تحقيق شامل: مصير مليون تلميذ غامض.. ومصير الأقساط مخيف

جنى الدهيبي

الخميس 2020/05/07

بعد شهورٍ من التعطيل القسري للمدارس في لبنان، نتيجة تفشي فيروس "كورونا"، ومن قبلها أحداث "ثورة 17 تشرين"، يبدو أنّ مصير نحو مليون طالب هذا العام الدارسي لا يزال غامضًا، وتحديدًا لجهة آلية إنهائه، وتسديد الأقساط المتراكمة على الأهالي في المدارس الخاصة.

العودة إلى الدراسة
بدا واضحًا أنّ وزير التربية طارق المجذوب، بذل جهدًا كبيرًا في لعب دور الوسيط بين اتحادات لجان الأهالي ونقابات المعلمين والمدارس وإدراتها، عبر الاجتماعات الماراتونية الأخيرة، التي عُقدت لساعات طويلة في حرم الوزارة، من أجل الوصول إلى حلولٍ مرضية لجميع الأطراف، في ظلّ أزمةٍ صحية عالمية تفوّقت عليها في لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة، مع استمرار الليرة بتدهورها. 


وفي آخر تصريح لمجذوب يوم الأربعاء، أعلن أنّ العودة إلى المؤسسات التعليمية سيكون في المرحلتين الرابعة والخامسة من الفكّ التدريجي لحالة التعبئة العامة، أي في آخر أسبوع من أيار 2020. وقد أشار أن هذه العودة ستستتبع بإجراءات وقائية للحفاظ على صحة الطلاب، مثل "تطبيق التباعد بينهم بمسافة لا تقل عن متر ونصف المتر، وتقسيم الأيام والدوام بين الطلاب في كل صف"، بغية تحقيق الأهداف المرجوة لإنهاء العام الدراسي.

وفيما لم يُحدد المجذوب بعد الموعد الرسمي لإجراء الامتحانات الرسمية لصفوف الشهادات، بانتظار نتائج الاجتماع المقرر عقده مع "لجنه كورونا"، التي ستضع المعايير الصحية اللازمة لإجراء هذه الامتحانات في نهاية الأسبوع.. يبدو أن إشكالية تسديد الأقساط لا تزال عالقة، وقيد المراجعات ودرس الموازنات الخاصة بكل مدرسة. والأكيد حتمًا، بناءً على تصريح الوزير، هو أنّ ثمّة اتفاقًا بين لجان الأهل والمدارس ونقابة المعلمين، ينص على أن الأولوية هي "للطالب"، مؤكدًا أنه "سيتم إعفاء المتعثرين عن الدفع بنسب معينة، وذلك بعد دراسة موازنات المدارس بمهلة أقصاها أسبوعين".
لكن الأسئلة المطروحة: ما هي نسبة الاعفاءات من تسديد الأقساط؟ وهل ستلتزم بها جميع المدارس الخاصة؟ وكيف تُقارب اتحادات لجان الأهل هذه الإشكالية؟

ساعي خير
يؤكد المستشار الإعلامي لوزير التربية، ألبير شمعون، أنّ الوزير يعمل كـ"ساعي خير" بين جميع الأطراف لتقريب وجهات النظر، ويأمل من المدارس الخاصة أن تلتزم بكل ما يصدر عن الوزارة. وقال شمعون لـ"المدن": "تتعاطى الوزارة مع مصير العام الدراسي بناءً على الأزمة الصحية والمالية الكبيرتين اللتين طالتا القطاع التعليمي، وهي ستستند في قرارتها بشأن الأقساط، إلى القانون 515 لجهة مراقبة الموازانات العامة للمدارس وآلية احتسابها لهذا العام". وقانونيًا، تنصّ المادة 13 من القانون 515 لتنظيم الموازنات المدرسية: "إذا وجدت مصلحة التعليم الخاص في الوزارة الأقساط المدرسية المحددة والمعتمدة مخالفة لأحكام هذا القانون، تعمد إلى دعوة إدارة المدرسة أن تتقيد بأحكام القانون تحت طائلة الملاحقة القضائية"، على أن يُعاد تحديد قيمة الأقساط أو الزيادة الواجب اعتمادها.

معركة لجان الأهل
في المقابل، يبدو أن اتحاد لجان الأهالي وأولوياء الأمور في المدارس الخاصة، قرر أن يخوض معركته مع إدارات المدارس حتّى النهاية، وصولًا إلى تخفيض الأقساط بنسبة لا تقل عن 50 في المئة. وتوضيحًا لموقفه، يشير منسق لجان الأهل في الاتحاد، قحطان ماضي، لـ"المدن"، أنّ منسق الشؤون القانونية في الاتحاد شوكت حويللا، قدّم في اجتماع الوزارة الأخير، الأحد الفائت، خطّة عملٍ ودراسة باسم الاتحاد للموازنات والأقساط المدرسية. وبناءً على الخطّة، وفق ماضي، يمكن للأهل أن يسددوا فقط نسبة 50 بالمئة من القسط، وجرى التوافق على إعادة دراسة الموازنات المدرسية بمدة أسبوعين، مع حسم ما يسميه بـ"البنود الفضفاضة". قال ماضي: "طالبنا بخفض البنود الاستهلاكية إلى حدودها الأدنى، لا سيما أننا نراه نوعًا من السطو منذ زمنٍ بعيد، وهي تأتي تحت شعارات: التجديد والتطوير، التعويض لصالح الرخصة، الاستهلاكات، التدفئة والتبريد، ومساعدة الطلاب المحتاجين، وبدل نقل ومكافآت للأساتذة وغيرها.. بينما كل ما نحتاجه هو موازنة تقشفية بالكامل".

