التضامن مع "اللبنانية": الجامعة هيكل عظمي بعد سنوات قليلة

وليد حسين

السبت 2019/06/01
كما غصّ الطريق المؤدّي إلى رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية في بئر حسن بالسيارات التي وقفت صفّاً ثانياً وثالثاً، ازدحمت قاعات الرابطة بالحاضرين الذين أتوا للوقوف مع الجامعة في اليوم التضامني الذي دعت إليه "الرابطة"، يوم الجمعة في 31 أيار. فمنذ الساعة العاشرة أمّ أساتذة وطلاب وفنانون ووفود سياسية وجمعيات مدنية وشخصيات حزبية مبنى "الرابطة"، معلنين وقوفهم وتضامنهم مع الجامعة وأساتذتها، الذين دخلوا في الأسبوع الخامس من إضرابهم المفتوح، في معركتهم مع الحكومة وإجراءاتها التقشّفية، التي طاولت الميزانية العامة، المتقشفة أساساً للجامعة وحقوق الأساتذة. وليس ما قاله رئيس "الرابطة" الدكتور يوسف ضاهر لـ"المدن"، عن اضطرارهم في الفرع الخامس في صيدا إلى "تسوّل" كرّاسات الامتحانات من كلية العلوم في النبطية، إلّا دليل على معاناة الجامعة في ميزانيتها الحالية المتقشّفة.

إخجلوا من أنفسكم
شدّد ضاهر على أنّ وزراء الحكومة يعتقدون أنّهم بسياساتهم يقومون بـ"تهشيل" الطلاب للذهاب إلى التعليم الخاص، لكن ما يحصل عملياً هو العكس. فمسار الأمور في ظلّ الأزمة الاقتصادية المستمرّة منذ سنوات، رفع عدد الطلاب في الجامعة الوطنيّة من 60 ألف طالب إلى ثمانين ألفاً، وهو رقم مقدّر له التصاعد، في ظل انخفاض القدرة الشرائية لدى اللبنانيين.
وإذ أعاب ضاهر أن تكون ميزانية الجامعة الحالية لا توازي ميزانية شقّ طريق في قرية، دعا السياسيين إلى الخجل من أنفسهم، عندما يتحدثون عن تخفيض الميزانية. وتساءل كيف سيصبح وضع جامعة "الوطن"، التي تحوي 80 ألف طالب ونحو 7 آلاف أستاذ وقرابة 10 آلاف موظف، بعد تخفيض ميزانيتها؟

ضغوط طلابية
يأتي هذا اليوم التضامني في وقت تستمرّ فيه الضغوط السياسية على "الرابطة" لفكّ الإضراب المفتوح. ضغوط تمارسها الأحزاب السياسيّة عبر مكاتبها التربويّة الطلابيّة، بعد أن فشلت في شقّ صفوف الأساتذة المنتمين لها. فبينما كان ممثّلو الأحزاب في الهيئة التنفيذية "للرابطة" يؤكّدون لـ"المدن" الاستمرار في الإضراب حتى تحقيق المطالب، والحصول على ضمانات بعدم تفريغ الجامعة من أساتذتها وطلّابها، وفيما أتى طلّاب مستقلّون للتضامن مع الجامعة على وقع هتاف "روحوا جيبوا المصاري من جيوب الحراميي"، كانت المكاتب الطلابية لأحزاب القوات اللبنانية، والتيار الوطني الحر، والحزب السوري القومي الاجتماعي، وتيار المردة وتيار العزم، ورابطة الطلاب المسلمين، وتيار المستقبل، في كليات الشمال تعتصم وتوجّه دعوة إلى الأساتذة لوقف الإضراب فوراً لحماية مصالح الطلاب وإنقاذ العام الدراسي.  

مواجهة في البيت الواحد
تناقض صارخ داخل تلك الأحزاب، وضع الأساتذة المنتمين إليها في مواجهة مع الطلّاب في الصفّ الحزبي الواحد، وحتى داخل البيت الواحد. فنائب رئيس "الرابطة" حسين عبيد (حركة أمل) كان يتجوّل بين الحاضرين في هذا اليوم التضامني فرحاً بالحشود الغفيرة، بينما ابنه يتزعّم الطلاب الداعين لفكّ الإضراب في مجمّع الحدث الجامعي. وإذا كان عبيد يعتبر هذا الأمر عادياً كونه يدافع عن حقوق الأساتذة من موقعه النقابي، بينما ابنه يدافع عن حقوق الطلاب من موقعه الحزبي، فهذا لا يعني أنّ الأساتذة الحزبيّين لا يعانون من مشكلة أساسيّة في عدم قدرتهم على إقناع الطلاب الحزبيين بالوقوف إلى جانب مطالبهم الخاصة من ناحية، وحقوق الطلاب في تعليم جامعي غير "تقشّفي"، في الوقت الذي تعاني منه الجامعة من نقص في التجهيزات والمختبرات وكل ما يضمن لهم حياة طلّابية سليمة.  

