ست سنوات بلدية في بيروت: هل رأى أحد البلدية؟

يارا نحلة

الثلاثاء 2016/02/16
قد تختلف الأحياء داخل بيروت من الناحية التنظيمية والأمنية والطبقية، لكن بالرغم من هذه الفروقات، تتشابه الأحياء جميعاً في نقطة واحدة هي: إنعدام العمل البلدي، أو على الأقلّ ضعفه. فمن أجل تقييم عمل بلدية بيروت، قامت "المدن" بجولة في بعض أحياء بيروت سجلت فيها آراء السكان في أداء البلدية، وقد أجمع السكان على عدم رضاهم، بإختلاف الطبقة الاجتماعية للحيّ الذي يسكنونه أو إنتمائه الطائفي أو الحزبي، لا سيمّا في ما يخص التنظيم المدني.



الطريق الجديدة
والحال أن التنظيم المدني هو أكبر نقاط ضعف بلدية بيروت، فهي لا تبذل أي جهد في سبيل تنظيم البناء، أو السير، أو حتى تأمين مواقف للسيارات، لتضحي العشوائية هي الطابع الغالب في المكان. وهذه العشوائية هي أكثر ما يثير حنق سكّان طريق الجديدة، اذ يشكو أحد هؤلاء السكان من "عدم أهلية الطرقات، لا سيما الداخلية، فالشوارع الرئيسية مزفتة، لكن الطرقات الداخلية بين الأحياء، من جهة صبرا خصوصاً، ليست مزفتة حتى". أما مواقف السيارات، فهي مشكلة أخرى، ويقول أحد السكان إن "الأرصفة باتت مواقف للسيارات، فلم يعد هناك مساحة للمشاة، ناهيك عن المتاجر التي تضع بضاعتها على الرصيف". والحلّ الذي إرتأته البلدية للتخفيف من وطأة هذه المشكلة هو تلزيم موقف سيارات لشركة خاصة. كما وضعت "Park meters"، وفق أحد شباب المنطقة، "لكننا إعترضنا ولم يتمّ تشغيلها حتى الآن، وكانت البلدية قد سعت لتحويل الملعب البلدي إلى موقف للسيارات".

وما يزيد من حدّة أزمة السير "عدم تنظيم أوقات مرور شاحنات سوكلين التي تأتي لتفرّغ مستوعبات النفايات في منتصف النهار، فتتسبّب بأزمة سير خانقة، كما أن لا رقابة على مرور الدراجات النارية التي يكون معظمها غير مرخّص، وهم يسيرون بعكس السير من دون أن تعترض طريقهم البلدية أو أي جهة أمنية". ويضاف إلى عشوائية المنطقة، إنعدام تنظيم أماكن وقوف عربات الخضار. فيشكو أحد أصحاب هذه العربات من "أن الدرك بطبوا عليي فجأة، بحجة أنه لا يحق لي إيقاف عربتي هنا، رغم أن البلدية لا تحدّد لي أين يحق لي أن أقف".

في المقابل، يعيد أحد سكّان طريق الجديدة عشوائية المحلّة إلى "إنعدام وجود شرطة البلدية"، ويشرح أنه في حال نشب شجار بين الجيران على خلفية مخالفة في البناء، "لا تتدخّل البلدية، لذا لا نجد مرجعاً نلجأ إليه لحلّ الخلافات". أما البنى التحتية فهي سبب آخر لشكوى السكّان فـ"شرائط الكهرباء ممددة بشكل عشوائي ومتشابكة، كما نعاني من مشكلة المجارير التي تفوح رائحتها خصوصاً في الأزقة الضيقة"، على حدّ قول أحد السكّان. ويضيف آخر أن "الشوارع في الداخل لا إنارة فيها".


