ريشار قيومجيان وزير هموم الناس: لبنان بمواجهة خط الفقر

وليد حسين

السبت 2019/03/30
"معالي الوزير يعتذر عن تأجيل الموعد لبعض الوقت بسبب اجتماع طارئ".. نحاول الاستفسار من المسؤولة الإعلامية عن السبب، فيطلّ الوزير شخصياً، يصافحنا مكرراً اعتذاره، ويدعونا للانتظار. نتبادل أطراف الحديث مع المسؤولة الإعلامية، حول هموم وزارة الشؤون الاجتماعية، ومشاغل الوزير "القواتي" الجديد ريشار قيومجيان، لينقطع الحديث بسبب حضور سيدتين لمقابلته، نكتشف لاحقاً أنهما تمثّلان جمعية تُعنى بالأشخاص المعوقين.

على شفير الإقفال
نستغل الوقت للتعرف عليهما ليتبيّن لنا أنّ الجمعية تُعنى برعاية المصابين بمتلازمة داون منذ العام 1975، وتتابع حالياً نحو 110 مريض. تشتكي إحدى السيدتين، وهي سبعينية، من التأخر في دفع المستحقات لأكثر من عام، ومن تلقيها مستحقات الفصل الأول العائد للعام 2018 في شهر شباط الفائت، رغم أنّ تحصيل المستحقات يفترض أن يكون فصليّاً ودوريّاً. نعرّف عن صفتنا الصحافية فتكرّ سبحة الشكاوى: "لم نعد نسأل عن ضرورة تعديل المستحقات، قياساً بنسب غلاء المعيشة والتضخم، الذي حصل منذ العام 2011، فرغم ارتفاع التكاليف التي نتكبّدها أضعاف المرات، جراء التضخم وغلاء المعيشة، ورغم تلقينا بدلات زهيدة عن كل مريض، لا تتوافق ولا تفي حتى لسداد التكاليف. بل بات جل ما نطالب به حالياً هو دفع المتأخرات كي نستمر في عملنا. فهناك جمعيات رعائية عدّة باتت على شفير الإقفال النهائي، بعدما أجرت العديد من المحاولات لترشيد الإنفاق، وتسريح الموظفين، وتأجيل صرف رواتبهم لأشهر عدّة"، قالت السيدة. وإذ تنهمك في الرد على مجموعة تضم نحو مئة جمعية على منصّة الواتسآب، تكشف لنا بعض المداولات وفحواها التصعيدي، في اللجوء إلى الشارع، في حال أصرّت وزارة المالية على عدم دفع المستحقات، والإجراءات التقشفية في خفض النفقات.

نصف ساعة من الانتظار مرّت كبرهة مع تلك السيدة، التي لم تستطع كظم غيظها من بعض الجمعيات، التي تتلاعب بعدد المرضى أو الأشخاص المعوقين أو المعوزين المسجلين فيها: "لا تظنّ أن الجمعيات التي لديها عشرات الأشخاص، وتسجل عددهم بالمئات، موجودة في الجنوب وحسب، بل في مناطقنا أيضاً حيث يوجد العديد منها، كما يوجد جمعيات شرفيّة لزوجات المسؤولين، تتلقّى المساعدات الدورية. وجلّ ما تقوم به احتفالات سنوية لا غير". تحاول تلك السيدة الاستفاضة، فيقطع الحديث بيننا حضور الوزير قيومجيان شخصياً للاعتذار مجدّداً، ليرافقنا، المصور وكاتب هذه السطور، إلى مكتبه الخاص.

