منذ نشأتها.. الجامعة اللبنانية "تنتزع" وجودها من السلطة

جنى الدهيبي

السبت 2019/05/25

من اعتكاف القضاة إلى إضراب أساتذة الجامعة اللبنانية منذ نحو ثلاثة أسابيع، لا يزال البلد يدور في دوامة الضغط والتعطيل والشلل والغليان الشعبي، بانتظار ما سيؤول إليه البحث الحكومي في بنود مشروع الموازنة العامة. لكنّ، ثمّة قطاعات عامة ترتبط دورة عمل موظفيها الرسميين بالمصالح المباشرة للمواطنين ومصائرهم، ما يجعل من الإضراب سيفًا ذا حديّن، للضغط الشعبي على السلطة من جهة، والضغط على مصالح المواطنين من جهةٍ أخرى. وهذا هو حال اعتكاف القضاة، الذي شلّ العمل في قصور العدل، كما هو حال إضراب أساتذة الجامعة اللبنانية، الذي عطل المرحلة النهاية من العام الدراسي لطلاب اللبنانية.

هدم الجامعة
وفي ظلّ الاعتصامات الحاشدة لأساتذة الجامعة اللبنانية وطلالبها يوم الجمعة، في 24 أيار 2019، في بيروت والشمال، احتجاجًا على محاولة الحكومة في مشروع موازنتها "قضم ميزانية الجامعة اللبنانية والانقضاض على مكتسبات الأساتذة من خلال صندوق التعاضد"، كان لـ"المدن" حديث مع رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة متفرغي اللبنانية، الدكتور يوسف ضاهر، للتوقف على واقع الجامعة اللبنانية وما يدور في أروقتها.

الضاهر الذي تولى منصبه في الرابطة مستقلًا عن أيّ ارتباطٍ أو تبعيةٍ سياسية، يرفض إلصاق إضراب اللبنانية بأساتذتها فقط، انطلاقًا من إيمانه أنّ "هذه معركة على مستوى الوطن كلّه"، وبأنّ خوضها هو في سبيل الحفاظ على الصرح الأكاديمي الأول والوحيد في لبنان، المتوفر لجميع أبنائه. فـ"قضيتنا اليوم، ليست للحفاظ على مكتسباتنا وحسب، وإنّما هي قضية تصدٍّ لكل محاولات ضرب الجامعة اللبنانية وتهديمها، بعد أن أصبح مصيرها مهددًا بين يدي الطبقة السياسية الحاكمة". يعتبر ضاهر أنّ الحكومة اللبنانية تسعى لـ"خداع" الدول المانحة بالإصلاح المطلوب منها، من أجل الحصول على مخصصات مؤتمر "سيدر"، عبر الاقتطاع ظُلمًا من جيوب الموظفين والمواطنين. وحاليًا، "ننتظر انتهاء مجلس الوزراء من مناقشة مشروع الموازنة، لدراسة أرقامها، وحتّى نبني على الشيء مقتضاه بما يخصّ تحركنا".

سلسلة المطالب
ورغم أنّ هذا الإضراب لم يخلص إلى نتائج واضحة ومحددة في غضون الأسابيع الماضية، إلّا أنّ ضاهر يرى أنّه حقق إنجازات مهمة، على مستوى "إفشال" ما يسميه بـ"مخطط القضم من رواتب الموظفين والأساتذة والعمال". أمّا مطالب رابطة المتفرغين باسم أساتذة اللبنانية، وفق الضاهر، فهي ترتكز على نقاط عديدة من بينها: رفض تخفيض موازنة الجامعة، رفض المساس بالراتب والمعاش التقاعدي والتقديمات الاجتماعية، رفض إلغاء صندوق التعاضد ورفض المماطلة بملفي التفرغ والملاك وإفراغ الجامعة من ملاكها. هذا، إلى جانب الإصرار على عدالة الرواتب بإعطاء الأساتذة الثلاث درجات بالإضافة إلى الدرجات الاستثنائية ودرجة الدكتوراه للمتفرغين الذين حرموا منها. وأيضًا، المطالبة بإقرار مشروع القانون 5120 لجميع الأساتذة عند احتساب معاشهم التقاعدي، وإلغاء ضريبة الدخل على هذا المعاش، مع حماية الاستقلالية الإدارية والمالية لصندوق التعاضد.

ملاك وتفرغ وتعاقد
يأسف ضاهر أن تسعى الحكومة إلى القضم من مستحقات أساتذة اللبنانية، بينما هم يتقاضون معاشات أقل بنسبة النصف أو الثلث عن الأساتذة المتفرغين في الجامعات الخاصة. والجامعة اللبنانية التي تضم نحو 7 آلاف أستاذ في كلّ فروعها، ينقسمون بين أساتذة في الملاك ومتفرغين ومتعاقدين. وباتت الجامعة تشهد خللاً فجاً وعدم توازن في منظومتها الوظيفية والإدارية. كيف ذلك؟ فهؤلاء الأساتذة يتوزعون عدديًا، وفق الضاهر، على الشكل الآتي: ألف أستاذ في الملاك، ألف أستاذ متفرغ ونحو 5 آلاف أستاذ متعاقد. يقول: "نحن حاليًا في الملاك 1/7 من مجموع الأساتذة، أمّا في التسعينات، وعلى أيام رئيس الجامعة جورج طعمة، الذي كان من الطلاب الذين شاركوا في خمسينات القرن الماضي بالتحركات الاحتجاجية للمطالبة بانشاء الجامعة اللبنانية، كان هناك 80 في المئة من أساتذة اللبنانية مثبتين في الملاك".

