4 آب في أربع صور: وبقي سؤال "لماذا قتلونا؟"

نادر فوز

الأحد 2021/04/18
مذبحة 4 آب، كأنها وقعت قبل ساعات، أو بالأمس على أبعد تقدير. الصور التي توالت من مكان المجزرة، يوم التفجير وبعده، تعيد إحياء المذبحة. في بيروت، من لا يملك قصّته الذاتية للحظة الانفجار الأول والثاني، وما تلاهما، محظوظ. من يوم التفجير، صور فوتوغرافية عديدة وثّقت ما حصل. ومنها أيضاً 4 تصدّرت المشهد من خلال حصولها على جوائز أو تقديرات. أبرزها، الصور التي التقطها المصور الإيطالي لورينزو تانيولي والتي نال فيها الجائزة الأولى لـWorld press photo عن فئة "Spot news" أي الفئة المخصصة للصور الإفرادية أو مجموعات الصور المتعلقّة بأحداث لحظوية. ومن بينها أيضاً، صورتان للمصور اللبناني حسن عمّار لوكالة "أسوشيتد برس"، نالت واحدة منها الجائرة الثانية والأخرى جائرة الامتياز الشرفية في تقييم Picture of the year (POY). إضافة إلى صورة للمصوّر مروان طحطح التي اختيرت من بين أبرز صور الوكالة الفرنسية لعام 2020.

المسيح المشظّى
إيلي ص. عرّفنا عليه المصوّر الإيطالي لورينزو تانيولي في صورة وثّق فيها اللحظات الأولى لمجزرة 4 آب. شاب منهك، مشظّى، يمسك بذراعية نزولاً والجروح تأكل يديه وظهره. من صورة الوشم على زنده، كأنه مسيح آخر يسير على درب جلجلة. فُجّر وصُدم وعُنّف. فنزف واختنق وطار وسقط بين الركام، وسار حافياً على تلك الدرب بانتظار الصلب الجديد. مشى حافياً لكن إيلي لم يُصلب. قد يكون ناجى الربّ على طريقته، " إلهي.. إلهي.. لماذا تركتني"؟ وصودف أنّ الله لم يتخلَّ عنه في تلك اللحظة، فلم يستقبل روحه وأعادها إلى جسده المترنّح والضائع بين الجلوس والوقوف والمشي على وقع الصدمة. قابل تانيولي إيلي بعد أشهر من المجزرة، حسب مقالة نشرها المصوّر في الواشنطن بوست. عنوان المقالة واضح، ويلخّص كل شي، "هل تعتقد أن هذه الصورة ستغيّر حياتي"؟ يريد الهجرة والابتعاد عن المقتلة، والتوقف عن دفع قسط سيارته التي دمّرها الانفجار، علّ استعادة لحظة الانفجار تخرج من أحلامه اليومية. هل تتغيّر حياة إيلي؟

خطوات وطقطقة
على بعد أمتار من العنبر رقم 12، على أوتوستراد شارل حلو، الدمار الهائل. فوضى الانفجار ودماره وشظاياه. وسط الركام، جريحة يحملها شاب ويمشي بها بحثاً عن النجدة. تتمسّك به كيف لا تقع. هل الوقوع من هذا العلو البسيط خطر لهذه الدرجة بعد انفجار مماثل؟ تتمسّك بأمل النجدة، بأمل البقاء والحياة. حافية أيضاً، لن تمشي وحدها حتى لو استعادت توازنها. يحملها ويسير بها شمالاً باتجاه الزحمة. صوت طقطقة مع كل خطوة. والطقطقة لا تنكفئ ولا تنتهي، فالمدينة كلها مبعثرة على الأرض. كأنّه يمشي ويبقى في مكانه. الدمار لا يتغيّر، والركام على حاله، وكذلك الناس المذهولة التي لا تعرف إلى أي جهة تلتفت وأي أضرار تعاين. على هذه الطريق، جثث في الشارع وأخرى في السيارات. جرحى يناشدون إسعافهم وليس من يصل إليهم. الكل مصاب، إن لم يكن ينزف فضائع يبحث عمّن يوقظه من هذا الكابوس. أحياء وأموات يسألون، أَمُتْنا؟

العدالة المطلقة
بعد الانفجار، الناجون يبحثون عن المساعدة الطبية. يريدون الوصول إلى أقرب مستشفى، حتى لو كان مدمّراً وفريقه يحتاج إلى إسعافات أيضاً. الوصول إلى المشفى، أو حتى التوجّه إليه، يبعث الراحة بأنّ المساعدة باتت قريبة. أكثر من عشرة أشخاص مكدّسون في صندوق بيك آب. آلية عسكرية أو مدنية، لا نعرف. وثلاثة آخرون يتعمشقون بصندوق سيارة للنجاة. مصاب يوازن آخر فاقداً للوعي وملقىً به على الصندوق. أخرجونا من هنا، الآن، فوراً. إلى أي مكان لا يملؤه الدخان الأسود ولا كل هذا الضجيج، لا يهمّ. حالهم واحدة، جروح وصدمة وألم. ودم بات مشتركاً، مجازياً وفعلياً. في صورة واحدة، تسقط الانتماءات الدينية والمذهبية والسياسية. تسقط الأعراق والجنسيات والألوان. كأنّ العدالة المطلقة بحاجة إلى مأساة مماثلة وجريمة بهذا الحجم لتسري. يدان تتشابكان بحثاً عن الاطمئنان والقوة تحت هول المشهد. وأخرى تحاول إجراء اتصال، شبكته مقطوعة أيضاً. ثمة من يبكي، وآخر من يصرخ. ثمة من يتنفّس بصعوبة ومن انقطع نفسه. ثمة من يحمي نفسه من رائحة الدخان، وربما من كورونا. لكن سؤال واحد يُطرح، لماذا قتلونا؟
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024