العوز والجوع: المبادرات المدنية تتسع والحكومة تملأ استمارات

رانيا حمزة

السبت 2020/04/11
باتت الآلاف من العائلات ترزح تحت ثقل العوز والفاقة والجوع. وهي تعيش في صراع يومي بين السعي وراء لقمة العيش والالتزام بإجراءات الوقاية من وباء كورونا والحد من انتشاره، لتبدو حياتها درامية بين الجوع والمرض.

مخاتير وبلديات
وجاء المورفين من الحكومة اللبنانية: 400 ألف ليرة لكل من الأسر الأشد فقراً. وظل الخبر بين تأكيد ونفي، إلى أن أطلق وزير الشؤون الاجتماعية رمزي المشرفية نهار الاربعاء 8/4/2020 "برنامج التكافل الاجتماعي" لمعالجة تداعيات كورونا. وطلب من العائلات المحتاجة التواصل مع المخاتير ورؤساء بلديات ليقدموا البيانات المطلوبة. "جميع العائلات المحتاجة" تعبير فضفاض جداً، إذ لا يخلو حي أو مبنى من أسرة محتاجة.

والاستعانة بالبلديات والمخاتير قد تبعث بعض الروائح الكريهة التي تعيدنا إلى عملهم أثناء الانتخابات، التي تحولهم ماكينات حزبية تلبي طلبات المؤيدين. وتساءل البعض: لماذا تقديم بيانات وشهادات "بالفقر"، طالما لدى وزارة الشؤون الاجتماعية برنامج لدعم "الأسر الأكثر فقراً" جاهزة لوائحه بأسماء العائلات الأكثر فقراً؟

الجيش وداتا الوزارة
مصدر مطلع في وزارة الشؤون الاجتماعية، قال لـ"المدن" إن البرنامج الذي أطلقه الوزير يسير على مرحلتين: 75 مليار ليرة للمرحلة الأولى لتوزيع مبلغ 400 ألف على الأسر الاشد فقراً. وهذا يعني أن عدد المستفيدين هو نحو 200 ألف شخص فقط. وذلك اعتماداً على داتا الوزارة التي تضم نحو 45 ألف اسم يضاف إليهم الآن، 23 ألف اسم جديد، سبق أن تقدموا بطلبات إلى الوزارة وصنفوا على أنهم "على حافة الفقر" وليسوا من "الأشد فقراً". ويضاف إلى الداتا سائقو التاكسي وصيادو السمك، الذين حصلت الوزارة على أسمائهم من نقابتيهم. إضافة إلى موظفين وعمال تركوا أشغالهم، وأخذت أسماءهم من قبل وزارة الصناعة. وأهالي ضحايا كورونا سينالون مساعدة أيضاً.

وسترسل هذه اللائحة إلى لجنة التكافل الاجتماعي في القصر الحكومي، لتعمل على "فلترة" الأسماء وتحديد من يستحق حقاً المساعدة.

وأكد المصدر نفسه أن "توزيع المساعدات المالية (400 ألف ليرة)، سيقوم به الجيش اللبناني الذي سيوزعها ليلاً على المنازل".

وهل سينجح الجيش في هذه المهمة؟ وإن نجح في القرى، هل يتمكن المدن؟ إذ يمكن أن يكون البعض يعيش في خيم أو مشردين.

لا مال للجدد
المرحلة الثانية من البرنامج، يتضمن إرسال استمارة عبر تطبيق application إلى هواتف السلطات المحلية من بلديات ومخاتير، ليملأها المستفيدون أو المختار لتحول إلى وزارة الداخلية والبلديات التي "تفلترها" وتحولها إلى القصر الحكومي.

لكن لا مبلغ مرصوداً للمرحلة الثانية.

والـ 400 ألف ليرة تدفع لمرة واحدة أم أكثر؟ أجاب المصدر: "لا نعلم حتى الآن. والأمر مرهون بيتوقف الحجر".

أما التسجيل في برنامج "الأسر الأكثر فقراً" ففي مراكز الشؤون الاجتماعية في المناطق، حيث تُملأ الاستمارات، وترسل إلى الوزارة لتقييم الحالات، وترسل البطاقات لمن يستفيد.

وتسمى بطاقة وزارة الشؤون الإجتماعية "بطاقة حياة" يستفيد حاملها لدى دخوله المستشفى، ويحصل على مساعدة تعليمية في المدارس والمهنيات الرسمية. وحامل هذه البطاقة لا يحصل على حصص غذائية مخصصة للأسر الأشد فقراً، بينما الأسر الفقيرة جداً هي التي تحصل على حصص غذائية. وهنا قد تتدخل الواسطة والمحسوبيات.

لكن أزمة كورونا تكاد تنتهي قبل سماعنا أن أحداً قبض مبلغ الـ 400 ألف ليرة.

