"موتور" طوني.. وكهرباء باسيل وأضرابه في جمهورية الظلام

وليد حسين

الإثنين 2021/07/19
بعد محاولات عدة أجابت سيدة على الهاتف، وقالت: "..لا هذا رقمي الخاص، وليس رقم صاحب المولّد المدعو طوني، الذي يتصل بي أناس كثر يسألون عنه". وكررتُ تهجئة الرقم أكثر من مرة على مسامعها، فأكدت أن الرقم الذي أطلبه صحيح. وعندما استغربت قائلاً إنني على هذا الرقم أتواصل عادة مع طوني، كررت المعزوفة أنه رقمها الخاص وليس رقم طوني.

وطوني شاغل بال كل سكان المحلة، بات المطلوب رقم واحد من الجيران كلهم، بعدما أدى ضعف الكهرباء وتلاعب قوة تيارها المتكرر إلى تعطل معظم الأدوات الكهربائية في كثرة البيوت، في أحد تفرعات منطقة الأشرفية في بيروت. وبات طوني لا يجيب على هاتفه، وربما استبدله. وعثرنا على رقم هاتف آخر لحضرة طوني، ولكنه لا يجيب أيضاً.

ومنذ مدة -أي بعدما انقطعت كهرباء الدولة كلياً في بيروت، أو باتت تزورنا نصف ساعة أو أكثر بقليل في اليوم الواحد- بات مولد كهرباء طوني تعيساً جداً. ففي الدقيقة الواحدة يرتفع التيار الكهربائي إلى نحو 200 فولت ثم يهبط إلى أقل من 170 فولت، لأكثر من مرة في الدقيقة.

ورغم أن فاتورة الكهرباء الشهرية باتت عند المدعو طوني 900 ألف ليرة، بلا عدّاد، وتكاد لا تكفي لتشغيل سوى براد ومكيف هواء صغير، لم تعد "توفي" مع طوني. فقرر أن يزيد عدد المشتركين أو تخفيض قوة التيار الكهربائي، كي تبقى أرباحه كما كانت في زمن الفورة والدولار القديم. ولم يهتم طوني للأمر، رغم أن المشتركين في الحي أسرى مولده، ولديهم أجهزة كهربائية تتعطل جراء فعلته. وهذا ما حل بنا في بيتنا، بعدما تعطل البراد وصار خردة.

وأدركت منذ مدة أن كهرباء طوني ستودي بي إلى كارثة محتمة. فرحت أبحث عن خيارات لحماية الأجهزة الكهربائية، الغالية الأثمان (كلها تباع بالدولار الحيّ الذي لا يموت!). وانتظرت طوال هذه المدة باحثاً عن خيارات أوسع وأرخص. لكن كهرباء طوني كانت أسرع من خطواتي البطيئة التوفيرية وأتت على البراد، الذي كنت قد اشتريته قبل اندلاع ثورة تشرين 2019 بنحو 1500 دولار.

وعندما كبرت العائلة كان لا بد من تكبير البراد. ولم أكن أعلم أنه كلما كبر حجمه كبر همه، كما حصل يوم أمس، بعدما نالت منه كهرباء طوني. ولم أحسب حساب هذا اليوم الذي سيكبلنا به طوني بكهربائه اللعينة، التي بتنا أسراها، بعدما ذهبت كهرباء الدولة في رحلة البحث عن 24 على 24 ساعة، كما وعد جبران باسيل، فغابت 24 على 24 كرمال عيون باسيل وسواه من أشباهه في جمهورية الظلام والظلامات والخنوع.

وتعطل البراد ولم يعد طوني يجيب على الهاتف. لا نريد منه أي تعويض. فقط نريد منه أن يرأف بسكان الحي لا أكثر، ويحسِّن الكهرباء. فما حصل قد حصل ولن يعوض عنه لا طوني ولا سواه، كالمصارف التي تهوّرت وهوّرتنا معها.

ونريد من طوني أن يحسن الكهرباء كي لا نقع بمصائب أخرى، في زمن بات إصلاح أي عطل ليس بمتناول اليد. لكن طوني غائب عن السمع. ولن نسمع عنه شيئاً قبل نهاية الشهر، حينما يأتي موظفه النجيب لجباية ثمن كهربائه المرتجفة، والتي نرتجف مثلها ونغضب بلا هوادة ولا معنى.

وتواصلت مع تقنيين ومهندسين لأرى ما إذا كان هناك من خيار لتجنب لعنة كهرباء طوني ومولّده اللعين. طالما لا أمل بكهرباء الدولة، وسنبقى أسرى طوني إلى أن تحل رحمة الله علينا. والنصيحة كانت شراء منظم كهرباء.

حسناً، وبدأ البحث عن الخيارات المتوفرة. وتبين أن الأسعار فلكية. لكن أحدهم عندما عرضت عليه مشكلة كهرباء طوني كان صريحاً معي وقال: لن تحل هذه المشكلة إلا بعودة صاحب المولد، ومعظم أصحاب المولدات في بيروت، إلى ضمائرهم. فهم حالياً يقومون بتخفيض التردد كي يوفروا في استهلاك المازوت، حيال الأزمة الحالية في المحروقات. وأضاف أن هذه الحيلة عامة عند أغلب أصحاب المولدات، مؤكداً أنه يتلقى اتصالات من مواطنين يشتكون مما أشتكيه. وقال بحزم: أستطيع بيعك منظم كهرباء وأكسب منك ثمنه، لكنه لن يحل مشكلتك وعليك الإقلاع عن هذا الخيار. ورغم ذلك ابتعت المنظم على أمل بأن يجنبنا تعطل باقي الأدوات الكهربائية في البيت.

"كبرت العيلة وكبّرنا البراد"، وأتى طوني بمولده اللعين وقضى على البراد، كي يوفر بعض المازوت. ولم يعد يرد على هاتفه. لكنني على يقين بأنني سأسمع صوته في نهاية الشهر عندما يأتي الموظف ليجبي الغلة. حينها سيرد طوني على الهاتف شاكياً من الدولة والمسؤولين وأنه يفكر بترك هذه المصلحة اللعينة، التي لم تعد توفر له ثمن طعام لأولاده، كما قال أكثر من مرة سابقاً. هذا رغم أن طوني سعّر كهرباءه بأكثر من ضعفي السعر الذي حددته وزارة الطاقة. لكنه لا يتوانى عن التوفير بالمازوت حتى لو أتى على كل الأدوات الكهربائية في الحي.

شكوت همي لأحد الزملاء من طوني ومن البراد الذي كبّرته وملأته باللحوم والخضار المثلجة لأيام المجاعة المقبلة علينا. لكن الشكوى لغير الله مذلة، كما يقال. لمن تشكو؟ قال الزميل، وأضاف، صاحب المولد في محلتنا قرر ترك مولده وسلمه لشخص آخر كي يستثمره. وحدث أن قطع الكهرباء لأكثر من 24 ساعة، لم أكن خلالها في البيت، وأتى على ثلاجة مخصصة للحوم والدجاج والخضر كلها. فهرعت أوزع ما تبقى منها على الجيران والأهل.
نسيت طوني وبرادي.. ولعنت جبران باسيل وأضرابه في جمهورية الظلام.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024