"المستقبل" يتلقى صفعة مدوية من نقابة مهندسي الشمال

جنى الدهيبي

الإثنين 2019/04/08

في الأحد الأخير قبل الانتخابية الفرعية المنتظرة في طرابلس، في 14 نيسان 2019، تلقى "تيار المستقبل" هزيمة كبرى غير متوقعة، في انتخابات نقابة المهندسين في الشمال، التي أجريت الأحد في 7 نيسان 2019. هذه الانتخابات التي تعقد بمرحلتها الثانية، للفروع الأربعة، مدني ومعماري وللموظفين وللمتعهدين والزراعيين، حققت فيها "لائحة القرار النقابي المستقل"، فوزًا كاسحًا على "لائحة النقابة للجميع" المدعومة من "التحالف السرمدي" بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية، الذي يحتكر السيطرة على النقابة، منذ أكثر من عشر سنوات.

وفي سابقةٍ لم تشهدها نقابة مهندسي الشمال منذ أكثر من عقد، ضُرب هذا التحالف السرمدي، بطريقةٍ غير متوقعة، لدرجةٍ لم تصدر النتيجة الرسمية حتّى الآن، بعد أن رفض "المستقبل" النتيجة، التي ظهرت إلكترونيًا على الشاشة، فطالب بإعادة الفرز يدويًا، وأصيبت النقابة بحالةٍ من الهرج والمرج، حالت دون إعلان النتائج رسميًا. وفيما تضم "لائحة النقابة للجميع" مرشحاً عن القوات هو جيرار السمعاني، ومرشحين للمستقبل هما رلى سعد عن الفرع الثاني وخالد مواس عن الفرع الخامس، هُزما سويًا (!)، علمًا أنّ مواس هو أيضًا منسق المستقبل في قطاع المهن الحرة في الشمال، ومرشحة المردة جيلبير مرعب، ومرشح الجماعة الإسلامية ناهد غزال عن الصندوق التقاعدي؛ تضم في المقابل "لائحة القرار النقابي المستقل" كلّ من صفوان شهال عن التجمع الإصلاحي، مرشح التيار الوطني الحر وائل دبس عن الفرع الثاني، مرشح تيار العزم علي هرموش عن الفرع الخامس، انطوان سعد عن الفرع السادس ومرسي المصري عن الصندوق التقاعدي.

نتيجة الفرز الإلكتروني
شارك في الانتخابات عدد غير مسبوق من المهندسين وصل إلى نحو 2900 ناخب، وفاز فيها ثلاثة مهندسين من "القرار النقابي المستقل"، مقابل مهندس واحد من لائحة المستقبل – القوات. وجاءت النتائج على الشكل الآتي: الدكتور علي هرموش (فئة الموظفين من تيار العزم ـ 1230- صوتا)، الدكتور صفوان الشهال (فئة المدني من تجمع الاصلاح ـ 1268 صوتا)، وائل الدبس (فئة المعماري من التيار الوطني الحرـ 1223 صوتا)، وجيلبير مرعب (فئة المتعهدين ـ 1335 صوتا). في المقابل، خسر مرشح القوات جيرار سمعاني (1181 صوتًا)، كما خسر مرشحا المستقبل، خالد مواس (1138) صوتًا، ورلا السعدي (1184) صوتًا، وأنطوان سعد (956 صوتا).

هذه النتيجة، كانت كفيلة أن تلقب الوضع في نقابة مهندسي الشمال رأسًا على عقب. قد يصلح المشهد أن يكون جزءًا من فيلم سينمائي، لا سيما أن أهوال الصدمة طُبعت طبعًا على وجوه المهزومين وفريقهم. على الفور، ارتفع صريخ النقيب بسام زيادة، وهو تابع لتيار المستقبل، وطالب مع أعضاء اللائحة إعادة الفرز يدويًا، بحجة أن ثمّة أصوات ضائعة. مع العلم أنّ عملية الفرز التي تحصل إلكترونيًا في النقابة، لا مجال لوقع أي خطأ وإلتباس بها، وهو ما يؤكده مصدر تقني لـ"المدن".

إعادة الفرز يدويًا، كان حتى منتصف الليل لا يزال سائراً بحضور محامي النقابة الدكتور محمد الجسر، الذي لم يرفض إعادة الفرز يدويًا، لكنّه أكّد رفضه القاطع بإلغاء الانتخابات، بعد أن بدأ التلويح بذلك، لإجراء انتخابات أخرى، لا سيما أن الفارق بين المرشحين الفائزين والخاسرين يتجاوز الـ 100 صوت.

