البلديات على شفير الإفلاس والقوانين البالية تحرمها من عائداتها

لوسي بارسخيان

الأحد 2019/09/08

تشكل البلديات، بتمثيلها سلطة محلية منتخبة، عنصر التماس الأول بين المواطنين وإدارات الدولة. فإليها تلجأ الهيئات المحلية والأهلية في مطالبها الإنمائية، وعليها تُلقى مسؤوليات أعمال وشؤون المنفعة العامة، والخاصة أحيانا. فتُوجه إليها إنتقادات التقصير في بعض الخدمات، حتى لو كان بعضها خارج صلاحيات البلديات وإمكاناتها، كتأمين وصلات مياه الشفة، وتزفيت الطرق العامة والرئيسية وغيرها...

لكن في المقابل لا يحمل البحث في "الموارد المالية" التي تمكّن هذه البلديات والاتحادات البلدية، أي بشائر إيجابية، في ظل الأزمة الإقتصادية العامة التي يعاني منها اللبنانيون. والنقص في الثقافة الوطنية أحيانا، يجعل كثيرين يحجمون عن دفع مترتباتهم الى صناديق البلديات، فيما الدولة اللبنانية ماضية بمراكمة ديونها للبلديات من الصندوق البلدي المستقل، وبحجب مستحقات أخرى بذرائع وحجج مختلفة...

بلديات موقوفة
هذا الواقع كان موضوع بحث بين أكثر من 30 رئيس بلدية وممثل عنها على الأراضي اللبنانية، في لقاء جمعهم في "القصر البلدي" في زحلة، مع رئيس اللجان النيابية المشتركة إيلي الفرزلي، بدعوة من "جمعية المدن المتحدة في لبنان".
تمحور النقاش حول "الموارد المالية للبلديات والاتحادات البلدية"، والتعديلات المطلوبة على بعض القوانين، بما يضمن تماشيها مع الغلاء المعيشي ومتطلبات الإنماء المترتبة على البلديات.

الخلاصة الأبرز التي خرج بها المشاركون من خارج الجسم البلدي في اللقاء، هي أن وضع معظم بلديات لبنان ليس على ما يرام، بل إن عضو مجلس بلدية نهر ابراهيم ولجنة رؤساء البلديات اللبنانية المنبثقة عن التجمع، طوني مطر، دعا إلى "دق ناقوس الخطر"، بسبب تراكم عجز البلديات. فطالب السياسيين بالترفع عن الحسابات الضيقة، والعمل على حصول البلديات على حقوقها، ووقف اقتطاع أي مبلغ من عائداتها، وإقرار اللامركزية الإدارية الموسعة التي تعتبر من أبرز مرتكزات وثيقة الوفاق الوطني، والسبيل الوحيد للإنماء المتوازن.
عمل مطر مع زملاء له من بلديات بيروت، الغبيري، عاليه وزغرتا - إهدن، على وضع اقتراح مشروع لتعديل مواد تتعلق بمالية البلديات لجهة الرسوم والإنفاق، من خلال "لجنة الإقتصاد المحلي ومالية البلديات" المنبثقة عن لجنة رؤساء البلديات اللبنانية.

تضخم النفقات
الأسباب الموجبة لهذا الاقتراح التي فندها مطر في اللقاء، كشف عن سلسلة عوامل رتبت نفقات إضافية كبيرة على إدارات البلديات، من دون أن تواكبها زيادة مماثلة في المداخيل. ومما عدده على سبيل المثال: زيادة رواتب وأجور الموظفين في القطاع العام، ومن بينها أجور موظفي البلديات، توسيع المهام الأمنية من خلال زيادة عديد الشرطة البلدية، وخصوصا مع تزايد أعباء النزوح السوري، وزيادة أسعار جميع الخدمات: جمع النفايات والمحروقات والتنظيفات ومواد صيانة الطرق. وهذا إضافة إلى: التضخم المالي السنوي الذي جعل أموال الجباية لا تغطي النفقات العادية، وتراجع الاستثمارات في قطاع البناء الذي يشكل مورداً مهماً للرسوم البلدية، وحجب الرسوم التي كانت تتلقاها البلديات من الخليوي، وعدم دفع المستحقات المالية للبلديات من المصالح المستقلة، كالمياه والكهرباء، واقتطاع مبالغ كبيرة من أموال الصندوق البلدي المستقل، وإلغاء براءة الذمة البلدية المحددة بالمادة 133 من قانون البلديات، والتي فتحت باب التهرب الضريبي البلدي، وقانون السير الجديد الذي حجب عن البلديات الرسوم والغرامات المترتبة على مخالفات السير. وحجب عائدات البلديات من الخليوي منذ سنة 2010، أوصل قيمة الأموال المحجوبة إلى نحو 1500 مليار ليرة.
هذا ما حدث، على الرغم من صدور قوانين قضت بزيادة جميع الرسوم الإدارية والقضائية باستثناء الرسوم البلدية، منذ سنة 1990. 

