المواطن أحمد البستاني وزيراً لاقتصاد الثورة

وليد حسين

السبت 2019/11/02
من إيجابيات الانتفاضة، التي يعيشها الشعب اللبناني، على من حكم البلاد طوال السنين الفائتة، ليس خروج الناس بالملايين إلى الشوارع وشتم ولعن ونعت أهل السلطة بـ"الحرامية" وحسب، بل بروز أفراد يبادرون في بيئتهم إلى الدفاع عن سكّان مناطقهم، في ظل غياب أجهزة الدولة ومؤسساتها، ولا سيما إدارة حماية المستهلك.

وأحمد البستاني، أو الرفاعي، (أصل العائلة من آل الرفاعي ولقبهم البستاني منذ العام 1932 وبقي كاسم للعائلة على الهوية)، واحد منهم ويستحق لقب "وزير اقتصاد الثورة"، إذ راح يجول في منطقة العبدة العكارية وضواحيها على المصارف والمحال التجارية، مهدداً بإقفالها سلمياً في حال عدم التزامها بأبسط حقوق المواطنين، أي سلبهم لقمة عيشهم، بعدما سحقوا تحت مطرقة الأزمة الاقتصادية.  

استهداف المصارف والمتاجر
هم ثوار حقيقيون كرسوا وقتهم للمقاومة المدنية لمنع التجار والمصارف من استغلال الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، خصوصاً بعد انعكاس ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق على أسعار السلع والقدرة الشرائية للمواطنين.  

لقد باتت القدرة الشرائية للمواطن الذي يقبض مليون وخمسمئة ألف ليرة توازي الستمئة دولار في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار وأسعار السلع معاً، بعدما كانت في السابق توازي ألف دولار، كما يشرح البستاني في حديث إلى "المدن". و"لأن مصرف لبنان يزود المصارف بالعملة الخضراء المعتمدة في تسعير البضائع في الأسواق اللبنانية، قررنا أن نقوم بجولة على المصارف لنتأكد من أنها تسلم الزبائن الدولار. لكن المصارف لا تلتزم بذلك بل تكدس الدولار خوفاً من انهيار العملة وتدفع فقط بالليرة اللبنانية. فجميع الناس متخوفون من الوضع الحالي وتريد شراء المواد الغذائية، تحسباً لأي انهيار".

حماية المستهلك
يقول أحمد: التجار يتحججون بارتفاع سعر الصرف، ويرفعون الأسعار وهذا ينعكس على القدرة الشرائية. لذا دخلنا كمجموعة مؤلفة من ثمانية أفراد سلمياً لنفرض عليهم تزويد الناس بالعملة الخضراء، وبسعر الصرف المعتمد من مصرف لبنان. وتعمّدنا القيام بهذه الحركة الاحتجاجية مع بدء توافد الناس إلى المصارف لسحب رواتبها وجلّها بالليرة اللبنانية، لنفرض عليها دفعها بالدولار، طالما أن الأسعار وكل شيء في لبنان خاضع للدولار. علماً أنه كان بإمكاننا الدخول بوفد من أكثر من مئتي شاب، لكن تحسباً لأي عمليات شغب يجعلهم يوسموننا بالإرهاب، اقتصر الأمر على هذه المجموعة الصغيرة. وجلنا من منطقة العبدة وببنين والجوار، للدفاع عن حقوق المواطنين".

وأضاف البستاني، "في ظل غياب وزارة الاقتصاد وجمعية حماية المستهلك ارتفعت الأسعار. لذا شملت جولتنا محال المواد الغذائية ووجدنا أن كيس السكر بات ثمنه 22 الف ليرة، ففرضنا عليه إعادة تسعيره كما كان قبل الثورة بـ17 ألف وخمسمئة ليرة. وفرضنا عليهم تثبيت لائحة أسعار السلع الأساسية مثل الخبز والزيت والأرز.. على الأبواب. ولم نتدخّل مثلا بأسعار الكماليات مثل "النوتيلا" أو غيرها، فنحن نريد ألا يستغل التجار الفقراء والعائلات ورفع الاسعار في الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد. وقد التزم التجار بالأسعار السابقة بعد أن هددناهم بإقفال المحال بالقوة.

مثابرة قديمة
يشارك البستاني ومجموعته في جميع الاحتجاجات المندلعة في لبنان، وهو عضو في لجنة التنظيم في العبدة. لكن عمله المواطني سابق لانتفاضة اللبنانيين في منطقته. فهو كما يقول "أنفر من الشواذ ومخالفة القوانين، حتى أن أهالي المنطقة يقولون عنّي أعوج. فلا أتحمّل رؤية سيارة تسير بعكس السير، وأعمد إلى قطع الطريق أمامها". ويضيف: "لطالما ذهبت محتجاً إلى رؤساء بلديات ومخاتير بسبب مخالفات معينة مرتكبة منهم وفرضت عليهم الالتزام بالقانون".

نال البستاني نصيبه عنفاً وضرباً بعد تدخل القوى الأمنية لفتح الطرق بالقوة في منطقة العبدة منذ أيام. ولم ينم منذ اندلاع الانتفاضة، إلا القليل. لكنه مصمّم على قطع الطرق، واستخدام كل الوسائل السلمية والمقاومة المدنية لتحسين ظروف العيش في لبنان. ويفضّل أن يقتدي جميع اللبنانيين بمقاومته السلمية، لفضح الممارسات المشينة بحق المواطن ووقف التجاوزات المرتكبة. ويضيف: "صحيح أن الناس في المنطقة تهابني كوني أنتمي إلى عائلة كبيرة، لكنني لا استغل هذا الأمر لـ"السلبطة" على الناس، بل أقوم بما يخدم أهالي المنطقة المسحوقين، كي استرد لهم بعض حقوقهم. علماً أنني أستاذ مدرسة ولدي سيارات للتأجير، ما يعني أنني لست مستفيداً بشكل شخصي، بل كل ما أراه يومياً من مصائب يدفعني أكثر لمساعدتهم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024