نزوح 100 ألف طالب إلى "الرسمي"..والحكومة تدعم المدارس الخاصة

جنى الدهيبي

السبت 2020/05/30
بطريقةٍ ملتبسةٍ وغير واضحةٍ بأهدافها وآلية تنفيذها، وافق مجلس النواب في جلسته التشريعية نهار الخميس 28 أيار، على اقتراح رئيسة لجنة التربية النيابية النائبة بهية الحريري، بتخصيص مبلغ قيمته 300 مليار ليرة لدعم التعليم الخاص. وذلك بحجة "مساعدة هذا القطاع للخروج من ارتدادات أزمة فيروس كورونا". والمبلغ المذكور من خارج سلّة الـ 1200 مليار التي أقرّها المجلس في الجلسة التشريعية نفسها، لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية بعد انتشار الفيروس.

دعم "كارتيل" التعليم الخاص
ربما لم تشهد دولة في العالم أن تبادر حكومتها إلى دعم وتمويل وإقراض التعليم الخاص، مقابل إهمالٍ فاضحٍ ومشبوهٍ للتعليم الرسمي، من دون المبادرة إلى دعمه وتمويله ورفع مستواه البنيوي والأكاديمي، حتّى وصل بواقعه المرير إلى القعر، كحاله في لبنان. وفيما نحن على مشارف كارثة طلابية وأكاديمية ووطنية في العام الدراسي المقبل، مع توقع نزوح أكثر من 100 ألف طالب من التعليم الخاص إلى التعليم الرسمي، من المؤكد أنّهم لن يجدوا مقاعد كافية في المدارس الرسمية.

والأحزاب السياسية في لبنان، على اختلاف طوائفها ومشاربها، تقف خلف دعم "كارتيل" المدارس الخاصة. لذا تستعد الحكومة إلى تقديم اقتراح قانون آخر، يطلب اعتماد نحو 300 مليار ليرة تُصرف لمساعدة أهالي الطلاب العاجزين عن دفع الأقساط للمدارس الخاصة، التي يمتنع معظمها عن تسديد رواتب المعلمين كاملةً منذ أشهر.

وتوجه الحكومة ومجلس النواب لتقديم الدعم المالي للمدارس الخاصة، لم يلقَ استحسانًا حتّى من الأهالي أنفسهم. وفي السياق، قال قحطان ماضي لـ "المدن" - وهو عضو في اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة - إنّ "الأهالي يرفضون تحويلهم إلى متسولين من الدولة". وأضاف: "لا نقبل أن تنهبنا الدولة لصالح لتوزع المساعدات على المدارس الخاصة. وإذا كانوا يملكون جرأة الحلّ، فنحن نطالب فقط برفع موازنات المدارس، والعمل بجدية على آلية حصر النفقات لهذا العام الدراسي". وهو يسأل مستنكرًا: "هل يعقل أن تسقط هذه المدارس الضخمة ماليًا في أول أزمة، بعد ما حققته من أرباح على مدى عقود؟".

يرى ماضي أنّ ثمّة مصلحة سياسية كامنة خلف دعم "كارتيل" التعليم الخاص، على حساب التعليم الرسمي. فهذا الكارتيل  "يريد تحصيل الأموال باسمنا. لكننا لا نريد أن يدفع أحد عنا. وشعارنا: مش دافعين إلا الحق".

العلامات مقابل الأقساط؟
لم تقدّم معظم المدارس الخاصة ملاحق الموازنات المطلولبة منها إلى وزارة التربية، ولم تشكف عن حساباتها. ويشير ماضي إلى أنّ لجان الأهل ترفض أن تقدم الدولة مساعدات مالية عشوائية لإدارات المدارس الخاصة. و"الأجدى أن يدفعوا للمدارس الرسمية ويأمنوا مقاعد لعشرات آلاف الطلاب المهددين بالنزوح إليها. فأقساط المدارس الخاصة المتبقية على طلابها، ليست دينًا عليم، وهي غير محقة. والمطلوب من الحكومة ووزارة التربية ومجلس النواب، انطلاقًا من هذا المبدأ، التدقيق بموازنات المدارس. وهناك بعض المدارس بدأت تتجاوب مع الأهالي بحسم 35 في المئة من قيمة أقساط طلابها، فيما أخرى تمتنع عن ذلك. ونحن نطالب بحسم ما لا يقل عن 40 في المئة من الأقساط".

وكانت لجنة الطوارئ في وزارة التربية قد عقدت مساء الأربعاء 27 أيار الحالي، اجتماعًا بحضور الوزير طارق المجذوب حضره ممثلو الأهل والمدارس والمعلمين في التعليم الخاص، من دون التوصل إلى حلّ نهائي بشأن الأقساط ورواتب الأساتذة. ولكنهم توافقوا مبدئيًا على ضرورة تحييد الطلاب عن  النزاع الواقع بين الأهل والمدارس. وأن تتوقف جميع الأطراف عن شنّ الهجوم الكلامي على الطرف الآخر، لأن الوقت لم يعد لصالح أحد، على أن يخرج وزير التربية مطلع الأسبوع المقبل بتوصيات نهائية في هذا الشأن.

