مؤتمر البطالة في طرابلس: صاحب الداء يصف الدواء

جنى الدهيبي

الأحد 2018/11/04

 جملة ملاحظاتٍ يمكن تسجيلها على توصيات مؤتمر "البطالة وفرص العمل الكامنة في طرابلس والشمال" الذي عقد في نقابة المهندسين في 20 تشرين الأول 2018، برعاية الرئيس المكلف سعد الحريري.

توصيات المؤتمر، أعلنتها لجنة متابعة الإنماء في نقابة المهندسين في طرابلس، في مؤتمرٍ صحفي عقد في 2 تشرين الثاني 2018. والانجاز الأكبر الذي سيتبع إعلان التوصيات (المرفقة في نهاية المقال)، هو "تقديمها بمعيّة النائبة بهية الحريري إلى الرئيس الحريري!". هكذا وصف منظمو المؤتمر إنجازهم، بعد أن حشدوا له سياسيًّا ودعائيًا ومدنيًّا ونقابيًا، باعتبار مؤتمرهم النقابي الذي يرعاه الرئيس الحريري، هو المحطة الأبرز للخلاص من البطالة المدقعة في عاصمة الشمال!

من المفارقات المضحكة المبكية في المؤتمر، الذي طغى عليه اللون الأزرق، هو أنّ "صاحب الداء يصف الدواء". إذ كيف لسلطةٍ سياسيةٍ أن ترعى مؤتمراً حول البطالة فيما سياستها الاقتصادية والمالية هي واحدة من أولى مسببات هذه البطالة المتفشيّة في طرابلس؟ لا بأس. قد يحقّ لأيّ جهةٍ أو تيارٍ سياسي أن يقوم برعاية هكذا مؤتمر، ويتكلف بوضع توصياته في عهدته. لكن، هل يبقى هذا الحقُّ من المكتسبات حين يخرج المؤتمر بتوصيات تحمل عناوين فضفاضة، وتحتاج لسنواتٍ ضوئيّة قبل تحقيقها على الطريقة اللبنانيّة؟

عندما عُقد المؤتمر، ركّز رئيس الهيئة العليا للتأديب القاضي مروان عبود، وكذلك الوزير السابق فادي عبود، على الفساد الضارب في المؤسسات العامة، وعلى النظام الطائفي والمحاصصة السياسية، الذي أدى لحشو المؤسسات العامة بفائض موظفين غير فاعلين. وبالتالي، وجدا أنّ المخرج لتحسين إنتاجية الإدارة العامة، يكون بمحاربة هذا النوع من الفساد، الذي يؤثر مباشرةً على فرص العمل والنوعية والانتاج.

هذه المعضلة الرئيسية، لم يجرِ التطرق إليها أبدًا في  سياق التوصيات التي قسّمت إلى ثلاث محاور: في الشأن السياسي والقانوني، في الشأن التربوي وفي الشأن الاقتصادي. ومرد ذلك، قد يكون بصعوبة تبنيّها من الجهة السياسية الراعية للمؤتمر، على خلفية استفادتها إلى حدٍّ ما من "التركيبة الفاسدة" في عملية التوظيف، القائمة على المنطق التنفيعي.

خرج المؤتمر بـ 21 توصية، تميّزت بعناوين فضفاضة بدت أقرب للتمنيات، وتحتاج كلّ توصيةٍ منها لسنوات من العمل. والسؤال المطروح: من سيسعى لتنفيذ هذه التوصيات بعد وضعها في عهدة الحريري، فيما كلّ واحدةٍ منها مرتبطة بجهة رسمية محددة من الحكومة والإدرات والمؤسسات والنقابات والوزارات؟ مثلا، حين تكون إحدى هذه التوصيات "اصلاح الوضع المالي في الدولة وتخفيف العجز"، لمن يتوجهون بهذه التوصية، ومن سيعمل على تنفيذها أصلاً؟. كذلك الأمر بالنسبة لكثير من التوصيات التي بدت ضبابية وغير واضحة على الإطلاق.
 

"أحلى" التوصيات، كانت المطالبة بـ "إشراك نقابات المهن الحرّة بتحديد حاجات سوق العمل وتوجهاته المستقبلية". علما أن من يتولى هذه النقابات في الشمال، هو تيّار المستقبل نفسه الراعي للمؤتمر. فلماذا لم يأخذ مثلا نقيب المهندسين في الشمال بسام زيادة المبادرة للعمل على تنفيذ هذه التوصية؟ وكان زيادة قد اكتفى بمداخلته بالإشارة إلى محاولة "الإستفادة من تشكيل الحكومة ومن مؤتمر سيدر الذي سيتيح فرصًا جديدة لطرابلس".

