البروفسور غسان دبيبو لـ"المدن":لننتظر اسبوعين لتقييم إنتشار كورونا وأدويته

وليد حسين

الثلاثاء 2020/03/24
فرض فيروس كورونا المستجد نفسه على جدول أعمال كل الحكومات في العالم. وكشف مدى عجز الدول، التي تتمتع بأنظمة صحية تحتذى، في مواجهة تقدمه حاصداً آلاف القتلى. ورغم أن مخاطر هذا الفيروس لا تقاس بما مرّ على البشرية من أمراض معدية حصدت الملايين من الأشخاص بسرعة فائقة، فقد فرضت أعتى الدول على مواطنيها حجراً منزلياً لمنع انتشار الوباء. 

في لبنان وبعد انتشار الوباء، ولو على نطاق ضيق إلى حد الساعة، فرضت الحكومة حجراً منزلياً على جميع المواطنين، قبل انكشاف عورة نظامنا الصحي. حتى أن المستشفيات الجامعية الخاصة اضطرت إلى تخصيص أقسام لمرضى هذا الفيروس، بعدما كانت تفضل إبعاد مرضاه عنها. 

للوقوف عند ماهية هذا الفيروس وكيفية انتشار عدواه، ومدى فتكه بالبشر، والعلاج المحتمل، والاستعدادات لمواجهته، كان لـ"المدن" حديث مع أحد ألمع أطباء الأمراض الجرثومية والمعدية في لبنان البروفسور غسان دبيبو، الذي يشغل منصب رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثومية في الجامعة الأميركية في بيروت، وبروفسور في طب الأطفال والأمراض الجرثومية والمعدية.

هل هذا الفيروس بهذه الخطورة كي يستدعي هذا الهلع العالمي الذي حصل؟
هذا الفيروس بحد ذاته غير خطير. لكن خطورته تكمن في أنه جديد على البشرية. وهذا يعني أن الجميع معرضون للإصابة به. فحتى لو كانت نسبة المضاعفات والاشتراكات التي تحصل للمصابين قليلة، ونسبة الوفيات فيه قليلة جداً أيضاً (على سبيل المثال واحد أو اثنان في المئة)، نحن أمام أرقام كبيرة من المصابين تجعلنا غير قادرين على إعطاء الجميع العلاج اللازم، وتضع المرضى أمام خطر عدم إيجاد أسرة كافية في المستشفيات. وهذا يستدعي الهلع الحاصل عالمياً.

ما هي استعدادات الجامعة الأميركية في بيروت لمواجهة هذا الفيروس؟ 
في الجامعة الأميركية بدأنا منذ ثلاثة أسابيع العمل على مواجهة التحديات وهناك جسم طبي متكامل مخصص لهذا الوباء. وتم تجهيز المبنى 56 المخصص لمركز سرطان الأطفال، وبات جاهزاً لاستقبال مرضى فيروس كورونا، بعدما أخلي تماماً من كل العيادات والأقسام التي كانت فيه. وبات محصورا بشكل كلي لمرضى كورونا. وهو منفصل عن كل أقسام ومباني الجامعة. 

وتم تجهيز المبنى بوحدة للعلاج الخارجي، وبـ 22 سريراً للاستشفاء، و12 سريراً للعناية الفائقة، و12 أخرى متوسطة بين العناية الفائقة والاستشفاء العادي. بالإضافة إلى ذلك إستحدث مختبر خاص بكورونا وقسم أشعة أيضاً، في المبنى ذاته كي تحصر العدوى ولا تنتقل إلى مرضى آخرين.  

ما هي مدة العلاج للشفاء من هذا الفيروس؟ 
هناك عدة أنواع من العلاجات تستخدم. بالمجمل هناك علاج للفيروس بحد ذاته (تتراوح مدة العلاج بين أسبوع وعشرة أيام) وهناك أدوية عديدة يتم العمل على تطويرها للاستخدام في هذا المجال. وهناك علاجات للمضاعفات التي تطرأ على جهاز المناعة، لأن له الدور الأكبر في حدة المرض، مثل إلتهابات الرئة وغيرها (مدة العلاج تعتمد على تجاوب الجسم مع الدواء). وهناك أدوية تعطى للمرضى للسيطرة على ردة فعل جهاز المناعة للتخفيف من حدة المضاعفات. 

ما هي فترة نقل العدوى؟ وهل هناك مدة زمنية للعدوى بعد زوال عوارض المرض؟
فترة نقل العدوى غير محددة بشكل دقيق بعد. لكن هناك بعض الإشارات تدل على أن العدوى تنتقل من الشخص المصاب بعد يومين إلى ثلاثة أيام من الإصابة، وقبل أن تظهر عليه أي عوارض. وتستمر العدوى بالانتقال بشكل كبير بعد أول أسبوع من الإصابة وبشكل أقل حدة لمدة أسبوعين إضافيين. أي أن مدة العدوى قد تصل إلى نحو الشهر من تاريخ الإصابة. وبعد زوال العوارض قد تمتد العدوى لمدة أسبوع إلى أسبوعين إضافيين. لأن المصاب بعد زوال العوارض يستمر بإخراج الفيروس بشكل قليل عن طريق "الخروج" والإفرازات التنفسية. لكن يجب التنبه إلى أن هناك مصابين لا تظهر عليهم أي عوارض نهائياً لكنهم ينقلون العدوى. وهذه إحدى مخاطر هذا الفيروس.