والخشية اليوم لدى أساتذة اللبنانية، أنّه إذا استمرت الحكومة بقرار الامتناع عن تفريغ الأساتذة المتعاقدين وإدخال المتفرغين إلى الملاك، قد لا يبقى بعد 3 سنوات تقريبًا أكثر من 300 أستاذ في الملاك إلى أن ينخفض عددهم تدريجيًا عامًا تلو آخر، وهو ما يضعه ضاهر ضمن مخطط تدمير الجامعة اللبنانية عبر ضرب هيكيلتها الوظيفية، "لا سيما أنّ نجاح الجامعة واستمراريتها، يبقى مقرونًا بنسبة ونوعية الأساتذة المتفرغين فيها والمثبتين في ملاكها".

رغماً عن السلطة
موازنة الجامعة اللبنانية من الدولة، وفق الضاهر، هي 250 مليون دولار أميركي فقط، بينما هناك 7 آلاف أستاذ، و85 ألف طالب، و4 آلاف موظف. وهذا العام، "خفضت الحكومة موازنة الجامعة 40 مليار ليرة، وكذلك فعلت العام الماضي". ما يعني حكمًا حسب الضاهر، أن الأساتذة المتعاقدين الذين يحلمون بالتفرغ، لم يعد هناك وفر مالي من أجل تفريغهم، كما أنّ الميزانية المتبقية لا تسمح حتّى بتغطية نفقات تجهيزات المختبرات والمكتبات وصيانة الأبنية ودعم الأبحاث العلمية.

لا ينكر ضاهر أنّ ثمة ضررًا يلحق بالطلاب جراء هذا الإضراب، لكن "نحن وإياهم في مركبٍ واحد، وإضرابنا دفعًا عن حقّهم في الحفاظ على كيان الجامعة اللبنانية والتصدي لكل محاولات تدميرها الممنهج والمدبّر".

يعود ضاهر إلى نشأة الجامعة اللبنانية، ليؤكد أنّها منذ ذلك الحين تنتزع حقوقها وحقّها في الوجود انتزاعًا من السلطة. فـ "الجامعة منذ بنائها سنة 1952، أنشئت تحديًا لرغبة السلطة الرافضة لها". وقبل ذلك العام، "كانت عبارة عن دار معلمين عليا، ولم تُنشأ كلية التربية إلا بتظاهرات من طلابها إلى جانب طلاب جامعتي اليسوعية والأميركية، الذين دعموا إنشاء الجامعة اللبنانية، وقد سقط في تلك التظاهرات شهيد اسمه حسان بو اسماعيل، وعلى إثرها جرى إنشاء كلية التربية، وصار فيها كليات مختلفة". بعد نحو 10 سنوات، "نجحت مساعي إنشاء كلية العلوم في الحدث وكان عميدها الدكتور الراحل حسن مشرفية، وبعدها مضت 15 عامًا من التظاهرات، حتى بنوا كليتيّ الطب والهندسة". وبالنسبة للضاهر، "هذه عينة فقط، للتأكيد أنّ كل خطوة حققتها الجامعة على مرّ تاريخها في المباني والتخصصات والفروع كان بالانتزاع من السلطات المتعاقبة".  

يعتبر ضاهر أنّ رابطة الأساتذة المتفرغين استطاعت أن توحد أساتذة اللبنانية وتخرجهم من الانقسامات السياسية القائمة. أمّا عن سبب تداعي الأساتذة لـ "الثورة" فقط عند المساس بمكتسابتهم المالية، يرى ضاهر في التعميم ظلمًا. فـ"إن كان هناك قلّة من الأساتذة دخلوا بزبائنية سياسية معينة ويهملون مقرراتهم وطلابهم، ندعوا إلى تفعيل أجهزة الرقابة لمحاكمة كلّ أستاذٍ يخرق واجباته ويقصّر في أدائه".

أين رئاسة الجامعة؟
وبينما يخوض أساتذة اللبنانية معركتهم المطلبية في الشارع وعبر الإضراب، يبدو أنّ رئاسة الجامعة ممثلةً برئيسها الدكتور فؤاد أيوب ليست على الموجة نفسها مع رابطة الأساتذة المتفرغين. وفي السياق، يشير مصدر رسمي في رئاسة الجامعة لـ "المدن"، أنّ رئاسة الجامعة، وإن كانت تقف إلى جانب الأساتذة في مطلبهم، لكنّها غير مؤيدة للإضراب المفتوح الذي بدأ منذ ثلاثة أسابيع، "لأنه يؤذي الجامعة وطلابها ولديه ارتدادات سلبية على أساتذتها". فـ"الرابطة التي تعدّ الجهاز النقابي للجامعة، يكتفي رئيس الجامعة بالتمني عليها من أجل العزوف عن الإضراب المفتوح، لكن ليس لديه صلاحية منعه. يقول المصدر: "يجب أن ينتبه الأساتذة إلى عدم إلحاق الضرر بالطلاب في نهاية العام الدراسي، وقد يكون للرئاسة تمنٍ خاص من أجل العزوف عن هذا الاضراب المفتوح، ضمن إطار المسؤولية المشتركة والعامة".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024