50 يوماً على الانفجار: 1500 دعوى ضد الدولة الغادرة

نادر فوز

الأربعاء 2020/09/23
50 يوماً على تفجير 4 آب. 192 ضحية إلى الآن، بعد تسجيل وفاة المواطن انطوان سليم زعرور قبل يومين. أما عدد المفقودين، فيترنّح بين 7 و9، إذ سبق للجيش أن أعلن يوم 29 آب الماضي عن وجود 7 مفقودين يوم 29، ليعود في بيان آخر صادر يوم 19 أيلول ويلفت إلى وجود 9 مفقودين. وعلى عكس الطبيعة والمنطق، يرتفع عدد المفقودين ولا ينقص، حتى أنّ جنسيّات هؤلاء تتبدّل من "ثلاثة لبنانيين وثلاثة سوريين ومصري" إلى "سبعة لبنانيين وسوريين اثنين". أما في التحقيقات والمسار القضائي للملف، فقد استقرّ عدد الموقوفين في الملف على 25 شخصاً منذ مطلع الشهر الحالي، مع استمرار تسجيل إفادات المسؤولين المفترضين. مأساة مجزرة مرفأ بيروت مستمرّة، ولو أن وقعها بات أقلّ ثقلاً. جديدها معلومات عن انتحار المراهق السوري، حافظ كرم، الذي فُقد والده ولا يزال في تفجير المرفأ، إضافة إلى عوامل اقتصادية ونفسية وعائلية صعبة. يوحي مسار خمسين يوماً مرّوا أنّ جرح جريمة 4 آب لا يزال مفتوحاً، لا بل يتوسّع ويتآكله العفن.

تعويض معنوي ومادي
الدولة اللبنانية، وسلطاتها، مسؤولة عن تفجير 4 آب. مسؤولون فيها كدّسوا آلاف أطنان نيترات الأمونيوم في المرفأ. وآخرون تغاضوا عن وجودها ولم يحرّكوا ساكناً، وثالثون مسؤولون عن سير التحقيقات في الجريمة وجلب العدالة لمئات آلاف الضحايا المتضررين. فبات الملف يحمل ثلاثة عناوين متسلسلة، أولاً في العدالة وكشف الحقيقة كاملة. ثانياً في المحاسبة والقصاص من الجناة المباشرين والمشتركين مباشرة أو غير مباشرة. وثالثاً في دفع التعويضات المالية اللازمة لكل المتضرّرين، بعد التعويض المعنوي عليهم بالحقيقة والمحاسبة. حتى أنّ التعويض المعنوي يسبق المادي، لكونه عاماً ومشتركاً ومن شأنه فضح السلطة الحاكمة التي قتلت اللبنانيين في مجزرة المرفأ.

دعوى ضد الدولة
قبل أسابيع، أطلقت نقابة المحامين في بيروت حملة تواقيع وجمع معلومات عن عائلات المتضررين، لتقديم شكوى قانونية ضد الدولة اللبنانية في ملف المرفأ. وحسب ما تقول مصادر النقابة لـ"المدن"، فإنّ "المتضررين الموقّعين بلغوا أكثر من 1500، منهم من أسر الضحايا ومنهم من خسروا ممتلكاتهم ومنازلهم وأعمالهم". كما أنّ من بينهم جرحى التفجير ومواطنين، ويمكن أن ينضمّ إليهم أيضاً مواطنون عاديون وجدوا أنّ التفجير مسّ بهم وبسلامتهم وبأمنهم. ما يعني أنّ الدولة اللبنانية ستكون أمام أكثر من 1500 دعوى شخصية مقدّمة من الأهالي لملاحقة ملف التفجير والمجزرة. فتوزّعت في شوارع بيروت، مجموعات من مئات المحامين دارت على المنازل والأرزاق، لعرض الفكرة وتدوين المعلومات، بهدف جمعها وغربلتها للقيام باللازم.

