رئيسة المركز التربوي تتحدى الوزير: لن أسلم منصبي

جنى الدهيبي

الخميس 2020/08/27
يمكن القول أنّ الخلاف الأخير الذي نشب بين وزارة التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء، هو انعكاس واضح لـ"سيستم" السلطات في لبنان: نزاع حول الصلاحيات، تضارب بالمصالح، فساد إداري، تواطؤ، تزوير، اختلاس، تعيينات وتوظيفات غير قانونية.. والأهم محاصصة طائفية وحزبية تتحكم بكل ما سبق ذكره.


حتّى الآن، لم تهدأ العاصفة التي خلّفها قرار وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال، طارق المجذوب، والذي قضى بإقالة رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء ندى عويجان، من مهامها في المركز وإعادتها إلى ملاك الجامعة اللبنانية، مقابل تكليف أستاذة الرياضيات في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية، فدى الشامي، لتولي المركز.
هذا القرار، ساق إلى تفجير خلافٍ سياسي مع التيار الوطني الحر، الذي سارع مكتبه التربوي للتضامن مع عويجان واعتبار قرار الوزير يشوبه "التزوير والالتفاف على القانون"، ما دفعه قبل يومين إلى التغريد ملمحًا أن عويجان لم تكن على قدر المسؤولية، متهمًا إياها بالمحسوبية على فريق سياسي (أي التيار البرتقالي).

وأخيرًا، سارع التفتيش الإداري إلى التحقيق في قضية إلغاء المجذوب لتكليف عويجان. ويرفض المفتش العام الإداري، ميخائيل فياض، الكشف عن أي تفصيل في اتصال مع "المدن"، ولم يعطِ رأيه بمدى قانونية تعيين الشامي بدلًا من عويجان.

حتى الآن، ورغم إعلان الوزير لقراره في 24 آب بعد أن أصدره في 10 آب الجاري (تاريخ استقالة الحكومة)، ثمّة تأخير واضح لعملية التسلّم والتسليم بين الشامي وعويجان، فيما تؤكد الأخير في حديث خاص مع "المدن"فيما تؤكد الأخيرة في حديث خاص مع "المدن" أنّها لن تستطيع أن تسلّم منصبها في الوقت الحالي، لأن الشامي تحتاج للحصول على موافقة قانونية من إدارة الجامعة، وقبل بتّ القضاء بالدعوتين التي رفعتهما بواسطة محاميها. قالت: "رفعت اليوم الخميس 27 آب دعوتين قضائيتين، واحدة لدى مجلس شورى الدولة، وأخرى لدى النيابة العامة التمييزية، وكلهما تصب في عدم قانونية قرارات الوزير وفي الأرقام التي أصدرها".

تضارب صلاحيات
في الواقع، بدا واضحًا أن ثمّة تضاربًا في الصلاحيات بين المركز والوزارة، وقد اتهما مرارًا بالتخلي عن مهامهما في الشأن التربوي والتخطيطي وبقضايا فساد إداري ومالي أيضًا.

ويرفض مدير عام وزارة التربية فادي يرق التعليق لـ"المدن" على قانونية تعيين الشامي، لا سيما أنها تأتي من خارج مهام الوزير في نطاق تصريف الأعمال، تاركًا الأمر للوزير حصرًا. أمّا عويجان، فتعلّق بالقول: "لا أعرف عن الشامي إلا أنّها تعمل بمناقبية، لكن قرار الوزير في تعيينها ليس قانونيًا، وفيه تعدٍ واضح على قانون الجامعة اللبنانية، الذي يمنع تكليف أيّ أستاذ في ملاك الجامعة اللبنانية من دون موافقة مجلسها، وبناء على توصية من مجلس الكلية أو المعهد، بينما المجذوب اتخذ قراره منفردًا".

وتكرر عويجان ما أعلنته في بيانها ردًا على المجذوب، وتعتبر أنّ ثمة تضليلًا كبيرًا للرأي العام، وأنّ هناك من يريد تحويل قضية تربوية بامتياز لكباش سياسي. وتؤكد أنّها تدفع ثمن شفافيتها وعدم تصفيقها لقرارات الوزير، لا سيما بعد أن أعلنت أن لبنان لن يكون جاهزًا لبدء العام الدراسي (2020 -2021) في نهاية أيلول. وقالت: "كي نبدأ بعام دراسي جديد، لا بد من إجراء تقييم للعام الدراسي الفائت. وهذا ما لم تفعله الوزارة. ومن لا يملك خطّة لا يمكن أن يملك رؤية، ما يمنع إطلاق العام بشكلٍ سليم، في ظل ظروف استثنائية تمر بها البلاد على مستوى الوباء والاقتصاد وتداعيات انفجار المرفأ".