لباقة عفوية
الحفاوة في استقبال ووداع الضيوف من وإلى خارج مكتبه، المعطوفة على دماثة ولباقة في التعاطي معهم، وتكرار الاعتذار وشدّ الوثاق، يجعلك في حضرة شخص تشعر بأنك تعرفه منذ زمن بعيد. يتصرّف بتلقائية على عكس اللباقات المصطنعة التي يحترفها بعض السياسيين. أما هيئته الخارجية فتنمّ عن شخصية رياضية ديناميكية، لا تتطابق وآلية إدارات الدولة وبيروقراطيتها الباعثة على الملل. لا يضيّع الوقت ويدخل في صلب الموضوع مباشرة من دون لف أو دوران، كأنك في حضرة شخص متمكن من جميع ملفات وزارته، وهدفه إنجاز مهمة محددة وواضحة.

طوارئ اجتماعية
تعتبر وزارة الشؤون الاجتماعية من أهم الوزارات، التي يجب على الدولة إيلاءها اهتماماً خاصاً، لاسيّما أنّ من يعيشون تحت خط الفقر تتخطى نسبتهم الثلاثين بالمئة في لبنان. رغم ذلك، ما برحت ميزانية الوزارة تشكّل فقط واحد في المئة من الميزانية العامة للدولة، على عكس المتوقّع. لذا يشدّد قيومجيان على ضرورة رفع ميزانية هذه الوزارة، عبر إقدام الحكومة على الاقتطاع من أماكن أخرى، خصوصاً أنّ لبنان يمرّ في فترة طوارئ اجتماعية تضع الدولة أمام تحدّيات يجب العمل على مواجهتها. ومن أبرز الملفات الساخنة التي تستوجب التحرّك السريع،  ملف الجمعيات الرعائية التي "وصل الأمر بها إلى تجاوز الخطوط الحمراء" بعد عدم تلقيها المستحقات المتوجّبة عن العام الفائت.
صحيح أنّ وزارة المالية تتعاطى وفق الإمكانيات المتاحة لديها، لكن طبيعة العمل الإنساني، الذي تقوم به هذه الجمعيات، تستدعي من الحكومة إعطاءها الأولوية، خصوصاً تلك التي تُعنى بالأشخاص المعوّقين. وهنا يؤكّد قيومجيان على أنّ المعركة باتت مفتوحة لحلّ هذا الملف الملحّ، وقد باشر بعقد اجتماعات مع المعنيين. وفي حال لم يجد التعاون المطلوب، قد يقتضي الأمر رفع الصوت في الشارع، وسيكون على رأس المطالبين.

لكن ملف الجمعيات تشوبه عقبات، منها أنّ بعضها وهمي، وأخرى تتلاعب بعدد المستفيدين من الخدمات. وفي هذا الإطار يؤكد الوزير أنّ ملف الجمعيّات الوهميّة وضع له حدّ الوزير السابق بيار أبو عاصي، وأقرّ جميع المسؤولين في الوزارة بعدم وجود مثل تلك الجمعيات. لكن في حال وجود أي جمعية وهمية، سيكون الوزير على أتمّ الاستعداد لإيقافها فوراً. وهي دعوة لجميع المواطنين للتوجّه شخصياً إلى مكتب الوزير، وتقديم الشكاوى، بغية إقفال هذا الملف نهائياً.

برامج ووحدات غير منتجة
وإسوة بملف الجمعيات الوهمية، الذي وعد الوزير بحلّها في حال وجدت، ثمّة برامج ومشاريع ووحدات غير منتجة في الوزارة، تنتظر تحرّكه إمّا لإيقافها أو إعادة تفعيلها، جرياً على نهج أبو عاصي ذاته، الذي أنهى جميع العقود في البرامج غير المجدية. فعلى سبيل المثال، يعتبر ملف "المجلس الأعلى للطفولة" من الملفات المزمنة في الوزارة. وفي هذا المجال لفت قيومجيان إلى أن مؤسسات الوزارة وبرامجها ومشاريعها كثيرة ومتعدّدة، وبدأ بمتابعتها من خلال الأولوية التي تقتضيها الظروف. فهو بصدد متابعة كل برنامج وكل ملف على حدة، لحل المشكلات العالقة فيه. ولم يصل الدور إلى "المجلس" بعد، لكنه سيدرسه عما قريب. المهم أنّ الأمور تسير على قدم وساق، ويعمل على حلّ الأمور المستعجلة، مثل مشروع العائلات الأكثر فقراً، الذي يخدم نحو 44 ألف شخص.