انتقادات
قد يكون كلام أحد الأساتذة البقاعيين الذي هاله ما جاء على لسان الوزير جبران باسيل، من أنه "لو كنت وزيراً للتربية كنت عرفت ربيتكم"، محقّا عندما استنكر أمام زميل له هذا الكلام داعياً باسيل "إلى التقشف في المواكب الأمنية المؤلّفة من نحو مئة سيّارة في زيارته إلى البقاع، وليس من ميزانية الجامعة". لكن المساومة التي بدأ بعض الأساتذة اللجوء إليها مع بعض القوى السياسية لفكّ الإضراب، لقاء تحقيق بعض المطالب، تكشف عن أن حركة اعتراض الأساتذة ما زالت في كواليسها تتمحور حول حقوقهم الخاصّة. وأنّ اعتراضهم على الإجراءات التقشّفية للحكومة نابع من خوفهم من المسّ بمكتسباتهم الخاصّة. وهنا يعتبر الناشط السياسي بول أشقر، المتابع عن كثب لحراك الطلاب والأساتذة المستقلين، أنّ "التضامن مع الأساتذة في المطالبة بحقوقهم واجب ضروري، لكن هذا لا يمنع توجيه انتقادات حول أدائهم العام الذي لم يرتق إلى طرح المشاكل الأساسية للجامعة. فالمطلوب من الأساتذة الخروج من حزبيّتهم إلى رحاب الجامعة لطرح قضاياها ومشاكلها أمام الرأي العام، وذلك من خلال الدعوة إلى مؤتمر وطني عام". 

المطالب في سلة واحدة
في تناقض مع العرض الذي قدّمه وزير التربية الاشتراكي أكرم شهيّب للأساتذة ببت قانون إعطاء خمس سنوات أقدميّة على المعاش التقاعدي للذين لم يكملوا 20 سنة خدمة، أتى النائب هادي أبو الحسن متضامناً باسم الحزب التقدمي الاشتراكي وكتلة اللقاء الديمقراطي، مجدّداً وقوفهم إلى جانب الأساتذة "في الدفاع عن حقوق الجامعة اللبنانية، انطلاقا من كون الحزب من المدافعين عنها منذ الخمسينات". وإذ هدّد مستعيناً بهتافات الطلاب بأن "الجامعة اللبنانية خط أحمر"، أكّد أنهم سيقرنون القول بالفعل في المجلس النيابي خلال مناقشة الموازنة لإقرار مطلب "الخمس سنوات" والمطالب المحقة كافّة. لكن رئيس "الرابطة" ضاهر لم يدع كلام أبو الحسن يمرّ مرور الكرام، فغمز من قناة "مطلب الخمس سنوات في كونه لم يعد كافياً"، خصوصاً أن فرض ضريبة 15 بالمئة على دخل المتقاعدين تؤدّي عملياً إلى ضياع تلك السنوات كضرائب. فالمطلوب وفق ضاهر "أخذ مطالب الأساتذة في سلة واحدة"، لا تجزئتها. فالجامعة بدأت بالانقراض رويداً رويداً، إذ أنّ نسبة الأساتذة في الملاك هي واحد على عشرة حالياً، وستصبح بعد الموازنة واحد على خمسة عشرة، وبعد سنوات قليلة ستصبح عبارة عن هيكل عظمي تعتمد على جيش من المتعاقدين وحسب.
بهذا الكلام يكون ضاهر قد حمّل أبو الحسن رسالة إلى وزير التربية متعلّقة بأحد المطالب الذي لن تفكّ "الرابطة" إضرابها قبل تحقيقه، أي ملف ضم المتفرّغين إلى الملاك وتفريغ المتعاقدين. ولم ينس ضاهر توجيه رسالة إلى "حكومة سيدر" قائلاً: "مؤتمر سيدر خُصص لتحسين البنى التحتية، فلماذا لا تعتبرون الجامعة من ضمن البنية التحتية؟ ألا ترون اهتراء معظم مباني الجامعة بما فيها مجمّع الحدث؟ ألا يستحق الطلاب تخصيص جزء بسيط من أموال "سيدر" لبناء مساكن ومطاعم طلابية؟

حبة الشوكولا
ما زال الأساتذة صامدين بوجه الضغوط الحزبية كما أكّد ممثل حركة أمل حسين عبيد وممثل القوات جورج بشارة، وممثل المستقبل محمد العاكوم في المكتب التنفيذي لـ"الرابطة". فالجميع ينطلقون من موقعهم النقابي حتى لو تناقض مع توجهات أحزابهم، مشددين على الوقوف كتلة متراصة وموحّدة. وإذ شدد بشارة على رفض "حبة الشوكولا" التي حاول البعض إغرائهم بها، قاصداً تحقيق مطلب الخمس سنوات خدمة، اعتبر عبيد أنّ تحقيق مطلب ضم المتفرغين إلى الملاك سيجعل التفاوض على فكّ الإضراب ممكناً. وهذا ما أكّد عليه العاكوم لافتاً إلى أن عملية التفاوض ما زالت محط "مد وجزر" ولم يصلهم إلى حدّ الساعة أي طرح جدي يمكن البحث فيه.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024