤكد أفرام، وإنما هي مسؤولية تعتمد على العلم، وعلى قراءة واقعية للتبدلات المناخية. وبالتالي فإن أهمية القراءة الصحيحة للأحوال الجوية تكمن في الإرشادات التي ترافقها، لمساعدة المزارعين والمواطنين كافّة، وحتى الجهات الرسمية، لتدارك الأضرار التي قد تسببها. ومصلحة الأبحاث كانت سبّاقة في هذا المجال منذ 15 سنة، وبدعم من الإتحاد الأوروبي. 

في مجلس الوزراء
وإذا كانت العواصف وما تتسبب به من فيضانات، أو إغلاق لبعض الطرقات الجبلية ليست حديثة، فيرى أفرام أنه ليس مقبولا في ظل تقنيات الأرصاد، التي تسمح بتدارك المتاعب، أن تتكرر المآسي الإنسانية المرافقة للأحوال المناخية، كما حدث في تسعينيات القرن الماضي، إذ تسببت العاصفة بمقتل 23 شخصاً في بلدة حزرتا. اليوم، وفي ظل التقنيات المتوفرة، لم يعد مقبولاً أن يتفاجأ البلد بأي عاصفة أياً كانت شدّتها. فدقّة الأرصاد الجوية تفوق الـ90 بالمئة، ما يضع لبنان في مصاف الدول المتطورة بقراءة الأحوال المناخية. لكن المطلوب من المواطنين التأكّد من مصداقية الجهة العلمية التي تطلقها، والإلتزام بإرشاداتها.

وكشف أفرام عن اجتماع سيعقد في الأسبوع المقبل، في مقر رئاسة مجلس الوزراء، وسيحضره مسؤولون من دول أوروبية للبحث في موضوع الكوارث الطبيعية. وهذا دليل على أن المصلحة صارت معتمدة ليس فقط لإلقاء الضوء على الطقس، وإنما على الكوارث الطبيعية، والتغير المناخي، وقياس نسبة الأمطار، والمعلومات المناخية. حتى أن الكثير من الأبحاث تعتمد على المعلومات الصادرة عنها. 

أما بخصوص السنة المطرية، بناء للداتا التي تجمعها مصلحة الأبحاث، فهي ممتازة، وستشهد المزيد من المتساقطات. ووفق أفرام سيدخل الطقس في "هدنة" لمدة أسبوع بعد العاصفة "ترايسي"، متأملاً بأن تحمل أيام الشتاء المقبلة المزيد من الأمطار والثلوج، وحتى الجليد، الذي يعتبر أساسيا في القضاء على فئران الحقل والأمراض التي تلحق بالنباتات، بعد سنوات من المعاناة من تراجع المتساقطات، في المواسم الفائتة. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024