تشير مصادر "المدن" في النقابة أنّ القوات اللبنانية انسحبت فور صدور النتيجة، وكانت أكثر تقبلًا لها، علمًا أنّ الفرع الذي خسرته مع سمعاني هو من حصتها لنحو 15 عامًا. أمّا تيار المستقبل، الذي حضرت قيادات من تياره للدخول إلى مراكز الفرز (!)، لم يتقبل هزيمته حتّى الآن، التي تأتي على بُعد أسبوعٍ واحدٍ من الانتخابات النيابية الفرعية. وهذه الخسارة في نقابة المهندسين، التي لم يعترف بها بعد، تعني تبدلًا صريحًا وواضحًا في مزاج الطبقة المثقفة والمتعلمة في طرابلس حيالهم، وأنّ ثمّة تغيرًا فعليًا بدأت ملامحه تظهر، من عقر دارهم في نقابة المهندسين، التي كادت أن تتحول إلى النقابة الزرقاء.

وعلى إثر هذه البلبلة، صدر عن قطاع المهن الحرة في التيار الوطني الحر البيان الآتي: "بعدما أتت نتائج الفرز الالكتروني لانتخابات نقابة المهندسين في الشمال لمصلحة التيار الوطني الحر وحلفائه، نستشعر محاولة يائسة للتلاعب بالنتائج، وصولًا إلى إلغائها .وبناء عليه، يناشد التيار مجلس نقابة مهندسي الشمال، نقيبا واعضاء، التحلي بالمسؤولية الوطنية والنقابية، والعمل على اصدار النتائج النهائية بشكل فوري، بعد انتهاء الفرز اليدوي، تعبيرا عن احترام ديموقراطية العمل النقابي وكرامة مهندسي الشمال وكل لبنان".

في المقابل، راحت أوساط "المستقبل" تروّج أن هناك "فضيحة في انتخابات اعضاء  نقابة المهندسين، وأن الصندوق رقم 2 أعطى 500 صوت لصالح التيار العوني، علماً أن عدد ناخبيه هو 400، وقد انتخب فيه 280 صوت". بالطبع لم يثبت شيئاً من هذه الشائعة حتى الآن.

التحول داخل نقابة مهندسي الشمال
تشير معلومات خاصة لـ"المدن" أنّ المهندسين الشماليين ضاقوا ذرعاً من سلوكيات تيار المستقبل داخل النقابة، بعد أن تحولت إلى معقلٍ لمناسباتهم الخاصة، وطُبعت بهم كأنها ملك خاص لهم. كذلك، وقبل عام، بدأ التيار يضغط لفرض توظيفات في النقابة، من دون علم أعضائها أو وضع إعلان لإجراء الامتحانات، وهم موظفون مهندسون من المنتسبين رسميًا للتيار، وأغلبهم، وفق ما يُنقل البعض، غير كفوئين أصلًا. كذلك تفاجأ مهندسو النقابة مؤخرًا أنه جرى إلغاء التعاقد مع شركة تأمين يتبعون لها، مقابل التعاقد مع شركة تأمين أخرى تدعى GMI، بطلبٍ "سياسي" خاص من المستقبل.

ولأنّ شريحة واسعة من المهندسين وصلت لدرجة بدأت تشعر بها أنّها خاضعة للاستغلال السياسي، وأن ثمّة تقليلًا لقيمة المهندس بتحويل نقابته لصندوق بريد، استطاعت "لائحة قرار النقابة المستقل" أن تستفيد من المرحلة السابقة، فأدارت حملتها وعملت عملًا مكثفًا بصمت، وفق المعطيات، ولم تكترث لكلّ الضغوط السياسية من قبل "المستقبل"، التي كانت تتمنى عليها تهدئة الأجواء أو الانسحاب، فكانت هذه النتيجة، غير المعترف بها بعد. وإن دلت على الشيء، فهو أن كان هناك نوعًا من الإهمال في التعاطي مع هذه الانتخابات، على قاعدة "ضامنيها بجيبتنا". فإلى أي درجة يمكن أن تؤثر سلبًا، أقله على المستوى المعنوي، على تيار المستقبل الذي يجوب أمينه أحمد الحريري طرابلس يوميًا، لحشد الأصوات دعمًا لمرشحته ديما جمالي؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024