الثأر بين آل جعفر وآل شمص: دم بشوارع بعلبك

لوسي بارسخيان

الثلاثاء 2020/10/06

أُخذت مدينة بعلبك كلها رهينة السلاح المتفلت، وروّع أهلها لساعات طويلة، إثر تصفية حسابات ثأرية بين عشيرتي آل جعفر وآل شمص، أضيفت إلى سجل طويل من ارتكابات جرمية تدّعي أنها "العادات العشائرية"، لتمعن في تقويض صورة الدولة بهذه المنطقة، مسقطة عدالة القضاء، من خلال نزعتها لنيل الحقوق مباشرة باليد، وبالتالي إدخال المنطقة في دوامة من الجرائم المستمرة.

الجريمة الأولى
للقصة هذه المرة ذيول تعود إلى العام 2017، عندما قتل عيسى علي جعفر بوسط المدينة على يد شخصين من آل شمص، أدت المساعي التي جرت لتسليمهما إلى القضاء، وبالتالي تنفيذهما فترة العقوبة داخل السجن، إلى مصالحة عشائرية جنبت بعلبك ومنطقتها عموماً حمام دم كادت تتسبب به الجريمة الأولى.

طبيعة الإشكال الذي وقع بين أفراد العائلتين الكبيرتين، بينت حينها أن أي تسوية لإنهاء النزاع لا يمكن أن تمر من دون تسليم الجناة للقضاء، خصوصاً أن لكل من العائلتين سلطة على أماكن تواجدهما، بين بوداي ودار الواسعة، ما يبقي أبواب تصفية الحسابات مفتوحة بشتى الطرق ولفترة طويلة.

ولكن على رغم تسليم الجناة إلى القضاء، لم ينعم عباس شمص، وهو شقيق أحد المحكومين، بالأمان الذي تعهدت به عائلة جعفر لآل شمص، وبعد أكثر من سنتين من الجريمة الأولى، تم "تصيّد" عباس من قبل أربعة أشخاص نفذوا الجريمة بإسم عائلة جعفر، فقتلوه داخل محله في حي النبي إنعام، بوسط مدينة بعلبك.

القوى الأمنية تنسحب
لم يكتف هؤلاء بقتل عباس، وإنما إنتقلوا إلى حي الشراونة الذي يضم تجمعاً لعائلة جعفر، ليحتفلوا بفعلتهم، مطلقين القذائف النارية والصاروخية، من دون أن يأبهوا لكمية الرعب التي خلفوها في كل مدينة بعلبك لساعات طويلة، ولا سيما بعدما وقفت عائلة شمص على سلاحها، وأراد شبان منها في عز فورة الدم أن يصفوا حساباتهم فوراً.

ذروة حالة الرعب عاشتها مدينة بعلبك خلال تشييع عباس، حيث لوحظ إنتشار مسلح واسع لعائلة شمص، ترافق مع كم من التسجيلات الصوتية، ومن الرسائل الهاتفية التي تحدثت عن حشود مسلحين من عشيرة شمص تجوب مدينة بعلبك، وسط انسحاب للقوى الأمنية. إلا أن هذا الأمر أوضحه جهاد شمص لـ"المدن"، مشيراً إلى أن القوى الأمنية انسحبت احترازياً حتى لا يتسبب وجودها بمشاكل أمنية أكبر، أما المظاهر المسلحة ما لبثت أن اختفت بعد التشييع مباشرة.

حزب الله والعائلتان
ووضع جهاد شمص هذه الاخبار في إطار توتير مفتعل للأجواء. وذلك لخلق حالة خوف تضع حزب الله في موقع الضابط للوضع الأمني، وبالتالي تجعل الاحتكام إليه واجباً، وخصوصاً في ظل غياب الدولة "المخطوفة" أساسا في منطقة بعلبك.

علما أن كل من آل شمص وآل جعفر إتهما حزب الله بالتدخل لمصلحة الآخر. وانتشر تسجيل صوتي من آل جعفر، يطلب فيه أحدهم من سامعيه تبادله على نطاق واسع، ويقول فيه أن "بوداي" التي تشكل معقل آل شمص الأساسي تدين بولائها لحزب الله. وبالتالي، فإن أي حادث أمني يقدم عليه آل شمص رداً على العملية الثأرية، يدان به الحزب، الذي برأيه "يريد الدخول إلى حي الشراونة بإسم عائلة شمص، وبالتالي استعادة سيناريو أحداث سنة 1991". وفي التسجيل تحريض لآل جعفر أيضاً، على قتل كل من يدخل بلدتهم، سواء كان من آل شمص أو من حزب الله، وتهديد بافتعال المشاكل في كل المناطق.

وفي وقت لاحق، صدر بيان عن عشيرة آل جعفر، "آسف لما حصل بين العشيرتين الجارتين"، اللتين أكد البيان على "المودة بينهما"، معتبراً أن "أي كلام لا يصدر عن العشيرة مجتمعة لا يعبّر عنها، ومعوّلاً على حكمة آل شمص وفعاليات المنطقة والجهات السياسية لوضع حد لما حصل، معرباً عن استعداد آل جعفر للتجاوب مع أي مسعى".

لا حساب للدولة
الملاحظة الأولى حول ما حصل في بعلبك، هي أن إدعاء المنطق العشائري في نيل الحقوق سقط عملياً في الجريمة الاخيرة، خصوصاً أن عائلة جعفر كانت قد تعهدت بعد الجريمة التي ارتكبت بحقها بأن "ثأرها هي عند الغريم". وهذا في المصطلحات العشائرية يعني حصر الانتقام بالشخص الذي ارتكب الجرم مباشرة، وليس بأفراد عائلته. وبما أن عائلة جعفر عادت وقتلت شقيق الذي يقضي فترة عقوبة بالسجن على جريمته، فإن السؤال يصبح مشروعاً أيضاً حول ما إذا كانت عائلة شمص ستكتفي بالاقتصاص من الأشخاص الأربعة المعروفين من قبلها، والذين اتهموا بقتل عباس شمص. 

أما الملاحظة الأخطر في هذه الحادثة، فهي أن لا آل جعفر الذين قتلوا القتيل واحتفلوا بـ"ثأرهم" ولا آل شمص الذين أظهروا قدرة مشابهة على ترويع البعلبكيين من خلال رد فعلهم، بدوا كمن يقيمون حساباً للدولة ويقرون بوجودها بالأساس، ما زاد القناعة لدى أهالي المدينة الآمنين كما قال جهاد شمص، أنه قبل مطالبة هذه الدولة بأي شيء، نريد أولا استعادتها. مشيراً إلى "أننا من الناس التي تطالب بعودة الدولة حصرا لإمساك الأمن والسيادة، لأنه من دون وجودها سيستمر التدمير في هذه المدينة".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024