أعاد الوزير السابق دارسة ملفات المستفيدين، وتبيّن وجود أناس غير مستحقين وتمّ إيقاف المساعدات لهم، فانخفض العدد من أكثر من مئة ألف إلى 44 ألف شخص. ولكن هذا المشروع بحاجة أيضاً إلى مزيد من التفعيل وإعادة النظر، خصوصاً أن هناك بعض الشكاوى من الناس، التي تعتبر أن ثمة إجحاف بحقها. إذ يصدف أحيانا أن يحصل شخص ما على مساعدات، فيما يحرم جار له منها، رغم كونهما يعانيان من درجة الفقر ذاتها، ومرد ذلك إلى وجود معايير علمية في تحديد المشمولين. لكن قيومجيان يؤكّد على أن المعايير العلمية لا تنطبق على الواقع الإنساني. بالتالي، بدأ التواصل مع المانحين ومع البنك الدولي، لرفع عدد المستفيدين من هذا البرنامج. وهذا يسري على بطاقات التغذية، التي تمنح لعشرة آلاف شخص فقط من بين جميع المستفيدين، كون الميزانية لا تسمح بأكثر من ذلك.

إلى هذه الملفات المتشعّبة، تنتظر الوزير الجديد قضايا مهمة، يأمل أصحابها بمعالجة وافية لها من قبله. فعدد موظفي الوزارة من خارج الملاك والأجراء يصل إلى نحو 400 موظف لم يتقاضوا حقوقهم في سلسلة الرتب والرواتب، بسبب الخلافات على النسبة التي يستحقونها. وقد باشر بطرح الموضوع على مجلس الوزراء لحلّه في القريب العاجل. كذلك يعمل مع الوزير العمل كميل أبو سليمان لمتابعة حصول الأشخاص المعوقين على حقّهم بالتوظيف، بنسبة ثلاثة في المئة، في جميع المؤسسات، كما يقتضي القانون 220، خصوصاً أن ثمّة قراراً صدر عن مجلس شورى الدولة، لتغريم وحجب براءة الذمة عن المؤسسات التي لا تلتزم بهذا القانون.

أنا الوزير
يعتقد قيومجيان أنّ "كل شخص يطبع عمله بشخصيته، وله لمساته الخاصة، لكن في الإطار العام، نهجه في الوزارة سيكون استكمالاً لسلفه أبو عاصي، إن لجهة المقاربة العلمية في الملفات، والشفافية، والمصداقية في التعاطي مع قضايا الشأن العام، التي هي جزء من الالتزام الحزبي المعتمد في القوات اللبنانية، آخذاً بالاعتبار التحديات الاجتماعية والاقتصادية والمتطلبات والاحتياجات التي يفرضها الواقع.
ولكون علاقة الوزراء مع المدراء العامين تعتبر أساسية لتسيير المرفق العام، ونظراً للشكاوى الكثيرة التي سيقت بحق مدير عام الوزارة، لجهة عرقلة الملفات وتأخير البتّ بعقود التوظيف والعقود مع الجمعيات، وفي ظلّ العلاقة المتوترة بين المدير والوزير السابق، أكّد قيومجيان أنّ "هناك وزير واحد على رأس الوزارة، ويمثّل قمة الهرم الإداري. وسأتصرف مع المدير العام على هذا الأساس. وسأعمل على حلّ الملفات العالقة وأمنع التأخير ببتّها. وأقوم حاليا بمتابعة البريد اليومي بفعالية أكبر. وفي حال رأى أي شخص أي تأخير متعمّد، من أي طرف  في الوزارة، فما عليه إلا التوجّه إلى مكتبي كي أضع حداً للأمور".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024