أهالي الضحايا
وفي هذا الإطار يقول إيلي حصروتي، نجل غسان حصروتي الذي استشهد غدراً خلال عمله في منبى إهراءات القمح في المرفأ، إنّ "المطلوب أن يكون التحقيق شفافاً وذي مصداقية ومحاسبة السلوك الذي أوصلنا إلى هذه الكارثة واتخاذ التدابير اللازمة لمنع تكرار مأساة مماثلة". ويشير حصروتي في اتصال مع "المدن" إلى أنّ "الاتصال الأول مع نقابة المحامين والنقيب شخصياً حصل حين كان لا يزال والدي مفقوداً تحت الأنقاض، وكانت النقابة قد جهّزت منصة خاصة بالمتضررين واسم والدي كان أول اسم على اللائحة". ويضيف أنّ "الدعوى واستراتيجية المسار القانوني بعهدة نقابة المحامين، لدينا كل الثقة بالنقيب والنقابة في هذا الملف، حتى أنّ مصداقية النقابة والنقيب على المحكّ في هذا الموضوع، لذا نحن أكيدون أنهم لن يبخلوا بأي جهد لإتمام الأمر".

أسر غائبة
وفي اتصال لـ"المدن" مع عدد من العائلات التي خسرت أبناءً لها، يؤكد هيثم الدحويش شقيق الشهيد فراس الذي سقط في التفجير، أنّ "أي جهة لم تتّصل بنا بعد في شأن تقديم الدعوى". كما يؤكد على أنّ "العائلة مهتمة جداً، وبالتأكيد مستعدة لرفع شكوى على الدولة اللبنانية وكل من له علاقة بهذه الجريمة". كما يؤكد إلياس نهرا، الموظف في المرفأ الذي خسر أيضاً ابن اخته خليل عيسى في التفجير، أنّه "لم يتم الاتصال بنا بهذا الشأن بعد". ويضيف "شخصياً خسرت الكثير من الممتلكات، والأهم أنّي خسرت خليل، والدم لا يزال في الأرض، والعائلة طبعاً معنية بتقديم دعوى لضمان حق دم خليل أولاً". وبالتالي، فإنّ لوائح نقابة المحامين مرشّحة للتوسّع أكثر، خصوصاً أنّ معنيين مباشرين بالتفجير وضحايا مباشرين له لم يفاتحهم أحد بعد بهذا الموضوع. فلسان حال أغلب عائلات الضحايا الذين تواصلت "المدن" معهم، بقول: ثمة إهمال وتخاذل وخيانة وغدر حصل من قبل سلطة يفترض أن تحمينا، ونحن نريد حقّنا وحق بأبنائنا ودمائهم.

دعوى كتائبية
كما أعلن اليوم نائب رئيس حزب الكتائب، جورج جريج، أنّ حزبه "اتخذ صفة الادعاء الشخصي أمام المحقق العدلي في شكوى على الدولة اللبنانية وجميع المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت وما لحقه من حريق وإطلاق النار على المتظاهرين". جمع الكتائبيون كل ممارسات السلطة في الخمسين يومياً الأخيرين، في اعتداءاتها وتقصيرها، وقدّموا ادعاءً شخصياً. فتوجّهت إلى الدولة خمس اتهامات "بالقتل عن قصد في انفجارِ مرفأِ بيروت في 4 آب، بالتواطؤ والاهمال والتقصير وغضّ الطرف منذُ لحظة دخولِ المواد إلى مرفأِ بيروت، بخدمةِ موانىء المنطقة من اللاذقية إلى حيفا، ومن لارنكا ولاتشي إلى أشدود، ويافا وعكا، على حساب مرفأ بيروت وموقعِه الاستراتيجي، بنحر شعبها وتدميرِ عاصمتها واستثمار مأساتها، بالعبث بمسرح الجريمةْ، وبالترف في التحقيقات الأولية والعدلية، وبالرقصِ السياسي على جثث".

قبل أيام، في 18 أيلول، نفذ عدد من عائلات الشهداء الذين سقطوا التفجير وقفة احتجاجية أمام المدخل رقم 3 من مرفأ بيروت، مطالبين بالإسراع في التحقيق ومحاسبة القتلة. وخلال التحرّك ألقيت بضع كلمات وجاء في إحداها أنه "إذا استشفينا أي رائحة للتسييس أو التمييع أو لم ينصفنا القضاء، سنأخذ حقنا بأيدينا وسنقابل الدم بالدم، ونتمنى ألا نجبر على ذلك". فدولة الميليشيات والحرب الأهلية والقتل والمجازر والاغتيالات، لا تفهم إلا لغة الدم أساساً.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024