حي الشراونة يعتصم متمرداً.. وقصة نوح زعيتر بمبنى غيفارا

لوسي بارسخيان

السبت 2019/02/09
بعدما استُبدلت معظم التحركات الضاغطة التي كانت مقررة يوم الجمعة للمطالبة بالعفو العام، بوقفة للتضامن مع حكومة "العمل"، التي أدرجت هذا المطلب بنداً في مسودة بيانها الوزاري، لم يلتزم حي "الشراونة" بـ"بادرة حسن النية"،  التي قررتها "لجنة الإنماء والعفو العام"، من خلال إلغائها الاعتصام، الذي كان مقررا على مدخل بلدة بريتال، بل سارعت إلى نقل مكان الاعتصام إلى مدخل "الحي"، الذي طالما توجهت إليه أصابع الاتهام بإيواء "مطلوبين"، جعلوا من الشراونة مسرحاً متكرراً للأحداث الأمنية.

استعراض صاخب
من زاوية تطل على مشهد وجهاء البلدة في  تلاوتهم بيان باسم المعتصمين، حاول عدد من المطلوبين التقاط "ذبذبات" أقاربهم، الذين أقفلوا الطريق الدولية. ضبط هؤلاء "أنفسهم" لدقائق، قبل أن يغلقوا الاعتصام بمشهد استعراضي، تميز بصخب أبواق سياراتهم المتجولة بزجاج داكن ومن دون لوحات، لتدل مباشرة إلى صفتهم كـ"طفار"، تماما كارتدائهم الأقنعة والأوشحة التي حاول هؤلاء أن يتخفوا خلفها.

لأجل هؤلاء تجمع وجهاء البلدة، والنسوة والأطفال، في غياب أي انتشار أمني، مطالبين بكف التعقبات القضائية بحق شبابهم، حتى يتسنى لهم متابعة حياتهم بشكل طبيعي، فلا يضطر أحدهم كما روى لـ"المدن"، بأن يستخدم الرشاوى حتى يتسنى له الوصول إلى المستشفى، كي يخضع لعلاج صمام القلب، ولا يُدفعون لارتكابات إضافية، تحولهم من متهمين بجنح بسيطة، إلى مجرمين.

نقمة على الدولة والأحزاب
قد لا يلقى "المطلب" على لسان "ابن الشراونة الملاحق قضائيا" تعاطفا "لبنانيا". فالحي الذي  شكل "بؤرة" لشتى أنواع المخالفات، "وصم" في أذهان اللبنانيين عموماً بالمواجهات المتكررة مع الدوريات العسكرية، والتي كبدت الجيش أحيانا خسائر في صفوفه. إلا أن التهمة في الشراونة معكوسة أيضاً، تماماً كما تحاول سناء أن تخبر عن شقيقها محمد، الذي قتل على حاجز للجيش لا لسبب، وإنما فقط لأنه "إبن جعفر"، لتصبح هي صورة عن نقمة مجتمع، يرى في واقعه "تآمراً"، من "سلطة سياسية" ومن "أحزاب حاضنة"، تُتهم في الشراونة بسعيها لإبقاء حال أهلها على ما هم عليه، طالما أن هذا الواقع يرفد "المقاومة" بمزيد من الشباب اللاهثين وراء لقمة العيش، مهما كان الثمن.


المخدرات و"الإنماء المتوازن"
في جعبة الدكتور مدحت زعيتر، الذي تلا بيان المعتضمين، روايات عديدة عن السعي الدائم للمتحكمين بالصورة السياسية في بعلبك، من أجل إبقائها في حالة من "الحرمان" الذي يسهل التحكم بمستقبل شبابها. على بعد أمتار من مركز الاعتصام، يشير زعيتر لـ"المدن" إلى مبنى يحمل إسم غيفارا، يقول أنه ملك لنوح زعيتر أحد أكبر تجار المخدرات المطلوبين، والذي يقول أنه تم التوصل معه إلى تفاهم يقضي بتخصيص طابق منه من أجل معالجة مدمني المخدرات من أبناء بعلبك، وبعد أن كانت الفكرة قد أعجبت نوح "الحريص على صورة البطل الإعلامية"، تلقى اتصالا من أحد النافذين يهدده بأنه إذا سار بالاتفاق، يكون قد خسر الغطاء الذي يسمح بحريته، على رغم كل مذكرات التحقيق الصادرة بحقه.

يتوافق زعيتر مع دمر المقداد احد الداعين الى الإعتصام، على أن "العفو العام" في الشراونة ليس أمراً منفصلاً عن "الإنماء المتوازن"، الذي يؤمن دورة اقتصادية شاملة. بل يعتبرون أن العفو هو مفتاح الإنماء في المنطقة، لأنه يسمح للمطلوبين بأن يستأنفوا حياتهم الاقتصادية بشكل طبيعي، بدلاً من اللجوء إلى الأساليب الملتوية في تأمين معيشتهم. علماً أن معظم المطلوبين، كما يقول زعيتر، بحقهم مذكرات غيابية ووثائق، خاضعة لنظام قضائي. وهو يطالب أيضا بإصلاحه للحد من عمليات الإبتزاز التي يتعرض لها البعض، لمجرد الوشاية بأسمائهم في بعض التحقيقات. 

ثوب العفة الممزَّق
أما الإنماء المتوازن، فليس مرتبطاً حصراً بتشريع زراعة الحشيشة، التي يعتبر أهل الشراونة أكثر المستشرسين في الدفاع عن حقولها غير الشرعية. ومع ترحيبهم بأي خطوة لتشريعها لأغراض طبية، لا يعتبرون زراعة الحشيشة "الآفة" الأولى في مجتمعهم،  بل هي تجارة المخدرات على أنواعها، والتي يتساءل زعيتر، كيف تشكل بعلبك سوقها الأول، مع أن مصدرها معروف، من خارج الأراضي اللبنانية، واستيرادها محصور إما بالبحر أو بالجو.

ما ينتج "الطفار" في الشراونة، حسب  المقداد، هو غياب الأمن الإجتماعي، قبل الأمن العسكري. وإذا كان المطالبون بالعفو العام في بعلبك تحديداً، يتمسكون بمنطقهم الذي يقرن الخروج على القانون بالإنماء المتوازن، فإنهم يستعيدون مقولة الرئيس حسين الحسيني الشهيرة "الحاجة تمزق ثوب العفة"، مصرين على التفريق بين قضيتهم، وقضية من اعتدوا على الجيش اللبناني، ففي رقبة هؤلاء "حق شخصي" لا يسقطه العفو العام، مهما كانت محاولة وضع المطلبين في كفة واحدة. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024