خطة الوزير بلا مازوت: تعليم مستحيل بـ700 مدرسة جبلية

وليد حسين

الثلاثاء 2021/09/07
يجول وزير التربية طارق المجذوب، برفقة المدير العام فادي يرق، ورئيسة جهاز الإرشاد والتوجيه هيلدا خوري، على المسؤولين، لحل معضلة بدء العام الدراسي. جولات متأخرة، كان يفترض أن تبدأ مع نهاية العام الحالي، الذي انتهى بامتحانات رسمية شكلية أنفق عليها 14 مليار ليرة. 

جولات الوعود
جولات "الوعود" الحالية للوزير وفريقه ما زالت سلتها فارغة إلى حد الساعة، وستتكلل غداً بلقاء وزير المالية غازي وزني.

جولات ما زالت تقتصر على الوعود، على مثال وعد تلقي الأساتذة عشرة دولارات لقاء المشاركة في الامتحانات، والتي لم تصل إلى الأساتذة بعد، رغم موافقة منظمة اليونيسف عليها. فحتى موضوع العشرة دولارات باتت صعبة المنال، أسوة بدولارات الأساتذة اللذين شاركوا في بعض المدراس الصيفية. ففي حال سارت الأمور كما يجب، سيتقاضى الجميع البدلات بالليرة اللبنانية على سعر صرف يحدده حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، الرافض للتخلي عن الدولار الطازج، كما تقول مصادر مطلعة لـ"المدن". 

الوزارة بلا مازوت
وفيما يجول الوزير على المسؤولين وطلب مؤازرة المنظمات الدولية للمساعدة في إطلاق العام الدراسي، يسأل موظفون في الوزارة عن كيفية فتح المدارس في وقت باتت أبواب الوزارة نفسها مهددة بالإقفال، جراء أزمة المحروقات الحالية.

في التفاصيل، وبعد انتهاء أعمال فرز وإصدار نتائج الدورة الأولى للامتحانات الرسمية، كانت الكارثة ستحل بكل خوادم الوزارة وتتعطل أنظمة المعلوماتية عن العمل، بسبب عدم توفر المازوت وانتهاء عقد الصيانة مع الشركة المشغلة. وجرى اتفاق مع الشركة المشغلة للاستمرار بالعمل حتى نهاية العام. غير ذلك، كانت ستتعطل أنظمة المعلوماتية كلها، وتحال الوزارة إلى التقاعد، لأنها قائمة على أنظمة حديثة لا وجود للوزارة من دونها. 

وتبين أنه تم إرضاء الشركة المشغلة بإطلاق وعود لإجراء مناقصة داخل وزارة التربية، بعيداً عن مجلس الانماء والإعمار، كي ترسو عليها دون سواها، وتستمر في تشغيل الوزارة، وفق المصادر.

وكذلك صودف أن الوقت الفاصل بين انتهاء العقد مع الشركة، الذي كان من شأنه توقف مولدات الكهرباء في الوزارة عن العمل، تزامن مع إجراء الدورة الثانية للامتحانات الرسمية، التي انتهت يوم أمس، بنسبة مشاركة بلغت نحو ستين بالمئة في لبنان. وبالتالي تم تأمين المازوت لأعمال الامتحانات لاصدار بطاقات الترشيح والمراقبة، وإلى حين تصحيح المسابقات وإعلان نتائج بعد نحو عشرة أيام. أي أن الوزارة أمنت المازوت لتمرير هذه الامتحانات. لكن مشكلة المحروقات تظل قائمة طالما أن الشركة المشغلة تشتري المازوت من السوق. وفي حال رفع الدعم، لا أحد يعلم كيف سيتم تأمين الاعتمادات المالية لشراء المازوت، أسوة بباقي إدارات الدولة.

المناطق الجبلية
ووفق المصادر، تسيّر الوزارة أمورها بشكل يومي وتعمل على تأمين المازوت أسبوعياً في انتظار الفرج ورحمة المنظمات الدولية. وأمنت حالياً مادة المازوت لغاية منتصف هذا الشهر، أي إلى حين إصدار نتائج الامتحانات. لكن الجميع منكب حالياً على دراسة كيف سيسير الوضع في النصف الثاني من أيلول. فلا أحد يعلم كيف سيكون السيناريو بعد رفع الدعم. وحتى لو تأمن المازوت للوزارة، هل الموظفون قادرون على الوصول إلى الوزارة؟ هناك موظفون رفيعو المستوى يأتون من مناطق بعيدة، ويستهلكون صفيحة بنزين يومياً للوصول من صور أو النبطية إلى مبنى الوزارة، فيما رواتبهم باتت غير كافية لشراء البنزين وحسب، تقول المصادر.    
وتسأل المصادر: إذا كانت الوزارة غير قادرة على تأمين المحروقات لمكاتبها، فكيف تؤمن المحروقات لأكثر من 700 مدرسة في المناطق الجبلية لتأمين التدفئة للصفوف؟

تستطيع المدارس في المدن الساحلية توفير المازوت وعدم استعمال أنظمة التدفئة، ويتحمل الطلاب برد الشتاء، لقاء الحصول على الإنارة، لكن ليس هذا وضع المناطق الجبلية. فكل المدراس التي ترتفع عن سطح البحر بنحو 700 متر يستحيل أن تفتح أبوابها طوال فصل الشتاء. فالمدرسة الكبيرة الحجم تحتاج إلى نحو ألفي ليتر مازوت بالشهر للتدفئة فحسب، وعليها تأمينها من صندوق المدرسة. وحتى لو تقاضت كل المبالغ عن الطلاب (150 ألف ليرة عن كل طالب سنوياً) من الوزارة، ولم تتأخر مثل العادة، لا تكفي هذه الأموال لشراء المازوت، كما يقول أحد المدراء.  

العصيان التربوي
قد ترضخ روابط الأساتذة بعد رفع رواتب الأساتذة بنسب قليلة (إلى حد الساعة المطالب برفع الراتب بنسبة تحاكي تراجع القدرة الشرائية بنحو تسعين بالمئة). وقد لا تنجح الدعوات للعصيان التربوي، الذي يلوّح بها عدد كبير من الأساتذة. لكن كيف لطلاب المدارس الرسمية الذهاب إلى الصفوف في وقت يعاني أهاليهم من ظروف معيشية مزرية؟ وكيف يؤمن الأساتذة في المناطق الجبلية تدفئة بيوتهم، إذا كانوا بحاجة لأكثر من ثلاثة ملايين في الشهر طوال فصل الشتاء، لشراء المازوت؟ 

وحتى لو ذهب الأساتذة للعمل بالسخرة، كيف ستؤمن الوزارة التباعد الاجتماعي في الصفوف، طالما سيحشر جميع الطلاب في أقل شعب ممكنة، لتوفير انتقال الطلاب واساتذتهم، حيال أزمة المحروقات؟
بالمختصر سيخسر طلاب لبنان عاماً دراسياً ثالثاً، لأن الخطة التربوية الحالية فاشلة كسابقاتها، وتسير هذه المرة على المازوت، ومصيرها أسود مثل النفط، على حد قول المصادر.  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024