لكن، ماذا لو كانت المعادلة: العلامات مقابل الأقساط؟ أجاب ماضي: "قرار الوزير كان واضحًا، لجهة إنهاء العام الدراسي، ووقف التعليم عن بعد في آخر أيار وترفيع الطلاب، ومنح  طلاب الشهادات إفادات. ما يعني أن الابتزاز ليس مسموحًا باسم التعليم والشهادات والعلامات، وتحويل الطلاب كبش محرقة. وقد طالبنا بذلك في اجتماع الأربعاء، وبضرورة حفظ أماكن الطلاب في مدارسهم طوعيًا، وإعطاء الخيار للأهالي بسحب أولادهم أو إبقائهم في مدارسهم، من دون أن تلجأ المدارس لطرد طلابها بحجة الأقساط".

حسم من الأقساط
وكانت الهيئة العامة لاتحاد لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية في كسروان الفتوح وجبيل، عقدت نهار الجمعة 29 أيار، اجتماعًا استثنائيا في مركزها، خصص للتشاور في الشؤون التربوية والمالية المتعلقة بالعام الدراسي 2019-2020. واعتبر الاتحاد في بيانه، أن "قدرة الأهل على تسديد أقساط أبنائهم المدرسية أصبحت شبه معدومة، فلا قدرة لهم على تسديد ما تبقى من أقساط عن العام الدراسي الحالي. وعلى هذا الأساس، الحل الأمثل اليوم، مع الأخذ بالاعتبار مصلحة كل من المدرسة والأهل والمعلم، هو حسم نسبة لا تقل عن 40 في المئة من القسط المدرسي عن السنة الدراسية المذكورة".

وكان منسق عام اتحاد المدارس الخاصة وأمين عام المدارس الكاثوليكية الاب بطرس عازار، طالب برفع قيمة مساعدة الدولة للمدارس المجانية، لا سيما أنّها لم تستوفِ حقوقها من الدولة للسنة الخامسة على التوالي، المحفوظة بموجب المرسوم 2359/71  والتي تنص على أن الدولة تسدد مساعداتها للمدارس المجانية مرتين في السنة على دفعتين: في نيسان وفي تموز. ومن جهتها، وعدت النائبة الحريري بإقرار قانون يلزم الحكومة بدفع مستحقات المدارس المجانية السنوية، التي تأخرت عن دفعها من العام 2015 - 2016.

الرواتب والصرف التعسفي
في هذا الوقت، لا تزال قضية رواتب الأساتذة في المدارس الخاصة عالقة من دون أيّ حلٍ جذري يلوح في لأفق، بعدما حملتهم المدارس "ذنب" عدم استمرار الأهالي في تسديد أقساط أبنائهم. فعدد كبير من المدارس الخاصة، التي تضم نحو 700 ألف طالب ويعمل فيها نحو 50 ألف مدرِّس ومدرِّسة، قطعت الإدارات رواتب كثيرين منهم منذ بداية الأزمة. وهناك ألوف من  الأساتذة إمّا لا يتقاضون من رواتبهم سوى نسبة 50 أو 30 في المئة. ويشير نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولوف عبود لـ "المدن"، إلى أنّ أيّ مساعدة من الدولة تُقدم للمدارس الخاصة لدعم الاقساط، لا بد أن تلحظ أولًا رواتب الأساتذة الذين "لا تزال قضية رواتبهم عالقة. وبدأت محاولات أسوأ: صرف تعسفي لألوف منهم في عدد كبير من المدارس. وبعض الإدارات تلجأ إلى استغلال الظرف في هذا العام الاستثنائي للطرد تعسفيًا. وهناك بعض المدارس تنوي صرف عشرات من أساتذتها".

لكن، ما هي آلية هذا الصرف؟ يقول عبود إنّ معظم المدارس التي تعمل على طرد أساتذتها، تستخدم مصطلحاً غير قانوني: "الصرف الاقتصادي. بينما نحن لدينا فقط 3 أنواع من الصرف: صرف نهاية الخدمة القانوني، الصرف التأديبي، والصرف التعسفي. وفي القانون ليس من مصطلح اسمه صرف اقتصادي. وهنا لا بدّ أن يتدخل قضاء العجلة ليثبت أن هذا الصرف تعسفي". ويذّكر عبود أنّ عقود الأساتذة هي مع إدارات المدارس وليست مع الأهل، حتّى يربطوا أزمتهم بالأقساط. فـ "نحن نسعى أن نحيّد الأساتذة عن أزمة الأقساط. وهناك بعض المدارس تطلب من معلميها أن يقدموا تنازلات كبيرة عن حقهم. كأن يتخلوا عن جزء من رواتبهم طوعياً، كي يغروا الأهل بتخفيض الأقساط من جيوب المعلمين". وأضاف عبود: "نسعى في النقابة أن نكون متعاونين إلى أقصى درجة، ولا نقبل أن تحل الأزمة على حساب طرف مدرس واحد. وإنما لا بد من حلّها بطريقة أخرى. ويجب أن نتصرف مع هذا العام الدراسي بوصفه عامًا استثنائيًا، ولا نسمح باستغلال الأزمة لصرف الأساتذة وطردهم تعسفيًا، وخسارة كلّ هذه الطاقات وتدمير مستقبلهم وحياتهم". 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024