لماذا لجان كورونا اللبنانية أشطر من كل حكومات العالم؟

وليد حسين

الأربعاء 2021/01/06
قال لي أحد الأصدقاء الذي يملك ورشة حدادة (حداد افرنجي كما يقال بالعامية): "ما لي ولكورونا. وهل ورشتي تنشر العدوى كي تقفل؟ وكيف ننشر العدوى إذا كان مجموع من يزور ورشتي في سنة كاملة لا يوازي عدد زبائن طاولة غداء في مقهى، أو جمعة أصدقاء في مقهى؟"

كنت أطمئن على صديقي وأحواله بعد أكثر من عام على عدم اللقاء به، بسبب كورونا وأسباب أخرى. وطال الحديث الهاتفي وتطرقنا إلى شؤون البلد وأحواله وأحوالنا، معرجين على قرار الإقفال العام وارتفاع عدد إصابات كورونا الكبير، وأبدى انزعاجه من إقفال ورشته، شاكياً من هذا القرار التعسفي الذي لا يميز بين القطاعات التي ينتشر فيها الوباء بشكل مؤكد، والقطاعات التي بطبيعتها لا يصلها الوباء أصلاً. 

فاتورة جماعية
على أي حال، وبعكس دول العالم التي فرضت إجراءات مشددة على المواطنين في فترة أعياد الميلاد ورأس السنة، مانعة حتى العائلات من الالتقاء والاحتفال خارج أفراد العائلة الضيقة، قررت "لجاننا العلمية" أو "العالمة" بمخاطر هذا الوباء العالمي، بفتح البلد للاحتفال بالأعياد، رغم أن كل التقديرات كانت تشير إلى خطورة تلك الإجراءات، بسبب ارتفاع عدد الإصابات خلال الأسابيع التي سبقت الأعياد. حتى أن وزير الصحة وأطباء ومسؤولين حذروا من ارتفاع الإصابات في مرحلة الأعياد. 

لكن وعوضاً عن اتخاذ إجراءات مشددة خلال يومي العيد، ها نحن اليوم ندفع فاتورة جماعية بفعل انفجار قنبلة كورونا الموقوتة وبدأنا نسجل أرقاماً تفوق الثلاثة آلاف إصابة يومياً. 

العالم أقفل خلال العيدين وعادت الدول وبدأت بتخفيف الإجراءات منذ يومين، بينما نحن في لبنان فعلنا العكس، رغم أن ثمن ارتفاع الإصابات معروف مسبقاً في ظل تخلف نظامنا الصحي. 

فتحوا البلد على غاربه لأسبوعين كي يستفيد منظمو سهرات الأعياد، ليعودوا ويقفلوا البلد على القطاعات المنتجة اليوم، بما فيها المؤسسات السياحية. وهذا في المنطق الاقتصادي، الذي كان الدافع الأساسي لفتح البلد، يعتبر أمراً غير صائب وغير منتج. بل هو منطق مضاد للاقتصاد وأسسه. هذا فضلاً عن أن فتح البلد كما حصل تسبب بجزء كبير من أزمة كورونا الحالية، التي ظهرت في الإصابات المرتفعة يوم أمس. 

"مناعة القطيع"!
كانت "لجاننا العلمية" التي تتحكم بمصائرنا اليوم أشبه بمن يطلق الرصاص على رجليه. كانت تعلم أن قراراتها خاطئة لكنها أمعنت بالخطأ. كانت تعلم أن ثمة قطاعات إنتاجية محددة يسهل انتشار الوباء فيها وخصوصاً خلال الاحتفال بالأعياد، ولم تتوان عن السماح لها بتشريع أبوابها على غاربها، مشترطة عليها الالتزام بنسب إشغال لمنع الاكتظاظ، رغم أننا جميعاً على قناعة تامة أن أحداً لا يلتزم في لبنان. فكيف في ظل انحلال الدولة ومؤسساتها وأجهزتها؟

كانت "لجاننا العلمية" في مواجهة الوباء أشبه بـ"داوني بالتي كانت هي الداء". وهذا في عرف كورونا يسمى مناعة القطيع، الذي لا طائل لأي دولة عظمى في العالم عليه. حتى الدول التي تتمتع بنظم استشفائية متطورة لم تتجرأ على هكذا خيار. لكن ما لنا وللدول العظمى، نحن لها!

ملعب الفيروس
عملياً وعوضاً عن فرض حظر تجول في يومي العيد لتجنب التجمعات، فتحت "لجاننا العلمية" البلد لكورونا كي يتجول على راحته. وعادت لتهول من الكارثة وأقفلت البلد على الجميع. 

الإصابات المرتفعة التي رأينها في الأيام الثلاثة الفائتة متوقعة وعادية. فوباء كورونا سريع الانتشار ويعيش على الاختلاط. وقيل بهذا الفيروس اللعين أنه اجتماعي ويترعرع في التقارب الاجتماعي، ومحاربته تكون في التباعد. والاحتفال بالأعياد يعني اللعب في ملعبه المفضل. 

عادة الخيارات الحكومية توضع على هذا الأساس: تفضيل التخالط الاجتماعي للسير بمناعة القطيع، أو تجنب هذا الكأس المر في فرض إجراءات التباعد. ولو كنا في بلد بنظام صحي متطور ولا يعتمد على الاستشفاء الخاص، ومواطنوه لا يموتون على أبواب المستشفيات، ومستشفياته الخاصة تستقبل مرضى كورونا، لكانت قرارات لجنة كورونا الوزارية طبيعية في فتح البلد لاكتساب مناعة قطيع جزئية خلال العيدين. لكن مشكلة لبنان في مواجهة كورونا أن مستشفياته الحكومية باتت غير قادرة على استقبال المزيد من المرضى، في وقت لم تجهز مستشفياته الخاصة إلا نحو سبعين سريراً للعناية الفائقة. 

لجاننا العلمية تعلم أن عدد المستشفيات الخاصة يصل إلى نحو 130 في كل لبنان، ومجهزة بأكثر من ألف جهاز تنفس اصطناعي، في وقت كل المستشفيات الحكومية التي تواجه كورونا فيها نحو 170 جهازاً. وجل ما سيحصل أن الصوت الذي ارتفع لمطالبة المستشفيات برفع عدد الأسرة، سينتهي حيث انتهى في المرات السابقة، أي زيادة سرير هنا أو هناك لتقطيع المرحلة. وسنستمر في دوامة فتح البلد وإغلاقه، بلا أي جدوى، سوى المزيد من مراكمة الخسائر الاقتصادية وإلقاء المياومين وآلف الموظفين في القطاع الخاص على قارعة الجوع.  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024