أسرّة بلا كادر تمريضي..والوزير لا تهمه مأساة "الجيش الأبيض"

وليد حسين

السبت 2021/01/09

بعد نحو سنة على وباء كورونا، بات "الجيش الأبيض" منهكاً. فجهاز الممرضات والممرضين عمل منذ بداية الأزمة بكامل طاقته، بعدما خسر أكثر من 40 في المئة من كوادره، طرداً تعسفياً أو حرماناً من راتبه كله أو أكثر من نصفه. ومن بقي منهم في المستشفيات يئنون اليوم من موجة كورونا التي تضرب لبنان.

وباء وأسرة بلا تمريض
المستشفيات الخاصة تذرعت سابقاً بالأزمة الاقتصادية وخفضت كلفتها التشغيلية على حساب الممرضين والممرضات، رغم حاجتها الماسة لهم/نّ. فطردت من طردت منهم وخفضت رواتب آخرين، فلم يكن أمام كثرة منهم إلا الهجرة أو البطالة. ومع ارتفاع عدد إصابات كورونا انكشف نظامنا الصحي وانكشفت الفظائع التي ارتكبها أصحاب المستشفيات الخاصة عبر توفير "فلس الأرملة" وتكديس الأرباح.

والنتيجة اليوم، ومع امتلاء المستشفيات بمرضى كورونا، لم يعد رفع عدد الأسرة يجدي نفعاً، رغم الحاجة الماسة لرفع عددها لاستقبال المزيد من المرضى. فما الفائدة من رفع عدد الأسرة في ظل عدم وجود هيئات تمريضية لإدارة هذه الأقسام والاهتمام بالمرضى؟ وهل زيادة الضغط على الممرضين والممرضات في الخدمة يجعل لبنان قادراً على مواجهة الموجة الحالية من الوباء؟ ألا يكفي هؤلاء الإنهاك المتمادي منذ سنة؟

وأمام ما تشهده المستشفيات من تكدس بالمرضى، لا يمكن القول إلا أن المسؤولين وأصحاب الشأن يمعنون في ارتكاب الخطايا والأخطاء القاتلة. فلماذا لا يستدعى ألوف الممرضين والممرضات من بيوتهم والتعاقد معهم، أقله لمواجهة الموجة الوباء الحالية؟ ألا تكفي "الجنود البيض" الضغوط النفسية والاقتصادية والمعيشية والعمل بدوامات منهكة؟

كادر تمريضي قليل ومنهك
يشكوا لبنان اليوم من ارتفاع عدد الإصابات التي انعكست على ارتفاع عدد المرضى في المستشفيات، ما يهدد بعدم إيجاد أسرة للمرضى الجدد لتلقي العلاج. ويوجد في لبنان نحو 30 مستشفى حكومي و130 مستشفى خاص. لكن لا يمكن لجميع المستشفيات استقبال مرضى كورونا. فللبنان ما يكفيه من الأمراض والمرضى الذين يحتاجون للعلاج. وحيال الموجة الوبائية الحالية لا يمكن حلّ المشكلة في رفع عدد الأسرة، وفق ما يقول رئيس مصلحة المستشفيات في وزارة الصحة جهاد مكوك.

وأوضح مكوك في حديثه لـ"المدن" أن وزارة الصحة تعاني من ضغط مزدوج على جبهتين. فهي تعمل حالياً على رفع عدد الأسرة في المستشفيات الحكومية، بشكل يومي. وتضغط لرفعها في المستشفيات الخاصة. لكن هذا لا يكفي، لأن المشكلة الفعلية في لبنان تكمن في عدم وجود الكارد الطبي والتمريضي القادر على مواجهة الموجة الحالية. ويسأل: ما النفع من وجود أسرة من دون كادر تمريضي مدرب؟ لبنان بحاجة ماسّة لممرضين مدربين لعلاج مرضى كورونا، حسب المواصفات المعتمدة في منظمة الصحة العالمية. ووفق هذه المعايير يفترض وجود ممرض لكل سريرين، ومداورة ثلاث مرات في اليوم. وهذا أدى إلى انهاك الممرضين حتى النفس الأخير، وأغرق "الجيش الأبيض" في معاناة منهكة. لذا المطلوب خفض عدد الإصابات كي يتسنى للكادر الطبي والتمريضي علاج المرضى، كما قال.

