"اليوم العالمي لمناهضة التعذيب": السلطة اللبنانية مذنبة

جنى الدهيبي

الجمعة 2020/06/26

منذ ما بعد 17 تشرين الأول 2019، يشهد لبنان على انقلابٍ فاضحٍ للسلطة، على كلّ أسس الحريات العامة. إذ لا توفر وسيلة لقمع اللبنانيين وترهيبهم، وللجم تحركاتهم في الشارع، عبر السحل والقمع والاعتقالات والاعتداءات بشتى أنواعها. كما أنّ هذه السلطة السياسية، قد سخّرت كلّ من السلطتين الأمنية والقضائية تحقيقًا لهذه الغاية، في "عهد" يتهاوى فيه لبنان واللبنانيون إلى قعر الانهيار، اقتصاديًا وأمنيًا وسياسيًا وفي كلّ مقومات العيش.

منسوب القمع
الجمعة 26 حزيران 2020، يحيي العالم اليوم الدولي لـ"مساندة ضحايا التعذيب"، وذلك تحت شعار "التعذيب: جريمة ضد الإنسانية ". وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت قرارها 149/52 في كانون الأول من العام 1997، باعتبار يوم 26 حزيران يومًا عالميًا للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب، بهدف تحقيق مضمون اتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

لكن، أين لبنان من هذه الاتفاقية مع تضاعف منسوب القمع، وما يتبعه من اعتقالات تعسفية واعتداءات سافرة على المعتقلين؟

لهذه المناسبة العالمية، عقدت صباح اليوم الجمعة نقابة المحامين في طرابلس، برئاسة نقيبها محمد مراد، تحت إشراف لجنة السجون في النقابة، مؤتمرًا صحافيًا حول "مواءمة القوانين اللبنانية مع اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب".

شهادة موثقة
اللافت في هذا المؤتمر، كان عرضًا لفيديو مصوّر عن شهادة أحد السجناء في لبنان، يحكي قصّته مع التعذيب في إحدى فروع السجون اللبنانية. هذه الشهادة القاسية بكل تفاصيلها، أًحجب فيها صوت وصورة صاحبها وأيّ تفصيل يشير لهويته، حمايةً له من الاعتقال مجددًا، بعد سرد تفاصيل جلده أثناء التحقيق معه في قضيةٍ تبيّن لاحقًا أنه بريء منها. وخلال 33 يومًا قضاها هذا الشاب بالاعتقال، بين أسئلةٍ وجلدٍ وعدم النوم نهائيًا، خُلع كتفه وعدد من مفاصله وظهرت مشاكل في كليته بعد تعرضه لشتى أنواع التعذيب. خرج هذا الشاب من السجن بحالةٍ نفسية مدمّرة، وهو يقضي يومياته في العزلة الكاملة عن الناس. العام الماضي، اتصل به "أحد المحققين معه"، وفق شهادته، وطلب منه المغفرة عمّا فعله به. لكنّ هذا الشاب لم يستطع مسامحته، وقال له "الله لا يسامحك"، وسأل مستنكرًا في شهادته: "كيف أسامح من أذلني وأهان كرامتي ودمرني نفسيًا وجسديًا؟".

التوقيع والتطبيق
ويذكر أنّ لبنان وقع على اتفاقية مناهضة التعذيب في العام 2000، وأصبح بذلك قانونياً ملزمًا بتطبيق بنودها، من دون أن يفعل ذلك في طبيعة الحال. وقد أشار مقرر لجنة السجون في النقابة المحامي محمد صبلوح، أثناء عرضه في المؤتمر لواقع الانتهاكات الانسانية في لبنان ولمعوقات تطبيق القانون 65، أنّ نقابة المحامين في طرابلس العام الماضي اقترحت بعد التوصيات والحلول في هذا الشأن على الصعيد النقابي والقضائي والحكومي والنيابي والأمني وعلى مستوى الجمعيات والمنظمات الحقوقية. بعض هذه التوصيات جرى تطبيقها، والبعض الآخر لا يزال حيّز التطبيق، أمّا عدد كبير منها فلم يتم تطبيقه على الاطلاق.

قضائيًا مثلًا، لم يجرِ العمل بتوصية "المتابعة مع النائب العام التمييزي لجهة تفعيل المادة 15 من قانون أصول المحاكمات الجزائية عند وجود أدلة على حصول أعمال التعذيب". وحكوميًا، لم يتم السعي إلى "تفعيل عمل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، ولا سيما الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب والتعميم على الجهات الأمنية والقضائية إلتزام نصوص القوانين المتعلقة بحقوق الموقوف". ونيابيًا، لم تقم اللجان المختصة بـ "إجراء تعديلات تهدف إلى ضمان حقوق الموقوفين في التحقيقات الأولية لدى الضابطة العدلية"، و"لا الإسراع في دراسة قانون استقلال القضاء وشفافيته العالق أمام لجنة الإدارة والعدل". أمّا أمنيًا، فـ"لا يصدر أيّ تقرير سنوي حول التقدم المحرز في تطبيق قانون التعذيب"، ولم "يُطبّق قانون أصول محاكمات جزائية وخاصة المادة 47 وضمان إمكانية استفادة الموقوفين من حقوقهم، والاتصال بعائلاتهم ومقابلة المحامين، والمعاينة الطبية فور توقيفهم، وليس بعد انتهاء التحقيق معهم".

الضغط على السلطة
ويشير صبلوح لـ "المدن" أنه بناءً على هذا المؤتمر، تقرر الخميس 2 تموز 2020، عقد حوارٍ إلكتروني بين نقابة المحامين في طرابلس ومركز "وصول لحقوق الإنسان" في فرنسا، "سيشارك فيها حقوقيون من جنيف وفرنسا وألمانيا ومفوضية الأمم المتحدة ولجنة العفو الدولية، وسنقدم شهادات التعذيب التي في حوزتنا، ضمن مسار الضغط على المعنيين بهذه القضية في لبنان".

من جهته، لفت نقيب المحامين مراد أنّ الهدف من هذا المؤتمر ليس للفضح والتشهير بما يجري في أروقة السجون والتحقيقات، وإنما لتصويب الأمور وتطبيق بنود اتفاقية مناهضة التعذيب في لبنان. كما وعرض كتيّب تقريري أعدته لجنة السجون في النقابة، وجرى توزيعه على الحاضرين، يوثّق عددًا من حالات التعذيب في لبنان ويعرض الأسباب القانونية الموجبة لوقف هذه الانتهاكات الإنسانية الفاضحة في لبنان.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024