عمليًا، تبلغ مدّة العام الدراسي 170 يوم عمل. وفي هذا العام، هناك مدارس وتحديدًا في الشمال، لم تعلّم أكثر من 45 يومًا ما بين تعطيل الثورة وحجر "كورونا". ومدارس أخرى في لبنان لم تتجاوز بأحسن الأحوال 70 يومًا تعليميًا، في حين لم تصل أيّ مدرسة إلى 100 يوم تعليمي. لذا، ولأن المدارس لم تنجز أكثر من ربع أو ثلث هذا العام، فـ"إننا نطالب الوزارة بإعادة درس سريع للموازنات، وفق نموذج المدارس الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وبوجود مدققين تقنيين تحت إشرافها، وبحضور ممثلين عن اتحادات لجان الأهل وأصحاب المدارس، لنكون أمام موازنة تقشفية تصل إلى 40 في المئة من نسبة الأقساط فقط"، أضاف ماضي.

تخشى لجان الأهل من عدم التزام المدارس الخاصة بهذه الرؤية كاملةً، ويعتبر ماضي أنّها تسعى إلى تمديد العام الدراسي وعدم إنهائه من أجل الأقساط فقط، "بعد أن فشلت معظم المدارس بتجربة التعليم عن بُعد بسبب سوء البنية التحتية غير المجهزة، بالتوازن بين مختلف المناطق والمدارس، وهي ليست مجهزة أيضًا للتعليم في فصل الصيف، في ظل المخاوف من موجة جديدة لكورونا".

ما الحل إذن لإنهاء العام الدارسي؟

قدّم اتحاد لجان الأهالي طرحًا لإنهاء العام الدراسي وتعليق التعليم عن بُعد، على "أن يُستأنف هذا العام في بداية شهر أيلول حتى منتصف تشرين الثاني، لأخذ المواد الضرورية المتبقية من العام الداسي الحالي، وتكون الامتحانات تخفيفية ثم الانطلاق فورًا إلى العام الجديد".

"تسونامي" التعليم الرسمي
تفيد استطلاعات وأرقام اتحاد لجان الأهالي، أنّ نحو 50 في المئة من طلاب المدارس الخاصة، من المترقب أن "ينزحوا" نحو التعليم في المدارس الرسمية، نتيجة الكارثة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، وعجز الأهالي عن الاستمرار بدفع أقساط أبنائهم. وقال ماضي: "سنشهد في العام الدراسي المقبل تسونامي نزوح نحو المدارس الرسمية. وهناك خوف كبير لدى الأهالي أن لا يجدوا مقاعد لأبنائهم، لأن معظهم سيعجز حتّى عن تسديد الأقساط بعد تخفيضها، طالما أنهم خسروا وظائفهم أو خسروا جزءاً من رواتبهم وقيمتها".

وفيما يحذر ماضي الدولةَ من تبعات هذا النزوح، وأن تجهز نفسها لاستيعاب أعداد الطلاب الوافدة إلى المدارس الرسمية، يشير إلى أنّ المدارس الخاصة لا يحقّ لها رفع أقساطها العام المقبل بحجة انهيار الدولار، لأن "الأقساط قانونيًا يتم وضعها بالليرة اللبنانية وليس بالدولار، كما أن الأساتذة يتقاضون أجورهم بالليرة. وأي زيادة، يجب أن تُدرس من خلال الموازنة، وبموافقة لجان الأهل".

مصير الأساتذة
وفي ظلّ هذا التخبّط، سُرّبت معلومات تفيد أنّ المدارس الكاثوليكية في لبنان بدأت تناشد المحامين من أجل تحصيل الأقساط بأعلى نسبة من الأهالي، والدفاع عنها قضائيًا. لكنّ نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود، يشير لـ"المدن" أنّ ممثلي هذه المدارس كانوا حاضرين مع اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في اجتماعات الوزارة، ومع كل الأفرقاء الأخرين، و"المفروض أن يلتزموا بكل النتائج التي تقرّها الوزارة بعد التوافق الجماعي عليها".

أمّا الأولوية بالنسبة لنقيب المعلمين، فهي أن تكون العبرة بتنفيذ اتفاق خفض الأقساط، وعدم المساس بمستحقات الأستاذة المالية. قال عبود: "هناك نسبة كبيرة من الأساتذة لا يتقاضون كامل رواتبهم منذ بداية الأزمة، وهناك أساتذة بلا راتب إطلاقًا، ونحن طالبنا بتوقيف التعليم عن بُعد، لأنه من غير المقبول أن يكون تسديد الرواتب صفر في المئة أو بنسبة ضئيلة جدًا". وحسب أرقام النقابة، "يوجد نحو 12 ألف أستاذ وأستاذة في المدارس الخاصة أصبحوا لا يتقاضون أجورهم كاملة أو بالمطلق، وهذه مخالفة قانونية كبيرة ترتكبها إدارات المدارس من دون أيّ محاسبة فعلية تطالها".

في كلّ الأحوال، تبقى الأولوية وفق عبود، هو الالتزام بما يجري التوافق عليه في الوزارة، وتحديدًا لجهة عدم تحميل الطلاب ثمن تخلف أهلهم عن تسديد الأقساط، وتسديد مستحقات الأساتذة. وإلى جانب إعلان رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي تعليق التعلّم عن بعد، كذلك فعلت نقابة المعلمين في المدارس الخاصة، فيما الوزير مجذوب أشار في تصريحه أنّ هذا القرار لم يجرِ تبنيه من قبل الوزارة، ما يعني أنّ مصير "التعليم عن بُعد"، لا يزال ضائعًا رغم مداهمة الوقت!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024