التعذيب في السجون اللبنانية: تحقيقات بلا نتيجة

المدن - مجتمع

الإثنين 2015/06/22
في سجل السنوات الماضية يمكن، إعتماداً على تقارير دولية وحقوقية، تحديد إطارين للتعذيب في السجون وأماكن الإحتجاز اللبنانية. أولّهما يرتبط بشق سياسي ويتعرض له سجناء "شبه سياسيين"، كما جرى مع المعتقلين في قضية الإنتماء إلى "جماعة الشيخ أحمد الأسير" في صيدا، وعلى ما سجّل تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش" صدر في العام 2014. اذ قال سبعة أشخاص للمنظمة الدولية إن "رجال الأمن ضربوهم باللكمات، وبالعصي والكابلات في بعض الأحيان". أما الإطار الثاني فيتعلق بتعذيب أشخاص مشتبه بهم بجرم تعاطي المخدرات أو مشتغلات بالجنس ومثليين. وهذا ما يؤكده تقرير "هيومن رايتس ووش" "جزء من عملنا: إساءة معاملة وتعذيب الفئات المستضعفة في مخافر الشرطة اللبنانية"، الذي صدر في العام 2013، عارضاً لـ52 شهادة لأشخاص تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة في مخافر وسجون لبنانية.


وفي كل حال، يبدو أنّ هذه التدابير العملية التي تتخذها أجهزة مثل مخابرات الجيش في وزارة الدفاع، وفرع المعلومات في قوى الامن الداخلي، ومراكز الإحتجاز التابعة لمكتب مكافحة المخدرات في بيروت وزحلة، إضافة إلى بعض مخافر الدرك -على ما يذكر تقرير سابق لـ"هيومن رايتس ووتش" صدر في العام 2008- لا تليها إجراءات محاسبة، كما يشير التقرير نفسه، على الرغم من أن القانون اللبناني يحظر التعذيب. ففي العام 2008 لقي 21 شخصاً على الأقل حتفهم في السجن. ورغم ان وزارة الداخلية فتحت تحقيقاً في مزاعم سوء المعاملة في السجون اللبنانية، لكن لم يتّم الإعلان عن نتائج هذه التحقيقات.

وفي تموز العام 2013 تداول ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر جنوداً لبنانيين يضربون رجلاً في عهدتهم، ليعلن الجيش أنه سيتولى التحقيق في المسألة. وبعد أيام أوقف قاضي التحقيق العسكري 5 أعضاء من المخابرات العسكرية على ذمة التحقيق. لكن وزارة الدفاع وقيادة الجيش لم تردا على رسائل "هيومن رايتس ووتش"، حول ملابسات هذه القضية، ولم تعرف التدابير التي أتخذت بحق الموقوفين.

من جهته، يؤكد سعد الدين شاتيلا لـ"المدن"، وهو مدير مكتب بيروت في منظمة "الكرامة لحقوق الانسان الدولية"، إحدى الجهات المساهمة في "تقرير لجنة مناهضة التعذيب"، الذي صدر في تشرين الأول الماضي، أن لا تغيرات تذكر حصلت في لبنان في ما يتعلق بالتعذيب في أماكن الاحتجاز في السنوات الأخيرة. وبعد إقتحامين في سجن رومية، للمبنيين "ب" و"د"، طالبت منظمات حقوقية بإنشاء لجنة تقصي حقائق "بسبب ضبابية الاجراءات الحاصلة". وتكرر الطلب، الموجه إلى وزير العدل أشرف ريفي، قبل شهر من الآن، من دون تجاوب واضح. ويذكر شاتيلا أن سجيناً "فقد إحدى عينيه كلياً، نتيجة لما جرى خلال الاقتحام، فيما هو مهدد بفقدان الأخرى جراء حاجته إلى عملية جراحية غير متاحة له".

مع ذلك يلفت شاتيلا إلى ان لبنان كان قد وقع على بروتوكول اختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، "ينص على ضرورة وجود آلية مراقبة لأماكن الاحتجاز". لكن خطوات تطبيق هذا البروتوكول، في لبنان، تبقى بدائية، خصوصاً أن "لجنة المراقبة لا يمكنها أن تكون مؤلفة من عناصر القوى الأمنية أنفسهم، بل من حقوقيين وأطباء شرعيين وممثلين عن الصليب الأحمر".

وكان التقرير الذي أصدرته الأمم المتحدة في العام الماضي قد ووجه برفض حاد من قبل الجهات الرسمية. لكن في وقت لاحق، وفق شاتيلا، خفّت حدة الإنتقادات، و"تعهد مسؤولون لبنانيون لمتابعين للمسألة من الأمم المتحدة، بالعمل على منع حدوث تعذيب، واقرار قانون تجريم التعذيب". إلا أن هذه الوعود لم تدخل بعد حيز التنفيذ. والمشكلة، بالنسبة لشاتيلا، تتعلق بـ"تعامل المجتمع اللبناني مع التعذيب على انه تابو يجب نكرانه، خصوصاً من قبل الجهات الرسمية. هكذا، يتذرع مرة بالوحدة الوطنية، ومرة بعدم التعرض لسمعة الجيش أو القوى الأمنية الأخرى، فيما المطلوب دائماً آلية عمل حقوقية، لا ردات فعل سياسية".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024