أنطوني نحول لا يحب كلمة "حرام": تخرّج وأسس شركة

نيكول طعمة

الثلاثاء 2018/10/30

من أين نبدأ؟ من اللحظة التي فتح فيها أنطوني نحول عينيه على هذه الدنيا من دون أطرافه الأربعة؟ أو عندما أدرك حالته الغريبة عن بيئته فبكى كثيراً، ثار على نفسه رافضاً واقعه؟ بل سنبدأ من الأيام التي بدأ يخرج فيها من أزمته شيئاً فشيئاً، وكل مرة يخرج أكثر قوّةً من المرحلة السابقة، مع تصميم وإصرار أكبر على مواجهة الحياة وتحدّي إعاقته الصعبة.

لما بادرنا في "المدن" إلى سؤال نحول عن المراحل التي عاشها وهو مقعد على كرسيه المتحرّك، لفتتنا إرادته القوية وعشقه لهذه الحياة التي جاء إليها بدون يدين وقدمين، ويقول: "على الرغم من ذلك، تمرّدت على واقعي وتخطيّت مشكلتي الجسدية وتأقلمت معها بعدما وجدت الوسائل التي تساعدني في تجاوز النقص وتلبية حاجاتي الطبيعية". يضيف: "مهما كانت نوعيّة الإعاقة وصعوبتها لا يجوز أن تقف حاجزاً أمام رغباتي في تحقيق ما أصبو إليه كشاب يؤسّس لمستقبل ناجح".

من الدرس في المنزل.. إلى الجامعة!
عن مرحلة الطفولة، يخبرنا نحول أنه عندما بلغ عامه الثالث، قرّر ذووه تسجيله في مدرسة الليسيه- عمشيت، وهنا بدأ التحدّي. "واظبتُ على تلقي دروسي في المنزل وفق المناهج المعتمدة لكل صف نظراً إلى خصوصية وضعي الصحي، وكنت أتردّد إلى المدرسة في امتحانات آخر السنة وتأتي نتائجي متميّزة وأكون بين المتفوقين". ولم تكن إعاقته مقياساً لخيارات تخصّصه العلمية بالنسبة اليه ولأهله، لكن واقعه فرض عليه أن يختار اختصاص برمجة الكومبيوتر بدلاً من الهندسة التي تتطلّب انتقالاً كثيراً. يروي بروح إيجابية: "التحقت بالجامعة اللبنانية الأميركية LAU- جبيل، وهناك كان عليّ مواجهة بيئة جديدة ومجتمعاً يحمل في طياته خليطاً من الطباع والشخصيات وحتى المواقف". يضيف: "كما في كل محطة جديدة في حياتي، كان ثمة أناس يتقبلونني وآخرون لا يتقبّلون، ربما بسبب البريستيج والحكم المسبق عليّ. وما يزعجني من الناس كلمة حرام، والمقصود بها أن الشخص المعوّق إنسان ناقص وكأنهم يتنصلون من النقص الموجود في كل إنسان، لأن الكمال لله وحده، ولدى كل إنسان نقص معيّن، سواء أكان من الداخل أو الخارج، وبالتالي تأتي عبارة حرام في غير مكانها. وبما أنه لا ينقصني سوى أطراف، أرى أن الله أنعم عليّ بالمقابل الكثير من النعم وليس بالضرورة أن يكون يمنحها لغيري، ومع ذلك أتلقى كلمات الشفقة من جانب إيجابي أكثر من الآخر السلبي".

أنهى نحول مرحلة التخصص الجامعي وأمضى سنوات الدراسة كسائر زملائه، مشاركاً في نشاطاتها وسهراتها.

ماذا بعد الوظيفة؟
ولأن أجندة الحياة تفترض أن يكون الشاب مسؤولاً عن نفسه، بدأ نحول البحث عن عمل فور تخرجه. فهل نجح أنطوني في ذلك؟ يجيب: "بعد التخرّج بحثت كأمثالي من الشباب عن وظيفة، وفي بلدنا الدخول إلى سوق العمل بشكل طبيعي ليس بالأمر السهل، فكيف الحال إذا كان طالب الوظيفة في وضع جسدي خاص؟ لا شك أنني كنت أصطدم في كل مرة بعدم توافر الوسائل الخاصة أو التجهيزات الهندسية بذوي الإعاقات في الشركات الخاصة، إلى أن جاءت الفرصة في إحدى الشركات التي منحتني فرصة العمل لديها مسؤولاً عن قسم البرمجة فيها". لم يشأ أنطوني أن يقف عند هذه الوظيفة التي لا تلبّي أهدافه وطموحه، وفق تعبيره، فإلى ذلك، أسّس منذ عامين شركته International For Software Development المتخصّصة بتنفيذ Web & Web development, Mobile Applications And Digital marketing.

من الصعب أن نتخيّل نحول، الذي لا يقوى على الحركة باستقلالية مطلقة، يقاوم، يكافح، يتعلّم، يتخرّج وينخرط في سوق العمل، ثم يصبح صاحب شركة في عمر الـ22! ونأسف على شباب كُثُر لا يعانون من إعاقات جسدية ومع ذلك لا يعثرون على عمل إلا بصعوبة شديدة، وهذا الواقع أصعب بكثير لدى الباحثين عن عمل من ذوي الإعاقات المختلفة.

لا يعتبر نحول، ابن الـ24 عاماً، أنه قد أنجز الكثير إلى الآن بعكس ما يعتقد كثيرون، "ما هي إلا بداية"، يقول، "والأهداف لا تزال أمامي، والطريق طويلة نحو مستقبل واعد".

تلك المواجهة التي حفرت في ذاكرة نحول لم تكن لتمر بسهولة لو لم يكن محصّناً بسلاح الإيمان وإرادة الحياة التي زرعها في عروقه أفراد عائلته. لقد استطاع أن يبني لنفسه عالماً ضد نظرات المجتمع ومظاهره إلى درجة أنه كان يصرّ في كل مرة يتلقى فيها دعوة من الرفاق للخروج إلى أحد المقاهي أو المطاعم أو البحر، أن يتولى الرفاق إبلاع الحاضرين الجدد الذين يلتقونه للمرة الأولى بحقيقة وضعه. إلى ذلك لا يستثني نفسه من ممارسة هواياته، كالرياضة والسباحة وغير ذلك مما يتمكّن من المشاركة فيه والاستمتاع به مثل أي شاب من جيله.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024