اليوم الأول من الإقفال الثالث: هجرة فانات وأرصفة

نادر فوز

الخميس 2021/01/07
اليوم بدأت التجربة الثالثة للإقفال العام. لكن، على ما يبدو، كل شيء يسير عكس المنطق. يوم مشمس جميل، حرارته فاقت العشرين درجة مئوية في كانون الثاني، شهر الثلوج والأمطار المفترضة. زحمة سير في يوم الإقفال، واحتجاجات تجّار وتجمّعات بشرية عكس ما هو مطلوب. حركة مواطنين، إن لم يستقلّوا سياراتهم، خرجوا إلى الشوارع مشياً على الأقدام. محال لبيع الألبسة التزمت الإقفال بشكل كامل، وأخرى لأكسسوار السيارات وقطعها فتحت أبواب "كاراجاتها" جزئياً، يقول أصحابها إنهم متلزمون صورياً بالإقفال، لكن يعملون في الوقت نفسه. "ثمة بضائع يجب تسليمها"، يقول عمّ كبير في السنّ يرتدي كمّامة، ويضيف "شو وقفت عليّي، الكل الفاتحين يا عمّي دقّق وشوف".

أرصفة المقاهي
عزّلت مقاهي الحمرا وفردان الأرصفة، لا كراسي ولا طاولات ولا عوائق ملّونة تميّز حدود المقهى عن الرصيف العام. أخذت المقاهي عطلتها في موسم الثلوج التي لم تحضر، كأنها في مدرسة أجنبية. والمستفيد الأول، باعة قهوة متجوّلون على دراجات مزوّدة بعلب فيها سخان مياه. ينتقلون من زاوية إلى أخرى لاقتناص زبون يبحث عن جرعة كافيين في يوم لن ينقضي، على الرغم من الهدوء المنتظر في الشارع. الالتزام شبه كامل في كورنيش المزرعة، صيدليات ومطاعم ودكاكين سمانة فتحت أبوابها، وعناصر أمنية في الشارع لا تلتفت إلى لوحات السيارات العابرة، ولا تجادل سائقاً عرقل حركة السير لشراء حاجة من دكان قريب.

هجرة الفانات
تحت جسر الكولا، هجرت الفانات موقفها واختفى معها أيضاً أصحاب بسطات القهوة والفواكه. وفيها وقف درّاج يراقب حركة السير عن بعد. الكولا فقدت هوّيتها بلا موقف للمركبات العمومية. وكلّها تهجّرت من هذه النقطة إلى السفارة الكويتية التي شهدت حركة طبيعية في يوم الإقفال. الرميلة، صيدا، صور، الفانات تحمل ركّابها وتنطلق. وتم استحداث زاوية لشرب النراجيل عند هذه النقطة، بينما القوى الأمنية تعمل على تسهيل حركة المرور. أما عند الرحاب، مدخل سوق صبرا، فلا إجراءات ولا إقفال ولا تعبئة عامة. عمال مياومون، يقفون مجموعات بانتظار وظيفة أو عمل. حركة متبضّعين وعائلات لا تنضب. ونزولاً باتجاه جسر المطار، زحمة سير خانقة على جسر يشرف عليه قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني الواقف على طول مبنى. فالطريق إلى القدس طويل، ولن يقف فيروس كورونا عائقاً فيه.

حاجز أمني
على طريق صيدا القديمة، إقفال متفاوت. والشارع ملأه باعة ومشترو السيارات المستعملة. يقفون صفّاً واحداً على طول الخط، ومنهم تخرج مقاطع لفظية جمعها يفضي إلى عبارة "بتبعيها"؟ 3 أشخاص، و3 مقاطع لفظية، والخلاصة أنهم جميعاً بلا كمّامات يعترضون السيارات ويحاولون الوصول إلى سائقيها من نوافذ نصف مغلقة. لكن بين عين الرمانة والشياح، حاجز أمني لقوى الأمن الداخلي، ربما الوحيد في بيروت ظهيرة يوم الإقفال الأول. تدقّق العناصر باللوحات، ويسألون أصحاب الأرقام المفردة عن عملهم، يوقفون بعضهم جانباً ويسمحون لآخرين بالعبور. وقبل الحاجز، شابان على دراجة نارية صغيرة يحذّرون المارّين من وجود نقطة أمنية لا مهرب منها. بعد هذه النقطة، عودة إلى طيونة ومنها إلى العاصمة.

حركة السير مقبولة على طريق رأس النبع وصولاً إلى ساحة الشهداء. وعلى إشارات المرور، باعة متجوّلون كثر لا يجدون زبائن. في نزلة شارع سبيرز، مواطن محظي نصب رافعة عملاقة في وسط الشارع، فامتدّت السيارات خلفه إلى إشارة تقاطع روما- وزارة الداخلية. والهروب من الزحمة يستوجب الانسحاب إلى الحيّ الداخلي من جنينة الصنائع. الحديقة مقفلة، وكذلك محل تأجير الدراجات الهوائية وبسطة الألعاب والسكرّيات أمام مدخلها. عند زاوية الحديقة، تجمّع عدد من كبار السنّ. نصبوا طاولة بلاستيكية على الرصيف وجلسوا عليها يلعبون الورق. أقفلت الحديقة فوجدوا ملاذاً لهوايتهم اليومية تحت شجر "فيكوس" دوام الخضار لا يحمل ثماراً ولا يبدّل ألوانه وهيئته صيفاً شتاءً. لما لا، طالما أنّ وزير الصحة الواعظ الأول بالإقفال والتدابير، بعد الرقص بالسيف وقطع الكاتو بين الجموع، يجمع على طاولة طعامه العشرات؟ على أمل ألا يشتدّ رهان اللاعبين، فيقوم الخاسر بنزع كمّامته لينفث الآخرون دخان نراجيلهم بوجهه. هو رهان فاشل، كالرهان على السلطة، على الحكومة، وعلى إجراءات الإقفال العام وتدابيره الذي استثناءاته أكثر من الضوابط نفسها. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024