وكانت عويجان قد طلبت العمل على تقليص استثنائي للمنهج (Allègement)، باعتبار أن الظروف الراهنة لن تسمح للعمل بالمنهج كاملًا. وتابعت قائلة لـ"المدن": "حتى تقليص الدروس، يحتاج لقرار جامع، وكنا كمركز تربوي حين نعمل في هذا الإطار، نطلب المشاركة والتعاون من كامل المعنيين، وكلما أتواصل مع المدير العام في هذا الشأن يرسل لي كتابًا من الوزير يطلب التريث". وتسأل: "كيف سنطلق عامًا دراسيًا وآلية تقليص المناهج حتى الآن غير متوفرة في المدارس وبين أيدي الطلاب وذويهم؟ ألا يرتبط الأمر بعدم بالجهوزية، ويعكس تقصيرًا إضافيًا من وزارة التربية؟".

عويجان التي تصف قرار الوزير بـ"الكيدي" وتتهمه بتجاوز الصلاحيات الإدارية، تعتبر أن الوزارة هي من تعرقل انطلاق العام الدراسي، على مستوى "معارضة مشروع تطوير المناهج الوطنية والحؤول دون تأمين 7.2 ملايين دولار لوزارة التربية من برنامج S2R2 الممول من البنك الدولي". واتهمت بـ"منع المدير العام للتربية من تسمية مندوبين للمشاركة في تقليص الدروس وغيرها، وتجاهل المراسلات (حتى التي تتّسم بطابع العجلة)"، وعدم العمل على "تعزيز التعلم الرقمي، وشراء وإنتاج موارد تربوية رقمية، وتدريب المعلمين، والتواصل مع وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو، ومرسوم الإنترنت المجاني، والمدرسة الافتراضية، والكتاب المدرسي الوطني".

وفي ظل تفشي فيروس "كورونا"، تعتبر عويجان أنه حتى لو فرضت الوزارة على المدارس بروتوكولًا صحيًا معينا، لم تقم بتدريب طاقمها التربوي على تطبيق هذا البروتوكول. فـ"نحن ندرك أن التعليم الوجاهي هو الأسهل، لكنه في ظل الظروف الصحية القائمة غير قابل للتطبيق، فيما المقومات الأساسية للتعليم عن بُعد غير متوفرة على مختلف المستويات التي سبق ذكرها".

معركة الصلاحيات
تذكّر عويجان أنه تاريخيًا، كانت (وما زالت) بعض الوحدات والأجهزة الموجودة في وزارة التربية، تحاول وفقها أن "تكبر" عبر قضم غير قانوني لصلاحيات المركز التربوي، رغم النصوص القانونية الواضحة. و"في كل العهود، من أيام المشروع التربوي الممول من البنك الدولي، في العام 2001، برزت محاولة لضم المركز إلى الوزارة، ولدى رفض رئيسه السابق البروفيسور نمر فريحة، دفع الثمن بإقالته من منصبه"، وفق عويجان.

وتشير أنها سبق وراسلت الوزير أكثر من مرة للفت نظره أن هناك صلاحيات للمركز تتعدى عليها الوزارة، تحت مسمى "ازدواجية في العمل". أضافت: "في العام الدراسي الفائت، بدأ تعدي الوزارة على المركز بانتاج المواد التربوية والحلقات التلفزيونية عن بُعد، وإصدار الاستبيانات، ثم جاءوا بمنصات إلكترونية تحتوي موارد تربوية غير مدروسة.. وكلها من مهام المركز".

وتعتبر عويجان أن ثمّة مبالغة غير مفهومة في عهد الوزير المجذوب منذ توليه منصبه. قالت: "من الواضح أن من يحيطون بالوزير من مستشارين داخل وخارج الوزارة، لا يعطونه الصورة الحقيقية، ومعظم نتائج استشاراته تشوبها أخطاء إدارية وقانونية فادحة".

قالت: "لو كان للوزير أي مستشار متنبّه لما سمح له أن يوقّع على قرار إقالتي بهذه الطريقة، ولا أن يستمر بإزدواجية في عمله مع المركز، لكننا لا نعرف من يوزّ بأذن المجذوب، بانتظار ما يبتّه القرار القضائي للامتثال له".
وإلى ذلك الحين، "هناك مرفق تربوي معطل بأدقّ الظروف، وهو ما ينبئ بكارثة تربوية سنقبل عليها".

 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024