وحول هذه المسألة تحديداً تحدث رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب، فأشار إلى أن الرسم البلدي على القيمة التأجيرية، لم يتبع غلاء المعيشة طوال السنوات الماضية، ليتماشى فعلياً مع القيمة التأجيرية. وفي مدينة كزحلة مثلا، تصل الأموال التي تستوفى من الرسم التأجيري حوالى 50 في المئة منه فقط. ولفت زغيب إلى أن "المعدل الوسطي للمبالغ المستوفاة من كل وحدة لا يتعدى 30 الف ليرة ، بينما تكلفتنا من معالجة النفايات في المطمر الصحي للوحدة السكنية التي تنتج 1.2 طن سنويا، هي 70 ألف ليرة للطن، أي أننا بدأنا بخسارة في موازنتنا بقيمة 40 الف ليرة". وهو تحدث أيضا عن خلل في توزيع أموال الصندوق البدي المستقل، والتي لا تراعي طبيعة البناء الأفقية في القرى، حيث كلفة الإنماء تصل الى عشرين ضعف ما ينفق في المدن التي تبنى عاموديا".

خارج سلطة القرار
لكن المعضلة الأكبر التي لخصها القاضي في ديوان المحاسبة إيلي المعلوف، هي في عدم تحديث الكثير من القوانين التي ترعى شؤون البلديات. فوصف بعضها بأنه "تحول دستورا"، بسبب عدم تعديله منذ سنوات. واعتبر الرسوم والعلاوات البلدية، تفصيلاً صغيراً في موضوع مالي كبير يتعلق بسلسلة قوانين صارت مهترئة بفعل مرور الزمن. هذا فيما تستبعد البلديات أو اتحاداتها من المشاركة في اللجان النيابية التي تبحث في مصائرها المالية والقانونية، كما لفت الدكتور بشير عضيمي رئيس "جمعية المدن المتحدة" التي تضم 75 بلدية واتحاد بلديات في لبنان، ولجنة تضم رؤساء البلديات.

وخلص الفرزلي في بعض كلامه إلى تحميل البلديات مسؤولية حجب بعض الأموال عنها، أو الحد من إمكانات إنفاقها، بسبب ما وصفه بـ "تحكم السياسة ومصالحها بقراراتها في الإنماء. وهذا ما أشاع مناخاً في مؤسسات الدولة بأن البلديات لا يُصرف مالها على الإنماء. لذلك أُبقيت سلطة السلطة المركزية على هذه الأموال، لتصرف بالطرق التي تحددها تلك السلطة". وأشار أيضاً إلى أن سلطة الرقابة على البلديات، هي سلطة  مركزية حافظت على الإمساك بالمال، بهدف عدم تمكين البلديات. وبالتالي ظل المجلس  البلدي ورئيسه مستملكين من الزعامة السياسية.
ولفت الفرزلي إلى الإمكانات المالية التي سيوفرها إقرار اللجان رفع حصة البلديات من تسويات مخالفات البناء إلى 30 في المئة. واعتبر في المقابل أن "الحل الوحيد هو بالذهاب إلى اللامركزية الإدارية، ومنح البلديات صلاحيات واسعة"، مشدداً على أن "مسألة البلديات وتعزيزها وتأمين مواردها ورفدها بأكبر كمية ممكنة من الأموال والصلاحيات، ليست مسألة تقنية وإدارية ومالية وإنمائية فحسب، بل مسألة تتعلق بالأمن السياسي لأي نظام وأي دولة".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024