تبديد 120 عاماً: مدرسة "الجامعة الوطنية" تستغني عن أساتذتها

وليد حسين

الثلاثاء 2020/06/30
باتت أحلام اللبنانيين بتحصيل العلم الجيد في المدارس العريقة مستحيلاً، في ظل الظروف الاقتصادية والانهيار المالي الذي يعاني منه لبنان. وبات آلاف اللبنانيين مهددين بطلب العلم للأولاد في المدارس الخاصة التي كان يتباهى بها لبنان. وهذا أمر لم يعد خافياً على أحد، ومن اليومات المعاشة في "بلد الأرز".

120 عاماً
لكن المصادفة أن تتهاوى المدارس اللبنانية العريقة ذات الأقساط المرتفعة والعلم الجيد، قبل المدارس الخاصة الصغيرة ذات الأقساط المتواضعة. فعلى غرار صرف مدارس البعثة الفرنسية عشرات الأساتذة، ها هي مدرسة الجامعة الوطنية تلجأ إلى صرف أكثر من 60 أستاذاً ومعلمة، بذريعة الاستمرار في تأدية رسالتها في الجبل. إذ يعود عمر هذه المدرسة إلى نحو مئة وعشرين عاماً في عالية. وخرجت آلاف الطلاب والشخصيات السياسية في لبنان.

هي مدرسة صغيرة، إذ تضم نحو 800 طالب وطالبة. لكن معدل أقساطها مرتفع في المنطقة، إذ يبلغ نحو تسعة ملايين ليرة. ويقصدها أهالي الطلاب المنتمين للطبقة الوسطى والموظفين. لكن تراجع رواتب الموظفين وفقدانهم القدرة الشرائية جعلهم يحجمون عن تسجيل أبنائهم بفعل الأزمة التي تعصف بلبنان. 

ووفق ما أبلغ أساتذة مصروفين "المدن"، يضم الكادر التعليمي للمدرسة نحو مئة وعشرين أستاذاً فقط. ومعدل رواتبهم ليس مرتفعاً كثيراً. لكن رفض الإدارة التخلي عن جزء من أرباحها السابقة جعلها تتشبث برأيها، وعدم الإقدام على خفض الأقساط على الأهالي لهذا العام. خصوصاً أن المدرسة لم تتكلف شيئاً على النفقات التشغيلية، بفعل إقفال المدارس بعد انتفاضة تشرين وانتشار وباء كورونا. 

بلاغ وتوقيع
استسهلت المدرسة صرف أساتذتها كي تواجه الأزمة، بعدما خسرت نحو 300 طالب من طلابها. إذ لم تعمد إلى خفض الأقساط لهذا العام، ورفضت تطبيق قرار وزير التربية طارق المجذوب بإعادة درس الموازنة وتعديل بنود النفقات التشغيلية، وخفض الأقساط على الأهالي. 

لذا، ومن دون سابق إنذار اتصلت الإدارة بالأساتذة وطلبت منهم الحضور للتوقيع على بلاغ بالصرف، كما قال بعض الأساتذة للمدن. رضخ البعض ووقع على هذا التبليغ، من دون أن يعرف على ماذا يوقع. فمعظم الأساتذة لا يريدون إحداث أي جلبة ويخافون من عقاب ما يطالهم في بيئتهم. فالإدارة المالية لم تشرح لهم أي شيء ووقعوا من دون معرفة ما هي الحقوق التي ستحفظها المدرسة لهم. وعندما طالب البعض بحقوقه، قالت لهم الإدارة المالية أن المدرسة غير قادرة على دفع أي تعويض لهم. وبينما وقع البعض، رفض البعض الآخر، وبدأ بالتواصل مع محامين لرفع دعاوى الصرف التعسفي. واستغرب الأساتذة كيف تلجأ الإدارة إلى هذا الصرف فيما تقوم بتشييد مباني جديدة، وفيما لم تكن على علم بعدد الطلاب الذين سيغادرون المدرسة. 

احتجاج التلامذة
ووفق المصادر، تذرعت الإدارة بالاستغناء عن خدمات هؤلاء الأساتذة بانخفاض عدد الطلاب وعدم إقدام نحو 300 طالب على التسجيل. بينما عدد لا بأس به من الطلاب عاد وتسجل للعام المقبل. كما أن الصرف لم يكن على أساس الكفاءة. إذ صرفت المدرسة أساتذة مضى على خدمتهم أكثر من 15 عاماً، بينما أبقت على البعض الذين دخلوا إليها بالوساطة السياسية.   

ووفق بعض الاساتذة، ربما تلجأ المدرسة إلى الاستغناء عن عدد إضافي من الموظفين. خصوصاً أن هناك معلومات عن توجه المدرسة لحصر عملها للعام المقبل بالتعليم عن بعد.

أمام هذا الصرف التعسفي، نظم الطلاب اعتصاماً أمام المدرسة يوم الإثنين في 29 حزيران، كما تداعت بعض المجموعات الناشطة في 17 تشرين إلى تنظيم تحركات ضد الإدارة في الأيام المقبلة، وذلك مع اقتراب موعد الخامس من تموز. وهو الموعد الذي تعمل المدارس الخاصة على صرف أساتذتها قبله، كما ينص القانون.

رد المدرسة
ولفتت المصادر إلى قضية تقديم لما شهيب ابنة النائب أكرم شهيب استقالتها عبر صفحتها الفايسبوكية بعد مرور أكثر من 18 عاماً على عملها في المدرسة، كمنسقة للأنشطة للصفوف المتوسطة. واعتبرت المصادر أن هذه الاستقالة بمثابة ذر الرماد في العيون ليس أكثر. فقد أرادت إظهار تفانيها الشخصي لصالح بقاء المدرسة في عاليه، على اعتبار أن الخلاص الوحيد للمدرسة كي تستمر هو التخلص من الأساتذة وعبئهم على ميزانية المدرسة. 

تواصلت "المدن" مع إدارة المدرسة لحفظ حقها في الرد. وعاد محامي المدرسة وسام أبو غانم وشرح تفاصيل وملابسات الصرف. اعتبر أن حقوق الأساتذة مقدسة بالنسبة للمدرسة وأن الأخيرة كانت مضطرة أمام انخفاض عدد التلامذة إلى التخلي عن بعض الأساتذة. فأمام نفاذ المهل القانونية وعدم إقدام الطلاب على التسجيل للعام المقبل، كانت المدرسة ملزمة بإبلاغهم.

وأكد أن الإدارة تتفهم غضب الأساتذة الذين سيستغنى عنهم خصوصاً في ظل الظروف الحالية، لكن الإدارة لم تكن لنقدم على هذه الخطوة لولا الظروف الناشئة. وطمأن أن المدرسة ستعيد النظر بالصرف في حال أقدم عدد من الطلاب على التسجيل من جديد. فهي تعرف أساتذتها ولن تلجأ إلى التعاقد مع أشخاص جدد. 

وعن الأقساط أكدت أن الإدارة شعرت مع الأهل، واتخذت خطوة بخفض عشرة بالمئة من الأقساط، وربما هذا يساعد البعض على تخطي المرحلة. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024