ليلة برشلونة بمواجهة ليفربول: ميسي.. ميسي.. ميسي

المدن - مجتمع

الجمعة 2019/05/03

في اللحظة التي سجّل فيها ليونيل ميسي هدفه الثاني الشخصي، والثالث لفريقه برشلونة، لم يكن أمام مدرب ليفربول يورغن كلوب إلا أن يضحك. كان كلوب يرى فريقه يتعرض لخسارة ثقيلة. ومع ذلك، فإن ما فعله ميسي في هذه الضربة الحرة البعيدة المدى، الإعجازية، جعلت كلوب يخرج عن انضباطه الألماني ويقهقه انفعالاً، مدركاً أن المعركة انتهت.

طوال تسعين دقيقة، شهدنا مباراة تليق بنصف نهائي "دوري أبطال أوروبا"، بل وكأنها مباراة نهائية مبكرة، وإن كان أجاكس أمستردام على الجهة الأخرى، كأجمل مفاجآت هذا الموسم، يستحق أيضاً التواجد في النهائي.

إلى ملعب كامب نو المهيب (99 ألف متفرج)، أتى فريق ليفربول بواحدة من أفضل نسخه، مدججاً بترسانة من النجوم على رأسهم محمد صلاح وساديو مانيه. خطوطه متكاملة، خصوصاً بوجود المُدافع الممتاز فيرجيل فان دايك وحارس المرمى أليسون بايكر. دخل فريق ليفربول واثقاً من قدراته، ليخوض مباراة مثالية في معظم أوقاتها، ونازع برشلونة بجدارة في الاستحواذ على الكرة، وفي السيطرة على وسط الميدان وفي تنظيم الهجمات المنسقة، والوصول إلى منطقة الجزاء البرشلونية، وصناعة أكثر من فرصة للتسجيل، لولا تهور مانيه وبراعة حارس برشلونة تير شتيغن.

كان يورغن كلوب محقاً في قوله بعد نهاية المباراة أن فريقه قدم أداء رائعاً، وبذل كل ما عنده من مجهودات وبراعة.. لكن لم يكن هذا كافياً. فهناك لاعب واحد صنع الفارق. لاعب يجلس منذ سنوات على عرش كرة القدم متوجاً كأفضل لاعب في تاريخ اللعبة، اسمه ليونيل ميسي.

بعد تسجيله ذاك الهدف الثالث في الدقيقة 82، تحولت المباراة إلى "ليلة ميسي". كانت المدرجات تهدر كموجة هستيرية هاتفة باسمه. لحظة لمعان العبقرية أمام مئات الملايين من المشاهدين حول العالم. كان يؤكد ليلتها سحره المؤكد. وكنا نقول في أنفسنا العبارة التي باتت تقال في كل اللغات: نحن محظوظون لأننا نعيش زمن ميسي.

كرر ميسي بمواجهة محمد صلاح ما فعله مع كل نجوم كرة القدم: صنع الإعجاز.

كل اللاعبين الكبار من طراز محمد صلاح يمتلكون المهارة والموهبة والعزيمة، يمتلكون فكراً تكتيكياً عالياً، وقدرة على اتخاذ القرار بكسر من الثانية، يمتلكون كل ما يجعلهم متفوقين. لكن ما لا يمتلكونه هو تلك العبقرية التي عرفناها نادرة بتاريخ كرة القدم، مع بيليه ومارادونا وحسب. وها هي منذ 19 عاماً تتوهج مع ميسي.

الإعجاز الذي يسم هذا اللاعب، أننا منذ البداية، وفي كل موسم، نقول هذه هي ذروته.. هذه هي السنة الأروع. لكن، وعلى الرغم من تقدمه في السن بالمعايير الكروية (32 عاماً)، يتجوهر ويتفوق على نفسه في ذروة جديدة كل مرة.

اليوم، بات لديه 600 هدف. هو الآن هداف الدوري الإسباني وهداف دوري أبطال أوروبا. بالتأكيد سينال "الكرة الذهبية" السادسة له (رقم قياسي تاريخي) هذا الموسم. بالتأكيد سينال الحذاء الذهبي السادس أيضاً (رقم قياسي وتاريخي). لم يترك هذا الفتى رقماً قياسياً إلا وحطمه.

بالعودة إلى المواجهة مع ليفربول، وفي الدقيقة 75، وبعد أن بدا الفريق الإنكليزي ضاغطاً طوال الشوط الثاني ويكاد يقترب من تسجيل هدف التعادل، "استيقظ" ميسي واندفع.. أي مهاجم آخر غيره كان سيجد خمسة لاعبين يحاصرون ليخسر كرته. لكن تلك التمريرة التي نفذها باتجاه زميله لويس سواريز، هي فقط ممكنة في علوم الفيزياء والرياضيات وشبه مستحيلة في الواقع. وحتى بعد أن ارتطمت كرة سواريز بالعارضة، كان ميسي ينزلق من بين المدافعين ويركنها داخل الشباك.

تلك الدقيقة الذهبية كانت كافية لتمزق قلوب لاعبي ليفربول. بل وكانت كافية لنقول أن ميسي منحنا لحظة السحر التي ننتظرها في كل مباراة له. لكن، ليس هذا كافياً عند الفتى الأرجنتيني. الضربة الحرة التي سددها من مسافة 29 ياردة (حوالى 28 متراً) واجتازت حائط السد الدفاعي ومرت فوق أصابع أليسون حارس المرمى العملاق، هناك في الزاوية الصعبة، في الثقب الضيق الوحيد المتاح لتسجيل الهدف الأسطوري.. هذه الضربة، ما زالت حتى كتابة هذه السطور يعيد عشرات الملايين حول العالم مشاهدتها على الإنترنت غير مصدقين.

قبل المباراة، صرح مدرب ليفربول يورغن كلوب، متحدثاً عن ملعب برشلونة الكامب نو، قائلاً: "إنه ملعب عادي مثل أي ملعب.. وليس معبداً لكرة القدم". على الأرجح، برهن ليونيل ميسي العكس. الكامب نو في عصر هذا اللاعب العبقري هو معبد كرة القدم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024