أساتذة "اللبنانية" وطلابها.. معاً لحماية الجامعة وحقوقها

وليد حسين

السبت 2019/05/25
كان الاعتصام، الذي دعت إليه "الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية"، يوم الجمعة في 24 أيار، مقبولاً على مستوى حضور الأساتذة. لكن بالإمكان القول إنه كان اعتصاماً طلابياً بامتياز. فمقابل حضور مئات الطلاب، من معظم فروع الجامعة، بدا واضحاً أنّ الأساتذة المكترثين لمطالبهم كانوا أقل مما يجب. الاعتصام كان احتجاجاً ورفضاً لاحتمال مسّ مشروع الموازنة برواتبهم أو بميزانية الجامعة، خصوصاً بعد أن سرت أخبار صحافية عن عزم الحكومة اقتطاع 40 مليار ليرة من ميزانية الجامعة. وليس في الأمر مبالغة، أنه من بين نحو ألفي شخص تجمّعوا في رياض الصلح، لم يتخطّ عدد الأساتذة الثلاثمئة شخص. كما لو أنّ الطلاب بدوا خائفين على مصير جامعتهم أكثر من خوف الأساتذة عليها وعلى رواتبهم ومخصّصاتهم.

اعتصام طلّابي
عند جامع الأمين، تجمهر عشرات الطلاب من مجموعة "سما" ومجموعة "الطلاب المستقلين"، و"نادي نبض الشباب". للوهلة الأولى، بدا هذا المشهد رمزياً للدلالة على دعم الطلاب لمطالب الأساتذة، وبأنهم تعمّدوا إظهار عدم تضرّرهم، بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على الإضراب المفتوح للأساتذة. لكن الحضور الطلابي في ساحة رياض الصلح، بعد انضمام هؤلاء الطلاب إلى زملائهم وأساتذتهم، مطلقين هتافات بـ"الوحدة والصمود الجامعة ستعود"، و"عجز الدولة ما بينسدّ من الجامعة اللبنانية... روحوا جيبوا المصاري من جيوب الحراميي"، كشف الضعف النسبي لمشاركة الأساتذة. حتى أنّ أحد الأساتذة قال لـ"المدن": "تستطيع القول، ومن دون حرج، الطلاب خائفون على جامعتهم أكثر من الأساتذة، الذين دخل معظمهم إلى الملاك أو التقاعد أو التفرغ من خلال ولاءاتهم الحزبية والطائفية لا لكفاءتهم العلمية". وأضاف متأسفاً: "هذا الحضور المخجل للأساتذة مردّه إلى إيعاز أحزاب السلطة لهم بعدم المشاركة".

من أجل الجامعة
كما الحضور الطلابي الطاغي على الاعتصام، كست الساحة الشعارات التي كتبها الطلاب، وحذّروا من خلالها بأنّ "الجامعة اللبنانية خط أحمر"، وطالبوا أن "يبدأ الإصلاح بسد مزاريب الهدر والفساد"، وانتقدوا الوزراء والمسؤولين الذين يسجّلون أبناءهم في الجامعات الخاصة "بدكن تحتكروا التعليم بس لأولادكم".

لم يكترث الطلاب للحضور القليل للأساتذة، "فهؤلاء يستطيعون التدريس في غير جامعات، إنما نحن نريد أن نتعلم في جامعتنا اللبنانية، وحضورنا نابع من خوفنا على مستقبلنا"، كما قال بعضهم لـ"المدن". والبعض الآخر أكّد أنّ حضوره ليس لدعم الأساتذة في مطلبهم وحسب، بل للدفاع عن "الجامعة الوطنية التي تحاول السلطة ضربها من خلال تخفيض ميزانيتها".
حتى الكلمات التي ألقاها الطلاب شدّدت على أحقّية مطالب الأساتذة، محمّلة مسؤولية ما يحصل من تعطيل للدروس إلى السلطة السياسية التي تريد قضم ميزانية الجامعة، وتريد الاستمرار بمراكمة الديون على الدولة، جرّاء الفساد والهدر. مكمّلين بذلك، ما جاء على لسان رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين، الدكتور يوسف ضاهر، الذي اعتبر أنّ "تقليص موازنة الجامعة للسنة الثانية على التوالي يعني أنهم يريدون دفنها لصالح بعض المتموّلين من تجار السياسة والممنوعات ومبيّضي الأموال والمقاولين وشركاتهم وجامعاتهم الخاصة".

