يوم المآتم والرصاص في الشمال: الجيش يودّع شهداءه

جنى الدهيبي

الإثنين 2020/09/14

في يوم المآتم والرصاص، كسر الاثنين بصورةٍ مباغتة "الروتين الحذر" الذي كانت تعيشه مناطق الشمال من طرابلس إلى عكار. وبعد ليلةٍ مروعة عاشها جبل البداوي، إثر استشهاد 4 عناصر من مخابرات الجيش اللبناني، هم نهاد مصطفى، لؤي ملحم، انطوني تقلا وشربل جبيلي، على يد خالد التلاوي وأفراد من خليته، لفّ الحزن المناطق الشمالية على وقع المآتم والنعوش، ولم يُسمع في سمائها إلا الإطلاق الكثيف للرصاص.  

التشييع الشعبي
لم يُشفِ مقتل التلاوي على يد أحد عناصر الجيش، أثناء مطاردته مع خليّته، نفوس ذوي الشهداء. من المستشفى الحكومي في طرابلس، نُقل الشهداء إلى مسقط رأس كل منهم في البلدات العكارية، بعد قيام عناصر الشرطة العسكرية بمراسم التشييع، وعزف لحن الموت، من أمام المستشفى، بحضور حشود شعبية وإطلاق كثيف للرصاص. وقد ألقى قائد منطقة الشمال كلمة باسم وزيرة الدفاع وقائد الجيش.  

وبعد توقف موكب الشهداء في المنية، كان الاستقبال الشعبي الحاشد لهم عند مستديرة شهداء الجيش في ببنين – العبدة، في المدخل الجنوبي لمحافظة عكار. هناك، نظمّت بلدية ببنين العبدة استقبال ضحايا الجيش بمواكبة من الجيش اللبناني، شارك فيه رئيس البلدية كفاح الكسار. وقد حمل أبناء المنطقة النعوش على الأكف وطافوا بها حول مستديرة العبدة. 

حشود شعبية وإطلاق كثيف للرصاص (علي علّوش)
 

خزّان الجيش
وفي مواكبة "المدن" لمراسم التشييع، كان الرصاص العشوائي سيّد الموقف، ما تسبب في ذعر بالمنطقة التي يلّفها الحزن، وهي خزّان الجيش وتواجه تهمة تغلل الخلايا الإرهابية في آنٍ معًا. عند المستديرة، تجمّع رجال المنطقة وبعض نسائها لزفّ الشهداء على وقع الأناشيد الوطنية وهتافات التنديد بالقتلة المجرمين، ورفعوا الشعارات عاليًا ضدّ ما أسموه "خلايا الإرهاب والإرهابيين"، مقابل رفع شعارات الولاء للجيش وقائده، والمطالبة بالاقتصاص من المجرمين والإرهابيين.  

وبينما وجه رئيس بلدية ببنين رسالته تحت شعار أن "على الجميع أن يعلم بأن ما من لبنان من دون عكار"، أشار في كلمته أن "عكار كما كانت على الدوام، هي على العهد في سبيل هذا البلد وفي سبيل عزته وكرامته". وقال للعسكريين: "نحن فخورون ببطولاتكم وبشهادتكم أيها الأبطال، فرحون بتضحياتكم العظيمة رغم هذا الحزن الكبير، واللعنة على الارهاب".  

طوال فترة التشييع، كان كسار يحاول دعوة شباب المنطقة "للتأنّي بإطلاق الرصاص العشوائي"، ولكن من دون جدوى. ووسط الحشود الغاضبة، يحكي خالد قاسم (59 عامًا) عن سبب مشاركته في مأتم التشييع رغم الرصاص الكثيف، ويقول لـ"المدن": "أشارك في التشييع لنؤكد أن عكار هي خزان الجيش، ولا مأوى لأهلها سوى باحتضان الدولة لها. لكننا نشعر بخطر كبير يداهمنا، ونخاف من تمدد خلايا الإرهاب مقابل عجزنا عن رصدها، كما نخاف من المخططات المشبوهة التي لا تعود علينا إلا بالخراب والدماء". أما بهية العلي (31 عامًا)، التي حضرت المأتم مع طفليها الصغيرين، فقالت لـ"المدن": "جئت مع أطفالي الصغار حتى يتربوا على محبة الجيش والوطن، ولأنني أخاف على مستقبلهم من خلايا الإرهاب التي تنمو في هذه المنطقة، وصرنا نخاف لمجرد الخروج من المنزل، لأننا لا نشعر بالأمان، وندفع يوميًا ثمن الإهمال الممارس بحقنا، وأصبحنا لا نطمح سوى للعيش بأمان".  

لاحقًا، أكمل الموكب طريقه باتجاه بلدات وقرى العسكريين الشهداء في عندقت ومشمش وشان وكرم عصفور، حيث كانت لهم محطات استقبال متتالية عند مفارق ومداخل البلدات والقرى العكارية، ولتشييعهم بالصلاة على أرواحهم تباعًا، وفق المواعيد المحددة من قيادة الجيش وذويهم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024