المرض والمهانة داخل "رومية".. وانتفاضة مرتقبة

جنى الدهيبي

الأحد 2020/09/20

يمكن القول أن الوضع داخل سجن رومية المركزي خرج عن السيطرة، بعد أن اقتحم فيروس "كورونا" زنزاناته ليفتك بجميع نزلائه، في ظلّ غياب أدنى مقومات الرعاية الصحية. ورغم التنكّر المستمر لإدارة السجن عن حالة التدهور الصحية التي وصل إليها رومية، والإدعاء أن "الوضع تحت السيطرة"، جاء أيضًا التصريح الأخير لنقيب الأطباء شرف أبو شرف صاعقاً على سجناء رومية، لقوله أنّ "المشكلة تكمن في عدم تعاون السجناء وعدم التزامهم بالتدابير الصحية"، بعد إقراره أن الوضع خرج عن السيطرة، مع تجاوز أعداد المصابين المؤكدة 200 حالة. 

انتفاضة مرتقبة  
عمليًا، يبدو أن نزلاء رومية يتحضرون لإعلان انتفاضة مدوية داخل السجن، رغم قلّة حيلتهم وتلاشي أعصابهم نتيجة عوارض الإصابات بالفيروس. لكن اليأس تغلّب عليهم بعد أن فشلوا بالحصول على أي استجابة لنداءاتهم وفيديوهاتهم المصورة المنشورة في الإعلام. يسرّب بعض السجناء صورًا لـ"المدن" تظهر الحالة المزرية التي يعيشها السجناء، لدرجة يبدو أن تنفيذ الإجراءات الوقائية ترف صعب المنال. 

هذا حال الاكتظاظ في رومية (خاص"المدن")
 

والحال هو اكتظاظ كبير، غرف ضيقة ينامون فيها متلاصقين قرب بعضهم البعض، حمامات مشتركة لا تتمتع بأدنى مقومات الخصوصية والنظافة، ونقص حاد في الطعام والأدوية والمسكنات. هذا ما تحكيه الصور، وينقله عدد من سجناء رومية في المبنى "ب" لـ"المدن"، الذين يؤكدون أن الوضع خرج عن السيطرة، والسجناء ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: قسم صغير لم تظهر عليه عوارض العدوى، قسم كبير مصاب وظهرت عليه العوارض من دون أن تتدهور حالته، وقسم ثالث حالته حرجة ويحتاج للمستشفى وأجهزة تنفس ولا يقل عن 40 حالة.

أي إجراءات صحية وهذا حال الحمامات؟ (خاص "المدن")

 

ويؤكد هؤلاء السجناء أن ثمة فوضى كبيرة بالأرقام الرسمية التي تعلنها إدارة السجن حول المصابين، وأنها لم تجرِ فحوص الـPCR لجميع المساجين، وإنما لدفعتين كبيرتين فقط. الدفعة الأولى خضع فيها نحو 70 سجيناً فقط وظهرت نتيجة نحو 60 حالة موجبة، ومؤخرًا ظهرت لائحة من الدفعة الثانية بنحو 140 مصاباً.  

وعن تصريح نقيب الأطباء الذي أشعل الغضب خلف قضبان رومية، يقول أحد السجناء: "يبدو أن النقيب يعيش على كوكب آخر، ويظن أننا نملك ترف الإجراءات، ولا يدرك حجم مأساتنا في وقت نعيش في مكان هو أشبه بزريبة للحيوانات والإسطبل. والمساجين ينامون رأساً وكعباً، وأنفاسهم متقابلة، ويستخدمون المرحاض نفسه وحتى أوعية الطعام والفوط".  

ويشير السجناء أن وضعهم النفسي سيء جداً، ويعاني معظمهم من اكتئاب وقلق شديد، في ظل غياب أي مواكبة لحجم الأزمة، بينما الإدارة تستهتر بهم بحجة أن السجناء يضغطون لإقرار قانون العفو العام وحسب. وفي المقابل، وفق أحد السجناء، "لا تبادر الإدارة لمعالجة المصابين بأي طريقة فعالة، في ظل نقص حاد بالأدوية والفيتامينات التي تقوي جهاز المناعة". ويشير أيضًا أن إهمال إدارة السجن يصل لمستوى عدم الاستجابة لنداءات الحالات الحرجة، إذا لم يقوموا بطرق الأبواب والشبابيك بعنف حتى ينقلوها بسيارة الإسعاف إلى المستشفى. ويتساءلون: أين صارت خطة الاستجابة السريعة؟ هل ينتظرون إعدامنا على البطيء بحجة تفشي "كورونا"؟ ولماذا لا يعاملوننا بأدنى قدر من الكرامة الإنسانية؟  

في هذا الوقت، حاولت "المدن" مرارًا أن تتواصل مع مسؤولين في إدارة السجن للاستطلاع على الوضع من وجهة نظرها، ولكن من دون أي استجابة. وفيما تنقل الإدارة الحالات الحرجة للعزل في مبنى الخصوصية الأمنية، وصلت لـ"المدن" رسالة من داخل السجن، تعكس حالة الإذلال والمهانة للسجناء في حال ثبتت صحتها، تنشرها بحرفيتها:
"إن الشباب الذين نقلوا إلى مبنى الخصوصية للحجر بسبب كورونا يتعرضون للضرب من عناصر الشغب هناك، ولا يسمح لأحد أن يصرخ. ويأتون بوجبة طعام واحدة لهم يومياً عند السادسة مساء، وبعضهم موجود بزنازين إفرادية لا تحتوي إلا على كاميرا وانترفون، وفي حال اتصل أحد المصابين ليطلب دواء أو طعاماً، يتم تهديده من عناصر الشغب بضربه، وبعضهم يشرب الماء من حنفية الحمام، في ظل غياب الرقابة الصحية، لأن مبنى الخصوصية يخضع لسيطرة قوة الشغب فقط".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024