"وليمة" التعيينات القضائية: الأسماء والوقائع

المدن - مجتمع

الخميس 2019/07/18

ما أن انتهت مفاعيل أزمة اعتكاف القضاة في لبنان، وعادوا إلى عملهم مؤقتاً بانتظار إقرار الموازنة، حتى أطلّت على القضاء ملامح أزمة جديدة، تتمثّل في التعيينات القضائية، والأسماء المقترحة لتبّوء المناصب العليا، التي يشغر بعضها منذ أشهر، وبعضها الآخر منذ أكثر من سنة.

المراكز المسيحية
وإذا كانت هذه التعيينات حاجة ملحّة من أجل انتظام عمل السلطة القضائية، وتسيير مرفق العدالة وتسيير أمور المواطنين، فإنها تمثّل في المضمون معركة سياسية، تستقطب اهتمام المرجعيات والأحزاب الكبرى لنيل هذا المنصب الحساس أو ذاك. وفيما يبدو أن المراكز التي يشغلها قضاة مسلمون شبه محسومة، فإنها قد تتجمّد على وقع الصراع المحتوم على المراكز المسيحية.

وينتظر أن تدرج الحكومة التعيينات القضائية على جدول أعمالها في أقرب جلسة لمجلس الوزراء، بدءاً من موقع النائب العام التمييزي الشاغر منذ ثلاثة أشهر ونصف الشهر، مع إحالة القاضي سمير حمود على التقاعد مطلع شهر نيسان الماضي، ومركز مدير عام وزارة العدل، الذي شغر بإحالة القاضية ميسم النويري على التقاعد في التوقيت نفسه، ورئيس مجلس شورى الدولة الشاغر منذ إحالة القاضي هنري خوري على التقاعد، وموقع رئيس هيئة التشريع والاستشارات، الذي يشغله قاضٍ بالإنابة منذ وفاة رئيسته الأصيلة القاضية ماري دنيز المعوشي قبل 13 شهراً.

اتفاقات خفية
وتتصارع القوى السياسية على هذه المواقع، التي تمثّل مرجعية القرار في السلطة القضائية، بهدف الإمساك بها وتكريس نفوذ الفريق الذي يحظى بأي من المواقع المشار إليها. ما يعني، أن شعار استقلالية السلطة القضائية لا يعدو أكثر من مادة للاستهلاك، فيما تعمل القوى والمرجعيات السياسية لدى كلّ الأحزاب والطوائف على تعزيز سطوتها داخل السلطة الثالثة، وإن من ضمن اتفاقات خفيّة فيما بينها، لتقسيمها على القوى النافذة.

ويعدّ منصب النائب العام التمييزي الأهم بين كل هذه المراكز، بوصفه رئيساً للنيابات العامة وللضابطة العدلية في كلّ لبنان، ويشغل موقع نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى. ورغم أنه موقع قضائي بامتياز، الّا أنه الأكثر احتكاكاً بالسلطة السياسية. ويعود هذه المنصب للطائفة السنيّة، وهو حكماً من حصّة تيّار "المستقبل" ورئيس الحكومة سعد الحريري.

وكشفت مصادر قضائية لـ"المدن"، أن "الشخص الأوفر حظاً لتعيينه نائباً عاماً تمييزياً هو قاضي التحقيق الأول في بيروت غسان عويدات"، مشيرة إلى أن "ثمة أسماء أخرى قيد التداول مثل المدعي العام الاستئنافي في الشمال نبيل وهبة، أو رئيس محكمة الجنايات في بيروت سامي صدقي، الّا أن حظوظ عويدات تبقى الأقوى حتى الآن. لكنّ إذا نجحت الضغوط البيروتية لإسناد المنصب إلى قاضٍ من أبناء العاصمة، فقد يرسو الاختيار على القاضي صدقي"، مشيرة إلى أن "هذا الواقع يسري على مركز مدير عام وزارة العدل، الذي سيؤول إلى "المستقبل" أيضاً، ويرجّح أن تشغله القاضية نجاح عيتاني رغم طرح أسماء مرادفة، مثل القاضية رندة يقظان المدعومة من مرجعية قضائية سابقة، أو القاضية رلى جدايل التي يزكيها مرجع قضائي نافذ. لكن أسهم عيتاني ما زالت مرتفعة، وهي مقرّبة جداً من قيادات وكوادر تيار المستقبل، ولكونها ابنه العائلة البيروتية الأكبر، والأكثر ولاء للحريري وتيّاره".

القوات - باسيل
وإذا كانت الطريق معبّدة أمام الحريري وفريقه لنيل الحصّة السنيّة في القضاء، فهي لا تبدو كذلك بما خصّ المواقع المسيحية، وأشارت المصادر القضائية نفسها إلى أن "القاضية كارمن بدوي مرشّحة لتعيينها رئيسة لمجلس شورى الدولة، بتزكية من التيار الوطني الحرّ، الذي يرأسه وزير الخارجية جبران باسيل. كما يطمح هذا الفريق لنيل منصب رئيس هيئة التشريع والاستشارات، غير أن جنوح التيار البرتقالي للاستحواذ على كلّ المراكز القضائية، تنتظر معركة حامية على طاولة مجلس الوزراء، لأن قوى مسيحية أخرى وعلى رأسها "القوات اللبنانية" تطالب بحصتها، ولن تقبل باستئثار باسيل وفريق رئيس الجمهورية بكلّ شيء".

الفوضى القائمة
ويفترض أن تأتي التعيينات القضائية بناء على اقتراح وزير العدل، الذي يرشّح أكثر من اسم لكل مركز شاغر، وعندها يختار مجلس الوزراء الأرفع درجة والأكثر كفاءة وعلماً وخبرة. الّا أن هذه المعايير ضُربت عرض الحائط، إذ باتت القيادات السياسية تنجز اتفاقها في الخارج، ومن ثمّ تطرح الاسم على مجلس الوزراء فيجري التصديق عليه، ويصدر مرسوم التعيين، وشددت مصادر وزارة العدل لـ"المدن"، على أن "التعيينات القضائية باتت أكثر من ملحّة"، مشيرة إلى أن "هناك ما يشبه الفوضى القائمة حالياً بسبب التأخر في إنجاز الملفات والبت بقضايا الناس، ليس تقصيراً ممن يشغلون المناصب الحساسة بالوكالة، بل بسبب تولي هؤلاء القضاة أكثر من مركز، ما يؤخر لأيام عدّة توقيع البريد ودراسة المعاملات والبتّ بها".

ثمّة طوائف أخرى غير معنية بمعركة التعيينات القضائية، إذ لا يوجد مركز قضائي للطائفة الأرثوذكسية المسيحية شاغراً، ولا للطائفة الشيعية، فيما لا يزال مركز قاضي التحقيق العسكري الأول، الذي هو من حصّة الطائفة الدرزية شاغراً، بسبب استقالة القاضي رياض أبو غيدا، الذي انتخب قبل أسبوعين عضواً في المجلس الدستوري. وتردد أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب السابق وليد جنبلاط، يرشّح القاضية نجاة أبو شقرا لهذا المركز. لكنّ نقل الأخيرة إلى هذا المركز رهن بالتشكيلات القضائية المنتظرة نهاية العطلة القضائية أواخر هذا الصيف، والمرجّح أن يجري خلالها تبديل في مراكز حساسة مثل النيابات العامة وقضاة التحقيق ورؤساء محاكم، وستطال قضاة غير مرضي على أدائهم خلال السنتين الماضيتين، وأكثرهم من المحسوبين على العهد وفريقه السياسي.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024