أفراد مجتمع الميم.. "محرومون" حتى من العلاج النفسي

منى حمدان

الأحد 2019/04/14

في لبنان، ليس غريباً أن تواجه/ي التمييز يومياً. يكفي أن لا تشبه/ي صورة "اللبناني" النمطية التي يجب أن يراها العالم. يكفي أن تنتمي إلى إحدى الفئات المهمّشة، وما أكثرها هنا. يكفي أن تكون/ي "آخر" ليشعر المجتمع بالخوف والتهديد، وينطلق في حربه ضد وجودك نفسه.

يعيش أفراد مجتمع الميم (مصطلح يختصر مثليو/ات الميول الجنسية، ثنائيو/ات الميول الجنسية، العابرين/ات جنسياً، اللاجنسيين/ات، المتحررون/ات جنسياً Queer، وكل من ينتمي إلى الأقليات الجنسية بشكل عام)، هذه المعارك يومياً وفي جميع تفاصيل حياتهم/ن.

الانتهاكات اليومية
يواجهن/ون التمييز، إساءة المعاملة، التنمّر، التهميش والإقصاء، التحرش الجنسي، الاعتداء الجسدي، الحرمان من العمل، التحريض الديني والمجتمعي الذي يصل إلى حد وصفه بخطاب كراهية تجاههم/ن. وليس آخراً، الملاحقات والاعتقال والسجن، تحت عباءة  المادة 534 من قانون العقوبات، التي تجرّم "المجامعة على خلاف الطبيعة". مادةٌ لطالما اعتبرت فضفاضة وغامضة، يستغّلها رجال الأمن والقضاء لمضايقة ومحاكمة أشخاص من أفراد مجتمع الميم، أحياناً بحجة ما يعتبرونه "التشبه بالإناث"، أو ما يعتبرونه "نعومة زائدة". وكأنهم يملكون مقياس النعومة المسموح به لكل شخص.

نتيجة العنف اليومي والممنهج الذي يعيشونه، والخوف والتوتر الدائمين، تنشأ كثير من الاضطرابات النفسية التي تؤثر على حياة أفراد مجتمع الميم. ويعتبر الاكتئاب الحاد واضطراب القلق المزمن الأكثر انتشاراً، خصوصاً بسبب عدم تقبّل الآخرين لهم/ن ولهوياتهم/ن الجنسية أو الجندرية، وعدم الاعتراف بهم/ن. وحين يتعلّق الأمر بصحة هؤلاء الجنسية والنفسية، فيمكن القول أن أمام لبنان طريق طويل قبل أن يتساوى فيه الأفراد جميعاً، في الحقوق والخدمات، خصوصاً الصحية منها.

الصحة النفسية
يعتبر الوصول إلى الخدمات الصحية النفسية في لبنان أمراً صعباً على الكثيرين/ات، بسبب ارتفاع كلفة هذه الخدمات واستمرار اعتبارها رفاهية أو حاجة ثانوية. وفي حديث لـ"المدن" يقول الطبيب النفسي عمر فتّال إن "أعضاء مجتمع الميم يشتركن/ون في هذه المشكلة مع الجميع، أما مشكلتهم/ن الأساسية والجوهرية فهي تكمن في سؤال: ماهي طبيعة العلاج النفسي الذي يصلون إليه؟". ويشرح أنه "ليس سهلاً في لبنان أن يجد أحد أعضاء مجتمع الميم طبيباً/ةً أو معالجاً/ةً نفسياً/ة لديه/ا الوعي الكافي في هذا الموضوع. عدد كبير من الأطباء والطبيبات والمعالجين/ات يملكون آراء وأفكاراً مغلوطة عن المثلية الجنسية، قديمة جداً، نظريات لم يعد العالم يعترف بها. منهم من يصدّق لليوم أن المثلية مرض، فأي خدمة صحية سيقدّم هؤلاء لشخص من مجتمع الميم؟".

حصل في سبعينيات القرن العشرين توافق بين العاملين في مجالات السلوك وعلم الاجتماع والحقل الصحي والنفسي على صعيد عالمي، على فكرة أن المثلية الجنسية هي شكل صحي من أشكال التوجه الجنسي عند البشر. وطبّق ذلك فعلياً عام 1973 حين ألغت الجمعية الأميركية للأطباء النفسيين تصنيف المثلية الجنسية كاضطراب نفسي. ثم تبعتهم جمعية علم النفس ومؤسسات صحة نفسية عالمية منها منظمة الصحة العالمية. لكن ذلك لم يلغِ الأحكام المسبقة والأفكار النمطية، التي لا تزال موجودة في الحقل الطبي في لبنان، وتمارس على مجتمع الميم.  

يؤكد د.فتّال، وهو عضو مؤسس ومجلس تنفيذي في الجمعيّة الطبيّة اللبنانيّة للصحّة الجنسيّة، أنه "بعد كل هذه السنوات، لم يتطور في لبنان موضوع الصحة النفسية والجنسية عند مجتمع الميم. هناك أطباء وطبيبات ومعالجون/ات، لم يتمكنوا حتى اليوم من مواكبة العلم في ما خص المثلية الجنسية، وما زالوا يتبنّون نظرية أن المثلية الجنسية هي بالضرورة بسبب تعرّض الشخص لاعتداء جنسي في طفولته/ا. وهي نظرة خاطئة وغير علمية".

أفكار غير علمية
يحدث ذلك في وقت يعتبر هؤلاء الأشخاص من الفئات الأكثر حاجة للوصول الآمن إلى العلاج النفسي. "فهم معرّضون مرتين إلى ثلاث مرات أكثر من غيرهم للإصابة باضطرابات مثل الاكتئاب واضطراب القلق، والتوتر، والتفكير بالانتحار، أو حتى مشاكل باستخدام المخدرات"، يقول د. فتّال. ويشرح أن أسباباً كثيرة تقف وراء ذلك، "أبرزها ضغط الأهل والمجتمع والدين المستمر. ومعاملة الآخرين السيئة التي تصل إلى التنمر والتحرش والضرب أحياناً في الشارع. كما ملاحقات ومضايقات الأمن العام اللبناني، والأخطر من كل ذلك، محاولات الأطباء/الطبيبات تغيير الميول الجنسية باستخدام طرق عدة مثل الأدوية والهورمونات والفياغرا، والضغط عليهم/ن للممارسة الجنس المغاير، وهي جميعها تندرج تحت الضغط الذي يستند على أفكار غير علمية في التعاطي مع أعضاء مجتمع الميم". لتحقيق هذا الهدف تقيم الجمعية نشاطات وتدريبات دورية تشرك فيها العاملين في القطاعين الصحي والطبي، والطلاب في مجالات الطب والتمريض والصحة النفسية، للوصول إلى توفير رعاية ممتازة في جميع المنشآت الطبية الشاملة، من دون أي شكل من أشكال التّمييز ، خصوصاً المعتمد على التّوجه الجنسي، و/ أو الهويّة الجندريّة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024