تناقض المسؤولين
أما رئيسة نقابة الممرضات والممرضين في لبنان ميرنا ضومط فشكت من التناقض الرهيب بين أفعال المسؤولين وأصحاب المستشفيات الخاصة، والشكاوى والنداءات التي يطلقونها. ثمة تناقض رهيب بين حاجة لبنان لـ"الجيش الأبيض" في ظل الأزمة الحالية، وعدم إقدام المستشفيات على توظف أناس جدد. بل هم يستمرون في انهاك واستفاذ الطواقم الموجودة، بعدما رمي نحو 40 في المئة من الممرضين على قارعة الطرد التعسفي، أو تلقي نصف راتب وأقل.

وأضافت لـ"المدن" ورغم استفحال الأزمة الحالية، التي تستدعي توسيع الكادر التمريضي، ما زال أصحاب المستشفيات يشغلونهم نصف أو ربع دوام، لقاء منحهم نصف أو ربع راتب.

الأزمة الحالية تستدعي فتح أسرة جديدة لمرضى كورونا لاستقبال المرضى المكدسين في طوارئ المستشفيات. ولا مشكلة في لبنان بعدد الأسرة، البالغ عددها 12 ألف سرير. لكن ما الفائدة منها إذا لم تزود بالمستلزمات المطلوبة وبالكادر التمريضي؟ تسأل ضومط، مشيرة إلى مستشفيات عدة ما زالت تقفل طوابق وأقسام بكاملها ولا تشغلها، بعدما خفضت الكادر التمريضي منذ بداية الأزمة المالية.

طرد وهجرة الممرضين/أت
وشددت ضومط على "أننا مقبلون على أيام أسوأ وأصعب من هذه التي نعيشها. والإصابات سترتفع، والجسم التمريضي لن يستطيع الصمود أكثر". لذا "المطلوب أقله دفع رواتب الممرضين، كي لا نقول رفعها بما يتناسب والتحديات التي يواجهونها، وإلزام المستشفيات بتوظيف المزيد من الممرضين/ات". وقالت: "لدينا 1200 خريج جدد يمكثون في بيوتهم. ليوظف هؤلاء أقله. فهل يعقل أننا في أزمة وبائية مستفحلة وكادرنا التمريضي في البيوت ينتظر الهجرة؟"، تسأل.  

وفق ضومط يجب وضع خطة استراتيجية للتعامل مع كورونا، وعدم انتظار أن يداهمنا الوباء، فنتفاجأ به مثلما هو حاصل منذ سنة ولغاية اليوم. لا يجوز أن نتفاجأ كل مرة. بل يجب وضع خطط، وخطط بديلة لكل مرحلة.

ورداً على سؤال ما إذا كانت وزارة الصحة قد وضعت مثل هذه الخطط؟ أجابت: لا يوجد أي خطط لدى الوزارة، أقله بما يتعلق بنا ككادر تمريضي. ولا تتفاعل الوزارة معنا. ووزير الصحة لم يصغ لنا ولم يتشاور معنا في كيفية العمل على مواجهة الوباء، رغم مرور أشهر على إطلاق صرختنا محذرين من هجرة الممرضين الأكفاء.

وأضافت ضومط: حذرنا من الهجرة الحالية للكادر التمريضي، والتي أدت إلى خسارة أقله 600 ممرض، وممرضة تركوا لبنان للعمل في الخارج. لكن لا أحد يسمع.

لقد اجتمعتم مع الوزير في السابق، ألم تشرحوا له هذه المعاناة؟، سألنا ضومط، فأجابت: منذ مدة لم نجتمع معه. ورداً عن سؤال: لماذا لا يجتمع الوزير معكم؟ قالت: لا أعرف. ربما الوزير مشغول بمسائل أهم.

وفق ضومط نقابة الممرضين على الاستعداد اللوجستي التام لمواجهة الوباء. لكن المطلوب توظيف ألوف الذين يمكثون في بيوتهم ودفع رواتبهم. يوجد 17 ألف ممرض/ة ويعمل منهم نحو 10 آلاف في المستشفيات. لكن القطاع الصحي يسيطر عليه القطاع الخاص. والأخير يشكو من أن الحكومة لا تدفع له مستحقاته. ووزير الصحة يقول إنه دفع المستحقات. فيرد عليه النقيب أنه دفع أقل من النصف. وها نحن نعيش في هذه الدوامة ولا نعرف أين الحقيقة.  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024