كورونا 2020: سنة حمد حسن وفراس أبيض

وليد حسين

الجمعة 2021/01/01
أعاد انتشار سلالات كورونا الجديدة في نهاية العام الحالي التذكير بالهلع العالمي الذي عمّ كوكب الأرض مطلع سنة 2020. فبعد الصين انتقلت الكارثة آنذاك إلى إيطاليا لتعم بعدها كل الدول، فأقفلت الحدود والمطارات وتعطلت المصانع وحُجِر على المواطنين في بيوتهم. وبإيجاز، ركّع كورونا الاقتصادي العالمي وغيّر نمط حياة البشر جميعاً.

تطييف كورونا
في لبنان، وبعد شهر بالتمام على تسلمه وزارة الصحة في 21 كانون الثاني 2020، أعلن الوزير حمد حسن عن أول حالة كورونا سجّلت في لبنان. وهي لسيدة لبنانية عادت في 21 شباط من زيارة دينية في مدينة قم الإيرانية. وأطلق حسن حينذاك جملته الشهيرة "لا داعي للهلع"، مشيراً إلى وجود حالتين مشتبه بإصابتهما، غير تلك السيدة.

ومثلما هو معتاد في لبنان، راح لبنانيون كثر يدينون حزب الله وإيران ومحور الممانعة على هذا البلاء. وتطيّف الوباء، ودعا البعض إلى وقف الرحلات بين لبنان وإيران، لتبين لاحقاً أن كورونا أصاب أيضاً رهباناُ في دير، كانوا في زيارة دينية في إيطاليا.

الرعب والخمول العامان
ورويداً رويداً بدأ الوباء بالانتشار، واكتشف اللبنانيون أن لا طائفة لكورونا، بل يصيب الجميع على حد سواء. ولأن لبنان كان يعيش بداية أزمته المالية وانهيار عملته، مانع المسؤولون ولم يقفلوا المطار ولا الحدود. وعاش اللبنانيون حالاً من الرعب لا مثيل لها.

وبدأت القرارات الحكومية بوقف بعض الرحلات من الدول التي تشهد تفشياً للوباء. واتخذت الحكومة جملة قرارات لمواجهة الوباء، منها منع التجمعات في الأماكن العامة والخاصة والتقيد بالإرشادات الصحية. وأقفلت المدارس والجامعات في مطلع شهر آذار. وبعدها أعلن عن أول قرار لـ"التعبئة العامة" في 15 آذار، فاستمرت حتى منتصف ليل 29 آذار 2020. وشملت "التعبئة" منع التجول منعاً كاملاً، ألزم المواطنين بعدم مغادرة بيوتهم. ثم أغلق مطار بيروت الدولي من تاريخ 18 آذار، إضافة إلى الحدود البحرية والبرية. علماً أن عدد المصابين حينها لم يكن قد وصل إلى 150 حالة، والوفيات نحو أربع فقط.

وتوالت قرارات تمديد التعبئة العامة. فالتمديد الأول كان من 29 آذار ولغاية 12 نيسان. ثم إلى 26 نيسان. ثم إلى 10 أيار، عندما تقرر اعتماد خطة "فتح القطاعات" على مراحل بشكل يراعي المخاطر المحتملة.

وأعيد فتح مطار بيروت في الأول من شهر تموز، أي بعد نحو أربعة أشهر على إقفاله، الذي تخلله  فتحاً مؤقتاً مرات عدة للسماح للبنانيين العالقين في الخارج بالعودة إلى لبنان.

وعاش لبنان تلك الأشهر في حال من العزلة والسكون والخمول، الأرجح أن السلطة أو المنظومة السياسية والمالية كانت تحتاجها في خضم الانهيار المالي والاقتصادي الكبير، الذي انكشف في بدايات انتفاضة 17 تشرين 2019.

حكومة الانجازات الوهمية
في منتصف شهر نيسان، أي بعد إغلاق امتد لنحو الشهرين، أعلن وزير الصحة شعاراته الشهيرة الزاهية: لبنان تجاوزَ مرحلة انتشار الوباء. ووعد اللبنانيين "بمستقبل مشرق". و"لبنان بات على قاب قوسين وأدنى من الإعلان عن الانتصار على الوباء". وقال إن لبنان سيصبح الدولة الثانية التي​ تنتصر على كورونا بعد ​الصين​. وكان حسن مرر جملاً كثيرة في تصريحاته الكثيرة أيضاً عن الإجراءات المتخذة. وتباهى بأن لبنان تفوق بإجراءاته الجيدة على كل الدول الحديثة والمتطورة. وكان رئيس الحكومة حسان دياب يشدو أيضاً بانجازاته الـ90 في المئة من المشروع الوهمي لحكومته في الكاتولوغ أو البروشور الإعلاني الذي أذاعه ووزعه.  