محاولة تشويش
بدت الخلافات بين الأساتذة واضحة من خلال بعض اللافتات التي رفعها بعض الطلاب المندّدة بإضراب الأساتذة، ومن خلال كلمة ممثل الفرع الخامس الذي ذهب إلى تحميل الأساتذة مسؤولية ضياع العام الدراسي على الطلاب. فلم يتمكن من إكمال كلمته وتم اسكاته بفعل الهتافات والصراخ. كما عمد بعض الطلاب، الذين لم يتجاوز عددهم العشرة، إلى التنديد بفساد الأساتذة، متهمينهم بأنهم أجبروا طلابهم على الحضور عبر التوعّد بإسقاطهم في الامتحانات، ليتبين أن هؤلاء الطلاب تابعين لحركة أمل، حضروا للتشويش على بقية الطلاب، كما قال البعض لـ"المدن".
ورغم نفي مصدر في "الرابطة" لـ"المدن" وجود خلافات بين الأساتذة داخل الرابطة ومجلس المندوبين، إلّا أن هذا لا ينفي دخول أحزاب السلطة على الخط، لكن عبر الجسم التعليمي وليس داخل الرابطة. ووفق المصدر، جرت محاولات لإفشال الاعتصام، وحتى إفشال الإضراب، عبر الإيعاز إلى الأساتذة بعدم المشاركة، والبدء بإشاعة أجواء عن ضرورة العودة إلى التدريس. وأضاف المصدر إنّ المكاتب التربوية لأحزاب السلطة أوعزت إلى طلابها عدم المشاركة في الاعتصام، وحثّ الطلاب إلى عدم السير وراء الطلاب المستقلين، الذين عملوا على تنظيم صفوفهم في الأيام القليلة الفائتة واستطاعوا تأمين الحشد الكبير. 

تحول الاعتصام إلى تظاهرة
لم ينتظر الطلاب فضّ الاعتصام من قبل المنظّمين، حتى راحوا يتجمّعون مطلقين هتافات حوّلت الاعتصام إلى تظاهرة طلابية جابت شوارع وسط العاصمة. فعلى وقع هتافات "نحنا منتعلّم بلبنان، وولاد الوزرا باليونان من جيوب اللبنانية"، "وروحوا جيبوا المصاري من جيوب الحراميي"، انطلق الطلاب في تظاهرة حاشدة باتجاه جمعية المصارف عند مفترق الجميزة.

وبعد أن أطلقوا هتافات تمجّد بتاريخ الجامعة، "جامعة لبنان، فرج الله حنين"، مذكّرين بأنّه أول شهيد سقط إبّان تأسيس الجامعة، راحت الهتافات تتحوّل إلى "يسارية": "مع العامل والطالب"، و"دعوس يا شعبي دعوس عَ الحكومة والمجلس"، و"صوت الطالب ما بيموت والثورة بقلب بيروت"، و"علم، حرية، عدالة اجتماعية". وما أن وصل الطلاب إلى جمعية المصارف علا الصراخ "يسقط يسقط حكم المصرف"، وحاول بعض الشبّان اقتحام الجمعيّة، فتمّ صدّهم من قبل القوى الأمنية. وعادوا وانطلقوا من جديد في التظاهرة سالكين الطريق المؤدي إلى شارع المصارف، فساحة رياض الصلح. وانتهت التظاهرة بتوعّد الطلاب بتحرّك أكبر يوم الإثنين المقبل أمام وزارة التربية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024