بيروت مدينتهن أيضاً: "عاملات" بمواجهة الدمار والحزن

جنى الدهيبي

الإثنين 2020/08/10

قبل أن تندلع المواجهات العنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن في وسط بيروت، في يوم الأحد 9 آب 2020، بدا أحد بيروت نهارًا كمدينةٍ تلملم جراحها بأيادي المتطوعين والمتطوعات، الذين لم يملّوا لليوم الخامس على التوالي، بعد انفجار المرفأ في 4 آب، من مساندة العائلات وأصحاب الأرزاق، الذين فُجعوا بدمار بيوتهم ومتاجرهم. 

كأنه بلدنا
وفي وقت لم تبادر سلطات الدولة إلى مد يد العون للمصابين والمفجوعين من دمار بيروت، لا بل تستمر بمحاولات قمع المتظاهرين والإفراط باستخدام القوّة معهم، لم يجد اللبنانيون سبيلًا إلّا للتكافل الاجتماعي فيما بينهم، رغم أن حجم الدمار يفوق قدراتهم على إزالته. لكن، أكثر المشاهد اللافتة في أحد أحياء بيروت، كان بتطوع مجموعات كبيرة من العاملات الأجنبيات، وهن يحملن الرفوش والمكانس، للمساعدة في إزالة الركام الزجاجي، ودمار محتويات المنازل والمقاهي والمحال التجارية. للوهلة الأولى، بدءًا من ساحة الشهداء وصولًا إلى الجميزة ومار مخايل، يبدو مشهدهن كأنهن أتين لتنفيذ مهمة مدفوعة الثمن. لكن إحداهن قالت لـ"المدن": "لم يرسلنا أحد إلى هنا، تواصلنا مع بعضنا عبر مجموعات الواتساب، وقررنا التطوع في إزالة الأضرار".  

عند أوّل شارع الجميزة بعد أمتار من مقهى Paul، تقف العاملة الإثيوبية طيبة (29 عامًا)، وسط مجموعات من 25 عاملة إثيبوبية. قالت بلغة عربية مكسّرة: "قررنا أن نبادر لمساعدة الشعب اللبناني الحزين، وهذا البلد كأنه بلدنا، رغم كل المصاعب والتحديات التي تواجهنا في الفترة الأخيرة، لكن مصيبة انفجار بيروت أثرت بنا جميعًا".

 

طيبة التي تقف مع صديقتها تيغست (32 عامًا)، لتنظيم العاملات وتوزيعهن على خريطة عمل وضعتها، تعاني معها من أزمة التشرد في لبنان، منذ العام السابق. قالت: "جئت إلى لبنان قبل 12 عامًا، لكنني خسرت عملي العام الماضي، وأنام مع تيغست أمام مبنى مفوضية الأمم المتحدة، ونعيش ظروفًا صبعة للغاية، ولا نقدر العودة إلى بلادنا أبدًا، فنسعى لعمل الخير بتطوعنا حتى يعود لنا".

مبادرات في الشوارع
على طول الطريق المؤدية من الجميزة إلى مستشفى الروم، كان المشهد واحدًا: بيوت مدمرة، بعض أصحاب المقاهي والملاهي يحاولون إصلاح ما أفسده الانفجار، ومتطوعون يجولون في كل مكان، بينما الشوارع التي يلفها الحزن، يكسر صمتها صوت كنس الزجاج وجرافات إزالة الردم.  

عيسى قيصر، الناجي في مستشفى الروم

مبادرات التطوع، لم تمحُ مآثر الفاجعات التي طبعت في نفوس الناجين من نكبة بيروت. عند حرم مستشفى الروم، التي صارت خارج الخدمة و فُرّغت من المرضى، بعد أن دمرت بشكل كبير، واستشهد فيها 4 ممرضات وسقط عشرات الجرحى، يقف عيسى قيصر (60 عامًا)، وهو واحد من مسؤولي الأمن في المستشفى. عيسى وهو أب لشاب وشابة، يعيش في عين الرمانة من دون أن يسلم منزله من بعض الدمار. قال لـ"المدن": "لحظة وقوع الانفجار، كنت في الطابق التاسع من المستشفى، أجول على الأقسام لتفقد الزوار قبل انتهاء موعد الزيارات". فجأة، "أسمع دويًا لا أستطيع وصفه، ولم أسمعه في حياتي حتى في عزّ الحرب، ثم صحوت ووجدت المستشفى غارقة بالدمار والدماء. وزوجتي تعمل في الطابق الأول كانت من بين المصابين ببعض الجروح"، ختم قائلًا بغصة كبيرة: "أنا اليوم عمري 5 أيام، لقد خرجت من الموت بأعجوبة، ولا أصدق أنني على قيد الحياة حتّى اللحظة".  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024