الأشرفية
في الأشرفية، لا يختلف الوضع كثيراً؛ فأزمة السير هي نفسها، والحرّاس المنتشرون في المنطقة، تحوّلت مهمتهم إلى تنظيم السير "لكنّهم يعطلون السير عوضاً عن تسهيله، فيتوقّف أصدقاؤهم في وسط الطريق للحديث معهم، بالإضافة إلى إغلاق الكثير من طرقات بيروت لحماية منازل السياسيين والمؤسسات الأمنية للدولة، لكن لبنان صغير جداً وما بيحمل"، وفق أحد المواطنين. ويعاني السكّان أيضاً من صعوبة في ركن سياراتهم، فيعرب أحد السكان عن إنزعاجه من عدم قدرته على ركن سيارته في كثير من الأماكن، فـ"كل متجر يحتكر المكان الذي يواجهه، فنستمر نحن السكّان بالتفتيش عن مكان نركن فيه لساعة أحياناً". ويتذكر مواطن آخر، يسكن في منطقة كرم الزيتون، حين إجتاحت أسراب من الذباب الأشرفية نتيجة النفايات المتراكمة، "وقتها، تخاذلت البلدية وماطلت، ولم تأتِ إلى نجدتنا، متملّصةً من مسؤولياتها".

وفي حين تكاد تخلو طريق الجديدة من الحدائق العامة، فإن في الأشرفية بعض الحدائق. وقد ذكر أحد سكانها إنجازاً وحيداً لبلدية بيروت وهو "إعادة تأهيل حديقة مار نقولا". لكن في المقابل سعت البلدية إلى تحويل حديقة "اليسوعية" إلى موقف عام، "ولولا قيامنا بعدد من التحركات إحتجاجاً، لكانت إختفت الحديقة"، بحسب إحدى شابات المنطقة. أما في ما يخصّ أزمة النفايات، فيشير سكّان بيروت عموماً إلى أن "البلدية عمدت إلى إنشاء مكبات عشوائية قريبة من المساكن، كما أنها لم تحفّز على الفرز إطلاقاً".


"ما في بلدية"
على أن تلزيم البلدية مواقف السيارات لشركات خاصة وسعيها إلى تحويل الملعب البلدي وحديقة اليسوعية إلى مواقف عامة، هو خير دليل على عدم إكتراث البلدية بمصالح السكان وبالواقع البيئي والتنظيمي للمدينة، في مقابل سهرها على راحة الشركات الخاصة وتجار بيروت. وهذا ما يؤكده لـ"المدن" المدير التنفيذي لجمعية "نحن" محمد أيوب، الذي يعتبر أن "بلدية بيروت لم تقم خلال مدّة ولايتها بأي مشاريع تنموية أو خدماتية، فلم تول إهتماماً لحاجات السكان ولم تقم بأي دراسات لتحديد متطلباتهم بغية تنفيذ مشايع ملائمة". وهو يعرّف بلدية بيروت بأنها "مجموعة أشخاص من شركات خاصة يسعون إلى الإستفادة وتنفيع الشركات". ويشرح أيوب بأن لا فرق بين منطقة وأخرى من حيث فعالية أعمال البلدية، فـ"هواجس البلدية ليست طائفية أو مناطقية، بل محض إقتصادية، وأعضاء البلدية يستخدمون الحجج الطائفية فقط حين تخدمهم المسألة من أجل إقامة صفقة ما".

ولعلّ الإنجازين الإيجابيين الوحيدين لبلدية بيروت هما فتح حرش بيروت، وإيقاف مشروع خصخصة شاطئ الرملة البيضا. لكن أيوب يفسّر أنه لا يمكن نسبة هذين الإنجازين إلى بلدية بيروت، فـ"البلدية تتألف من سلطة تنفيذية يرأسها المحافظ، أما السلطة التقريرية فيرأسها رئيس المجلس البلدي، لكن بجهود المحافظ فقط أعيد فتح الحرش وتوقف مشروع خصخصة شاطئ الرملة البيضا، وهو يفتح حالياً مكتبه كل يوم جمعة لإستقبال المواطنين والإستماع إلى شكاويهم، أما رئيس البلدية وأعضاؤها فقد فرّطوا بحقوق الناس ولم يسعوا إلى حمايتهم يوماً".

واللافت في كلّ ما ورد على ألسنة السكّان هو عدم توجيههم اللوم لبلدية بيروت عند حديثهم عن معظم المشاكل والأزمات التي تعاني منها أحياؤهم، وبيروت عامةً، وذلك ببساطة لعدم إلمامهم بصلاحيات البلدية ومسؤولياتها، ويعود ذلك إلى عدم تنفيذها مشاريع فعلية منذ سنوات، ما أدى إلى تغييبها من حساباتهم. فكما يقال "ما في دولة" يصحّ القول إنه "ما في بلدية".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024