وبدأ تسجيل المحتاجين لدى المخاتير، الذين غالباً ما يوزعون الاستمارات على معارفهم، وربما من يتقاسم معهم انتماءً سياسياً.

مباردات سريعة
قد يكون مصدر المساعدة الحقيقية والفعلية حالياً للجياع والمحتاجين هو التكافل والتضامن الاجتماعي. بعض الجمعيات الخيرية في المناطق تحركت ونشأت مبادرات شبابية.

"مبادرة ع قدنا" أطلقها مجموعة من الممثلين: عبدو شاهين، بديع أبو شقرا، أنجو ريحان بالتعاون مع بعض الناشطين في المجتمع المدني. في البداية أمنت الخبز، وتالياً الحصص الغذائية. لكن عملها اصطدم بالبنوك، التي رفضت صرف شيكات المتبرعين. ويروي علي حيدر الناشط في هذه المبادرة معاناتها: "يمكننا تأمين 500 حصة، مقابل نحو 5000 طلب. لذا لا يشعر الناس بما نقوم به. فماذا يعني أن نوزع 200 حصة في طرابلس فيما عدد المحتاجين يناهز المليون في الشمال؟". وأضاف: "ماذا تفعل 400 ألف ليرة في ظل ارتفاع الأسعار المتزايد؟ المساعدة الحقيقة للناس تبدأ بتثبيت سعر السلع والمنتجات".

فرح أبي مرشد قامت مبادرة صغيرة، وقالت: "جمعنا مدخرات الجمعية (جفرا) ووزعناه سلعاً ملحة لمحتاجين في بيصور وكيفون".

"نحن لبعض" مبادرة شبابية، منظموها مجموعة صبايا وشبان تمكنوا في اسبوعين من تأمين المساعدة لنحو 70 عائلة في ضاحية بيروت الجنوبية. ويسعون لتأمين مساعدات في الجنوب. ويبذلون جهداً لتأمين الأدوية لمحتاجيها. هناك متبرعون يساعدون المبادرة: "أثناء توزيعنا المساعدات تدب الحماسة بالبعض فيرمون لنا من على الشرفات نقوداً يربطونها بملاقط الغسيل"، يقول أحد الناشطين في المبادرة.

ويتحدث أيمن زين الدين عن مبادرة "سرفيسك عالبيت" التي تعنى بسائقي التاكسي، الذين توقفت أعمالهم تماماً بسبب الحجر المنزلي: "بدأنا قبل أسبوعين بالشراكة مع المرصد الشعبي لمحاربة الفساد. جمعنا أسماء السائقين في مناطق مختلفة. وزعنا 300 حصة غذائية. ونعتمد السرية التامة في التوزيع".

بدأت مبادرة "الناس لبعضا" بأشخاص ستة جمعوا مبلغ من المال لـ 20 حصة غذائية ثم لـ70 حصة والآن هدف الحملة الوصول إلى 180 حصة. البداية كانت من الجنوب والآن تحاول المبادرة التوزيع في صيدا وطرابلس.

منذ نحو سبع سنوات بدأت سيمارد حرب مبادرتها من منزلها في الضاحية الجنوبية. وبات الناس ينادونها المختارة. لا تحتاج أن يتصل بها أحد. هي تعرف المحتاجين وتبادر لمساعدتهم. هي مدرسة لغة إنكليزية. ورثت مساعدة الناس عن والدها. وتقول: "منذ 18 آذار كثفت جهدي بالتعاون مع مجموعة من الأصدقاء لتأمين المساعدة لمن يحتاج. نرسل المساعدة ليلاً إلى منازل المحتاجين". لم تقصر مساعداتها على الضاحية، فوصلت الى ميس الجبل وعكار.

وأطلقت جمعية "دنيا للتنمية المستدامة" مبادرة خلال ثورة 17 تشرين في طرابلس. رئيسة الجمعية ناريمان الشمعة قالت: "في الأساس نعمل على قضايا التوعية والتمكين والتنمية المستدامة ومكافحة الفقر. وقمنا بحملة مساعدات لتمكين الناس من الصمود والاستمرار في نطاق اتحاد بلديات الفيحاء وبعض قرى عكار والضنية. ومع أزمة كورونا ارتفع عدد الأسر المحتاجة، فاستطعنا تأمين ملابس ولوازم تدفئة وأدوية. والأولوية لكبار السن، الأرامل، المطلقات، المعوقين، وأصحاب الأمراض المزمنة. ونحن نساعد ما يزيد على ألف عائلة".

تعبئة استمارات
هذه المبادرات وسواها ممن اتصلت "المدن" بمطلقيها، واستطلعت نشاطاتها في مناطق لبنانية كثيرة، تتجنب البلديات وكذلك المخاتير الموكلون من "برنامج التكافل الاجتماعي" التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، التعاون معها. بل إن الناشطين والناشطات في المبارات كافة يجزمون أن ما يقوم به المخاتير والبلديات يقتصر على تعبئة الاستمارات.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024