الهروب من البرد.. وكلفة التدفئة الباهظة

مريم سيف الدين

الثلاثاء 2019/01/08

 لا تكشف العواصف التي تمر على لبنان إهمال الدولة للبنى التحتية وحسب. وإنما تكشف أيضاً معاناة المقيمين من أزمة تدفئةٍ، تمتد على طول البلاد، وتؤدي حتى يومنا هذا إلى سقوط ضحايا.

خيم وكهرباء
تعكس وسائل التدفئة المستخدمة، وحجمها، الوضع المالي للأسر. ففي حين يحتمي معظم اللبنانيين من قساوة العاصفة بسقف حجري، يعاني اللاجئون السوريون في المخيمات من مأساة أكبر في هذا الطقس. نظراً لوهن أسقف الخيم، التي أثقلتها العاصفة بالثلوج، وكذلك جراء إنشائها على أراض ترابية، ربما جنبتها الثلوج هذه المرة خطر الإنجراف أو الطوفان. ويعاني سكان الخيم من خطر مستمر، إذ يكفي حصول خلل بسيط في وسائل التدفئة المستخدمة هناك، إن توفرت، لتتقاسم كل العائلات الخراب. فيكفي ماس كهربائي واحد أو حريق صغير ليودي بكل المخيم وخيمه.

يشاء الطقس أيضاً أن تعاني المناطق اللبنانية الأكثر حرماناً من الطقس الأقسى، لتشكل التدفئة تحدياً مالياً إضافياً، يواجه الفئات الأكثر فقراً. فيما ينعم الأكثر غنىً بتدفئة مركزية تعزل عنه البرد والمآسي، فيتمتع بمناخ معتدل، يسمح له باستكمال نشاطه اليومي وعمله بشكل طبيعي.  

وتعد التدفئة المركزية الأكثر أماناً، فهي لا تشكل خطراً على صحة الإنسان. بل تؤمن تدفئةً المنزل بأكمله، ما يجنب الإنسان التنقل بين غرفة دافئة وأخرى باردة، وما ينجم عن هذا التبدل، من ضرر صحي. بينما تحمل بقية وسائل التدفئة مخاطر عديدة تتطلب التنبه الدائم، تجنباً لوقوع الحوادث وسقوط الضحايا.

ورغم اختلاف وسائل التدفئة، إلا أن أزمة تقنين الكهرباء تشكل مصيبة جامعة لكل اللبنانيين، خصوصاً في ظل عدم التزام الكثير من أصحاب المولدات بتركيب عدادات. ما يبقي تكلفة الاشتراك مرتفعة، فيعجز أصحاب الدخل المحدود عن دفع مبالغ تفوق كلفة خمسة أمبير. فيلجأون غالباً إلى استخدام وسائل تدفئة لا تحتاج إلى كهرباء.

حطب ومازوت
يلجأ أبناء المناطق النائية إلى استخدام وسائل مختلفة للتدفئة أبرزها "صوبة" الحطب والمازوت. وتفوق كلفة استهلاك مازوت التدفئة المليون ليرة سنوياً، للعائلة، في حال قررت التنعم بالدفء. وهي كلفة تعجز عن تسديدها الكثير من العائلات القاطنة في هذه المناطق، فيصبح الدفء بالنسبة لهؤلاء رفاهية في حال تخطى "الضروري". يقول أحد سكان بلدة قصرنبا البقاعية المحاصر في منزله منذ بدء العاصفة، أنه في أيام البرد يحتاج لبرميلي مازوت شهرياً للتدفئة، ويبلغ سعر البرميلين حوالى 300 دولار. كما تتحدث إحدى القاطنات في رياق عن الطرق التي يتبعها الناس لتلافي تكاليف التدفئة الباهظة، فتلجأ عائلتها إلى شراء الحطب خلال فصل الصيف بكلفة أقل. وتلفت إلى أن العائلات الأكثر فقراً والعاجزة عن شراء الحطب والمازوت تعمل على لملمة الحطب وتجميعه قبل الشتاء. وعند التدفئة يشعلونه مع مواد أخرى، كالأقمشة القديمة، رغم ضرر ذلك على صحتهم. كما يعمد هؤلاء إلى الجلوس في غرفة واحدة، وإلى استخدام كميات أقل من الحطب أو حتى من المازوت، الذي قد يشترون عبوات صغيرة منه، ولا يخزنونه كجيرانهم الأيسر حالاً. فيما يعمد أصحاب الدخل الأعلى إلى إشعال أكثر من صوبة والتنقل في أكثر من غرفة.

والفرق في استخدام الحطب والمازوت، أنه يسهل التحكم بكمية المازوت المستخدمة في صوبة المازوت، وبالتالي بتخفيف أو تقوية درجة التدفئة. وعادة ما تتضمن الصوبة تمديدات تؤمن خروج الدخنة الناجمة عن إحتراق المواد بداخلها إلى خارج المنزل. لكنها رغم ذلك، تسبب مشاكل في التنفس للمرضى الذين يعانون من أمراض تنفسية أو رئوية. فيما تشكل خطراً أكبر على سلامة الأطفال الموجودين قربها خصوصاُ الأصغر سناً.

اجتماع العائلة
يلحظ استخدام المدفئة الكهربائية في المناطق الأقل برداً. تفضل هذه الوسيلة كوسيلة نظيفة لكن سيئتها الأولى أنها كما المكيف تحتاج إلى الكهرباء لتعمل، وفي ظل أزمة التقنين المستمرة، تستبدل بمدفأة الغاز عند انقطاع الكهرباء. والنوعان يتطلبان انتباهاً مستمراً إذ هناك دوماً احتمال نشوب حريق، أو تسرب غاز.

الغريب أن العديد من الأسر ما زالت تستخدم الفحم في التدفئة، على الرغم من أنه أكثر الوسائل ضرراً وخطراً على صحة الإنسان. وقد وقعت في السنوات الماضية العديد من حالات الوفاة الناجمة عن الاختناق، نتيجة تنشق الغازات المنبعثة عن  احتراق الفحم. وعانت الغابات وأحراش الجبال في مناطق لبنانية مختلفة من فقدان أشجارها نتيجة قطعها وتحويلها إلى فحم للتدفئة.

على أي حال، ورغم كل المتاعب، تجمع وسائل التدفئة هذه الكثير من العائلات حولها، في المناطق التي تستبد بها العاصفة. وغالباً ما تستخدم أيضاُ في إعداد الأطعمة المشوية والشراب الساخن، خصوصاً أنها تمنح الأطعمة مذاقاً لذيذاً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024