واستمر تمديد قرار التعبئة العامة. وما زال سارياً كحبر على ورق لغاية اليوم. لكن مع عودة الحياة إلى طبيعتها في شهر أيار، عادت الإصابات لترتفع نسبياً.

سيف الانتصار على الوباء
وظل وزير الصحة مصراً على انتصار لبنان على الوباء. وكان لخطب الوزير الكثيرة عن نجاح وزاته في مكافحة الوباء، وقعاً سلبياً على المواطنين. فهم ظنوا أن لبنان بات بمنأى عن الوباء وتراخوا كثيراً في الالتزام بالإرشادات الصحية.

حتى أن الوزير، الذي أطنبهم بضرورة التباعد الاجتماعي ووضع الكمامة، شوهد محمولاً على الأكتاف في نهاية شهر حزيران، شاهراً سيف الانتصار على الوباء في تجمع حاشد في مدينته بعلبك، تكريماً له على نجاحه في مكافحة الوباء. وحصل ذاك "التكريم" في وقت كان لبنان يسجل أرقاماً يومية مرتفعة بالإصابات.

وانفجر مرفأ بيروت وارتفعت الإصابات بعده ارتفاعاً كبيراً. وعاد الوزير ليطلق النفير العام، مهولاً من الكارثة المرتقبة. لكن اللبنانيين كانوا قد أصبحوا في مكان آخر، وبلغوا قمة الصدمة واليأس، وما عادوا يرتعبون من كورونا، رغم تخطي عدد الإصابات اليومية ألفي إصابة.

عام حمد حسن
وها نحن والعالم نودع عام كورونا بانتشار سلالاته الجديدة. ويمكن أن نسمي العام المنصرم عام الوزير حمد حسن بامتياز، بكل هفواته وتصريحاته ومواقفه الصائبة منها أو المخيبة للآمال.

عام انتقل فيه الوزير من "لا داعي للهلع" والزهو بالانتصارات، إلى إعلان "الهلع"، فالانتصار على الوباء مجدداً. ليعود ويتواضع ويدق ناقوس الخطر من جديد، كما هو حاصل اليوم.

ويودع اللبنانيون عامهم الأول مع كورونا، في انتظار اللقاح الموعود. ولن ينطبع في ذاكرتهم من كل وزراء حكومة حسان دياب إلا اسم حمد حسن. وزير الانتصار والهلع الدائمين، والذي اقترن اسمه بإقفال البلد، والتهديد الدائم به. حتى أن حسن، في آخر إقفال لمدة أسبوعين، وانتهى في آخر شهر تشرين الثاني، كان يطمح إلى إقفال لمدة شهر كامل، كي يسيطر على تفلت الوباء الذي بات منتشراً في لبنان كله.

فراس أبيض - مستشفى الحريري
وزراء كثر في حكومة مواجهة كورونا لم نحفظ أسماءهم بعد، بينما حفظ اللبنانيون، إلى جانب حمد حسن، اسم مدير عام مستشفى رفيق الحريري فراس أبيض عن ظهر قلب. ومرد ذلك إلى أن كل المستشفيات الخاصة اختبأت خلف مستشفى الحريري الذي وضع في مقدمة مواجهة الوباء. فبرز هذا المستشفى المنسي لبنانياً، وبات مقصداً لجميع اللبنانيين. وبرز معه مديره العام فراس أبيض. وهو بلغته الإنكليزية التي يخاطب بها متابعيه عبر "تويتر"، استقطب صحفاً ومجلات عالمية، أتت لاستصراحه على نحو متكرر.

وبات أبيض رجل العام الكوروني بعد حسن. وبسبب تمنع المستشفيات الخاصة عن استقبال "الموبوئين"، لم يبرز حتى اسم صاحب مستشفى خاص واحد.

جائزة لوزراء الولاء
ويستقبل اللبنانيون عامهم الكوروني الثاني على وعد وصول لقاح شركة فايزر في منتصف شهر شباط، كما أكد حسن مراراً. وفي حال تشكلت حكومة جديدة، ربما يشاهدون أبيض على رأس وزارة الصحة خلفاً للوزير حسن.

أما حسن فيعود إلى الجامعة اللبنانية أستاذ متفرغاً في ملاكها، بعدما صدرت باسمه وبأسماء وزراء آخرين مراسيم خصتهم بالتفرغ في ملاك الجامعة.

والحكومة في مرسومها هذا رفعتهم فوق زملاء/ات لهم كثيرين في الجامعة نفسها، حرمتهم من نعمة ذوي الولاء والقربى الذين وزرتهم/هن القوى السياسية المتناحرة، على مثل ما ناله وزراء التفرغ. فيما تُرك سائر المتعاقدين في الجامعة لمصيرهم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024