عمليًّا، بدا لافتاً أنّ توصيات المؤتمر لم تتطرق إلى البلديات، التي من المفترض أن تلعب الدور الأبرز في المدينة. لكن، كان واضحًا أنّها ارتقت إلى مستوى النظريات وحسب، وهو كلام جميل، من دون أن يكون له معنى على أرض الواقع، في ظلّ غياب آلية المتابعة لتنفيذها، لا سيما أنّ البلديات والنقابات والوزارات في الحكومة، هي المسؤولة المباشرة عن تنفيذها.



توصيات المؤتمر كاملةً

في الشأن السياسي والقانوني:

  1. وضع خطة إنقاذية شاملة ومتكاملة لمعالجة مسألة البطالة والتي لا يمكن أن تكون موضعية أو مجتزأة. لذا يجب على الخطة أن تتضمن ما يلي: العمل على تطوير القدرات المادية والبشرية للقوى العاملة، دعم المؤسسات الناشئة خصوصا في القطاعات الانتاجية الواعدة من خلال حوافز قصيرة وطويلة الأمد، وتعديل التشريعات الناظمة لعمل بعض المؤسسات العامة في المدينة (المعرض، المطار وغيرها من المنشآت) وذلك بهدف التخفيف من القيود البيروقراطية السائدة.

 

  1.  تعديل القوانين الخاصة بالتوظيف في الإدارة العامة بحيث تعطى الأولوية لأبناء المناطق المعنية بالتوظيف.

 

  1. تحديث الإدارات العامة من خلال برنامج حوافز تقاعدية للموظفين، الذين اقتربوا من سن التقاعد، ما يتيح الفرصة أمام الخريجين الشباب للحصول على وظائف وبالتالي يحد من هجرتهم إلى الخارج.

 

  1. إصلاح الوضع المالي العام، وبالتالي التخفيف من العجز في الموازنة ومن أثره السلبي الكبير على مالية الدولة وفرص الاستثمار لديها. فموازنة تقشفية لفترة قصيرة من الزمن أفضل بكثير من موازنة عادية ترهق كاهل الدولة ومواطنيها.

 

  1. دراسة واقع التقديمات الاجتماعية وتقويم أثرها وفاعليتها وكلفتها الإجمالية على القطاعات الانتاجية وأثر هذه الكلفة على تنافسية هذه القطاعات.

 

 في الشأن التربوي:

 إعادة النظر بالمنظومة التربوية بمراحلها كافة، بما يوائم المناهج مع حاجات سوق العمل ومع التحولات البنيوية التي طرأت عليه في السنوات الأخيرة، ومنها:

  1. التصدي لظاهرة التسرب المدرسي.
  2. إصلاح قطاع التعليم المهني وجعله أكثر مواءمة لمتطلبات النشاط الانتاجي وذلك عبر:

- إنشاء معاهد مهنية باختصاصات جديدة (تلحيم تحت الماء، صناعات عالية التخصص تكنولوجيا، وسواها من المهن، خصوصا المرتبطة بصناعة النفط والغاز)

- تشجيع مؤسسات البحث العلمي في مرحلة التعليم الجامعي على إنشاء مراكز بحثية ومختبرات تنتج أفكارا تطبيقية وحلولا لمشاكل الفرد والمجتمع.

- إشراك نقابات المهن الحرة (المحامين، المهندسين، والعاملين في قطاع الاستشفاء) في تحديد حاجات السوق وتوجهاته المستقبلية.

 

 في الشأن الاقتصادي:

  1.  اعتماد سياسات حكومية وبرامج اقتصادية وإنمائية عامة من شأنها:

-         إزالة الضبابية التي تطبع علاقة الدولة بالسوق والحد من الاحتكار

-         رفع مستوى الطلب في الاقتصاد الوطني والمحلي

-         تعزيز الانتاجية والفعالية خصوصا في القطاعات ذات الميزة التنافسية (الصناعات الحرفية، قطاع المواصلات والنقل البري).

-          إطلاق مشاريع ذات عمالة مرتفعة وفق مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال البنى التحتية.

-         مواكبة التطورات التكنولوجية وتشجيع القطاعات الاقتصادية على التحديث والتطوير من خلال برامج تحفيزية (إعفاءات ضريبية، تسهيلات إئتمانية وغيرها).

-          تشجيع القطاعات الانتاجية على تأهيل مواردها البشرية من خلال برامج تدريبية تعتمد آخر الابتكارات في هذا المجال.

 

  1.  تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم على الاستثمار والتوظيف في القطاعات الرائدة والواعدة والتي تراعي مبدأ الاستدامة في استخدام الموارد.
  2. تعزيز ثقافة الجودة في كافة مراحل العملية الانتاجية وصولا إلى المستهلك.
  3. إطلاق مبادرات حكومية من شأنها تشجيع الصناعات التي غادرت المدينة سابقا بالعودة إليها.
  4. إصدار البيانات الحيوية بصورة دورية ووضعها بتصرف صناع القرار في القطاعين العام والخاص.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024