هل يصاب الشخص بهذا الفيروس أكثر من مرة، أو يصبح للجسم مناعة عليه بعد الإصابة؟ 
في الموسم الواحد يصاب به الشخص عادة مرة واحدة. ما نعرفه عن بقية فيروسات الكورونا الأخرى أن جسم الإنسان يشكل عليها مناعة ولا يعود ويصاب بها مرة ثانية في الموسم الواحد. لكن المناعة لا تستمر أكثر من ستة أشهر إلى سنة. فالفيروس يتحول بشكل دائم وبعد مرور نحو عام يصبح فيروسا آخر، فيعود الإنسان ويصابه به من جديد. لكن عوارضه في هذه الحالة تكون أخف من السابق. 

قيل إن الكبار في السن والمرضى أكثر المعرضين للمخاطر من جراء التقاط العدوى. وهذا ربما انعكس استهتاراً بين فئة الشباب، خصوصاً أن أرقام وزارة الصحة أثبتت أن أعلى نسبة مصابين في لبنان هي بين الفئات العمرية التي تتراوح أعمارهم بين 20 و29 عاماً. ما مدى صحة هذا الأمر؟ 
يجب التوضيح للجميع أن الإصابة بالفيروس هي غير المضاعفات التي تنتج عنه. لكن ما هو مثبت أن كبار السن والمرضى معرّضون لمضاعفات قد تكون خطيرة. لذا نرى صغار السن المصابين يستهترون ولا يلتزمون بفترة الحجر الصحي، وينقلون العدوى لكبار السن. فنسبة الوفيات لمن تفوق أعمارهم الثمانين عاماً تصل إلى نحو 20 في المئة، وبين من تتراوح أعمارهم بين 70 و80 عاماً تصل إلى نحو 10 في المئة، وهكذا دواليك. لذا يجب التنبه إلى أن صغار السن المصابين قد لا تظهر عليهم العوارض وينقلون العدوى للكبار. 

بعد ظهور دراسة فرنسية عن وجود دواء لعلاج كورونا، مثل hydroxychloroquine تهافت المواطنون على شرائه، ما استدعى من وزارة الصحة الطلب من الصيدليات عدم بيعه إلا بموجب وصفة طبية. ما مدى صحّة الأمر؟
البعض أراد إعطاء بارقة أمل لمواطنيه بالشفاء من هذا الفيروس، وبدأ يطرح هذا الدواء للعلاج. لكن إذا نظرنا إلى هذا الدواء نعلم أنه قديم جداً ومنذ خمسينيات القرن المنصرم، ويستخدم في علاج داء الملاريا. وتمت تجربته على فيروسات كثيرة مثل الأنفلونزا والسيدا. وكل الدراسات أثبتت عدم وجود أي تأثير له ذي أهمية في علاج الفيروسات. لذا من المفاجئ أن نرى حالياً تلك الدراسة الفرنسية، التي أشارت إلى أن هذا الدواء أثبت أنه يعالج كورونا بشكل تام. في الأمر مبالغة كبيرة. فكورونا مثل بقية الفيروسات، في المختبر يظهر الدواء نتائج جيدة ويمنع تكاثر الفيروس، لكن عند تجريبه على المرضى نتائجه مختلفة. ولا نعلم بحالة كورونا مدى فعاليته بعد. 

لكن من المؤكد أن الدراسة التي حصلت في فرنسا على هذا الدواء، والتي قيل أنها أظهرت فعالية مئة في المئة على مرضى كورونا، بعد استخدامه مع دواء مضاد حيوي zithromax، فيها شوائب علمية كثيرة. فقد طبقت على عدد صغير من المرضى: 28 مريضاً، ثلاثة أدخلوا إلى العناية الفائقة وواحد توفّى. ومن نشر الدراسة تعمّد عدم ذكر هذه المعطيات، كي يظهروا أن نتائج دراستهم أثبتت فعالية الدواء وعلاجه لكورونا مئة في المئة. 

هذا الدواء يستخدم في لبنان للعلاج في ظل عدم وجود دواء خاص، وهناك أدوية أخرى. لكن علينا أن لا ننظر إليه كدواء سحري سينقذنا من هذا الوباء. له فعالية لكن ليس كما قيل. لذا ننتظر دراسات معمقة أكثر من مراكز أبحاث أخرى لنحدد مدى فعاليته. 

إلى جانب هذا الدواء تستخدم في لبنان أيضاً أدوية لمرضى السيدا، لكن لا نعرف الكميات المتوفرة في الأسواق لأنها مخصصة لوزارة الصحة. 

هل هناك توقعات بانتشار الفيروس على نطاق واسع في لبنان؟
كنا نعتمد على وعي المجتمع اللبناني للتجاوب مع نداءات التزام المنازل لعدم انتشار العدوى. لكن حصل بعض الاستهتار، ورأينا مناطق وأحياء ملتزمة فعلاً، لكن في المقابل مناطق وأحياء أخرى استمرت حركة الحياة فيها بشكل عادي أو شبه عادي. علماً أن بقاء الأمور على هذه الحال لا تخدم في السيطرة على الوباء. 

لذا علينا اليوم الانتظار لفترة أسبوعين لتقييم الوضع وتبيان النتائج الفعلية للإجراءات ومدى انتشار الوباء. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024