موت الصيف: الحكومة تصدّق أن البحر مصاب بكورونا!

وليد حسين

الإثنين 2020/05/18
بعد قرار وزير الداخلية محمد فهمي منع السباحة في البحر، ومنع حتى ممارسة هواية الاستلقاء تحت أشعة الشمس، لعدم التعرض لرذاذ مياه البحر المتطاير، معلناً أن السبب هو تلوث مياه البحر بفيروس كورونا. وقد استند الوزير في ذلك إلى توصيات الأطباء في وزارة الصحة اللبنانية. 

الكلور والصرف الصحي
وسرعان ما توالت انتقادات كثرة من المواطنين لهذا القرار. وبعضهم راح يستفسرعن سبب منع السباحة في البحر، والسماح بفتح أحواض السباحة، على اعتبار أنها مزودة بمادة الكلور، ولا مخاطر فيها لنقل العدوى. واعتبر البعض أن الحكومة تريد منع الفقراء من السباحة المجانية في البحر، والسماح للمقتدرين الذين يأمون المسابح غير المجانية. ورأوا في الأمر "تواطؤاً مع أصحاب المسابح"، لإعادة إطلاق عملها وجنيها الأرباح، وحرمان غير المقتدرين  على دفع بدلات الدخول إليها، من السباحة. 

وفي حديثه إلى "المدن"، استغرب الطبيب المتخصص في الأمراض الجرثومية والمعدية، وعضو اللجنة الوطنية للأمراض الجرثومية، عبد الرحمن البزري، هذا القرار. فتساءل عن الجهة العلمية التي رفعت هذه التوصية للجنة الوزارية التي اتخذت القرار. 

وأضاف البزري: ربما صدرت التوصية عن اقتناع خبراء بدراسات في بعض الدول حول فيروس كورونا، الذي يخرج من جسم الانسان عبر البراز والبول، فيلوث مياه الصرف الصحي التي تصب في البحر على شواطئ بعض البلدان، ومنها لبنان بالتأكيد. وهذا ما حمل أولئك الخبراء على رفع توصيتهم، متخوفين من مياه البحر الملوثة بالفيروس على الشواطئ اللبنانية. 

لكن البزري الذي أكد أن الدراسات التي أثبتت وجود الفيروس في مياه الصرف الصحي، منتقلاً إليها من براز الانسان وبوله، أكد في المقابل، غياب أي دراسة حتى الساعة تقول إن الفيروس يبقى حياً في مياه الصرف الصحي، ويسبب العدوى. وفي الدول التي جرت فيها الدراسات، ليس من نتائج مؤكدة عن انتقال العدوى. إذ لم تجر هناك اختبارات على مياه البحر، بل اقتصرت الدراسات على مياه الصرف الصحي.

لذا يعتقد البزري أن التوصية أتت لأنه لا يوجد معلومات كافية حول الأمر. بالتالي، قررت اللجنة الوزارية إقفال البحر أمام المواطنين وتركت لهم المجال للسباحة في أحواض السباحة التي تعقم بمادة الكلور. 

ضرورة الدراسات
لكن الموضوع يستحق إعادة النظر والنقاش وفق البزري. فهناك دراسات شبه مؤكدة أن الكلور يقضي على الفيروس. لكن لا دراسات تثبت أن مياه البحر مضرة. كما أن شروط السلامة العامة تطبق على البحر وبرك السباحة على السواء (مثل التباعد الاجتماعي وعدم استعمال دورات المياه المقفلة للاستحمام وتعقيم الطاولات والكراسي وغيرها). لذا يقول: "إذا كنا سنتعاطى مع الخبراء واللجنة الوزارية بنوايا حسنة، ربما هم متأكدين من سلامة مياه الأحواض وغير متأكدين من مياه البحر، بالتالي منعوا السباحة في البحر وقصروا الأمر على الأحواض، كنوع من إجراء احترازي. اتخذوا القرار للسلامة العامة، كي يتم التأكد لاحقاً من مياه البحر. لكن يجب مراجعة الأمر بأسرع وقت، إما لتأكيد الخطر أو لتأكيد سلامة مياه البحر". 

وأضاف البزري، أن وزير الداخلية قال إن المسألة مبنية على رأي خبراء، لكن لا نعرف من هم هؤلاء الخبراء المستعان بهم. نحن كلجنة خبراء في اللجنة الوطنية، تستعين بنا وزارة الصحة، لدينا اجتماع وسنثير المسألة، خصوصاً أن في لبنان يعاني مشكلة التعدي على الأملاك البحرية وقسم كبير من أصحاب المسابح متعدين عليها، في حين أن المسابح الرملية أغلبها مملوكة من أصحاب الأرض. لذلك، الأمر يحتاج إلى النقاش من جديد ووضع توصية بناء على دراسة علمية. وقد بدأنا كخبراء بهذا الأمر لدراسة مياه الصرف الصحي لمعرفة مدى تلوث مياه البحر بهذا الفيروس. 

وعن حالة لبنان مع الوباء وإذا ما كان يشكل خطراً على المجتمع، اعتبر البزري أن وضع لبنان مقبول إلى حد الساعة. كان من الممكن أن يكون حتى أفضل أيضاً لو أن الحكومة تصرفت بشكل مغاير في مرحلة فك وتخفيف التعبئة العامة. كان عليها وضع برنامج لفتح البلد، إذا لا يجوز ابقائه مغلقاً. لكن وضع البرنامج يجب أن يكون لكل مهنة ومصلحة ومؤسسة وصناعة حول كيفية اعتماد شروط السلامة العامة، لا تعميم شروط واحدة على الجميع. كما على الحكومة وضع شروط رقابة مشددة عليها. 

وإذ لفت البزري إلى أن اللبنانيين تراخوا في تطبيق شروط السلامة العامة بعد ظهور إصابات قليلة خلال الأسابيع الفائتة، انتقد غياب الحكومة عن تطبيق التعليمات. كما أن عودة المغتربين في المرحلة الثانية شابها أخطاء جسيمة، وحصلت وساطات لإعادة المغتربين. وكانت النتيجة طائرات محملة بعدد ركاب أكثر من المسموح به صحيا. كما حصلت تجاوزات على مستوى فحوص كورونا في الخارج، والبعض أتى بفحوص مفبركة أو غير دقيقة. والحجر المنزلي ترك لأضعف حلقة في السلطة، أي البلديات.

لذا يأمل البزري أن تكون الحكومة والشعب تعلما من التجربة السابقة، كي ينجح لبنان في مواجهة الوباء. فلبنان لديه الاستعداد وكل المقومات الطبية لمواجهة الوباء، ووصلت مساعدات من منظمة الصحة العالمية ومن البنك الدولي رفعت مستوى الجاهزية. لكن يبقى أن علاقة المواطن والدولة تاريخياً قائمة على تشكيك المواطن بكل ما يصدر عن الدولة، ويتم الخلط بين الشأن السياسي والاقتصادي والصحي. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024