توضيح من السفارة اللبنانية في الهند

المدن - مجتمع

السبت 2020/05/23

تعقيباً على تقرير "لبنانيون عالقون في سريلانكا: كل الجهات لا تعرف!"، الذي استند إلى تواصل مواطنين لبنانيين مع "المدن" سردوا ما يعانونه حتى اليوم من عدم قدرتهم على الوصول إلى لبنان، أرسلت السفارة اللبنانية في الهند توضيحاً، هذا نصه:  

جانب جريدة المدن الإلكترونية،

إنّ توخينا الرسالة الدبلوماسية الراقية ونذْرَنا أنفسنا لمهامها النبيلة، حتّم علينا التعالي عمّا ساقه أحدهم بحق لبنان ودبلوماسيته وبعثاته. فآلينا أن ننصرف إلى العمل وأن ندعَ من يجد متعة في تكرار طقطوقة "وينيي الدولة" وأخواتها، أن يلهو بوسائط إعلام مجانية مفتوحة لا ضوابط فيها لتميزَ سفيه الكلام من درّه ولا الكذب من اليقين. فرأيناه يفرغ ما في جوفه، بل ما في مخيلته، ويشطح في اختلاق أخبار لم تحدث، وحرّف في وقائع وأخفى أخرى، ليكسب بعضًا من عطف رخيص، أو يحظى بعدد إعجابات يليق بوقع الحدث الرنّان: لبناني عالق في سريلانكا ودولته لا تسأل عنه.

ظلّ يعيد الطقطوقة وظلينا مترفّعين نعمل. أما أن نجد اليوم أن جريدة ألكترونية عُرفت برصانتها تنزلق إلى هذا الموقع وتسقط في هوّة تبنّي أحداثٍ لم تقف على مصداقيتها فهذا ما يدعو للعجب! خاصة أننا لم نعهد "المدن" وسطًا يسعى إلى سبق أو يهوى شائعة. لذلك، كان لا بد من التوضيح التالي ووضع النقاط فوق الحروف لجلاء الكلمة والصورة. ولكن مع الإشارة إلى أننا سنكتفي بتصويب النقاط التي أثيرت في مقالة "المدن"، من دون الغوص في ما بذلنا من جهود مضنية منذ بدء الأزمة، واتصالاتنا اليومية بخارجيتنا وبالسلطات المحليّة على مستوياتها كافة، وببعثات لبنان الأخرى للتنسيق في ملف إعادة العالقين. كما لن نغوص في تفاصيل تواصلنا مع اللبنانيين العالقين ومساعدتهم قانونيًا ونفسيًا وإنسانيًا وماديًا، وتجنيد طاقم السفارة وعدد من اللبنانيين المقيمين—على قلّتهم— الغيورين على سمعة وطنهم ومصلحة أبنائه، للعمل دون انقطاع برغم قلة الإمكانات المتوفرة.

أولاً-  إن السفارة اللبنانية لم تقترح على أي لبناني في سريلانكا السفر من كولومبو إلى بيروت عبر لندن، كما ادعى الشاكي في أحد منشوراته. فبعد أن تعذّر وصول اللبنانيين من سريلانكا إلى قطر في توقيت يناسب رحلة قطر- لبنان، رغم كل المحاولات المضنية بما فيها تغيير موعد رحلة الدوحة بيروت، اقترح بعض اللبنانيين في كولومبو (هم وليس السفارة) السفر إلى لندن، وطلبوا مساعدة السفارة في نيودلهي للتواصل مع سفارتنا في لندن لتأمين مقاعد لهم على رحلة لندن بيروت. وهذا ما كان، حيث قامت السفارة في لندن بإجراءات سريعة وتواصلت مع جهات مختلفة لتأمين وصول اللبنانيين إلى لندن والالتحاق برحلة بيروت. أُفهِم اللبنانيون بدقة أن هذه رحلة تجارية ليست من الرحلات التي جدولتها الحكومة اللبنانية للإخلاء، وأنه يقع على مسؤوليتهم الشخصية وصولهم إلى لندن للإلتحاق برحلة الإخلاء على متن طيران الشرق الأوسط إلى بيروت والتي تسيرها الحكومة اللبنانية.

ثانيًا- أنجزت كلّ الأوراق المطلوبة لمثل هذه الرحلة من قبل السفارتين في الهند وبريطانيا بسرعة قياسية، وتم التغاضي عن كثير من الإجراءات القانونية المطلوبة، وأخذ رئيسا البعثتين على عاتقيهما مسؤولية تصديق هذه المستندات برغم ورودها بصيغة صور غير واضحة عبر تطبيقات الهاتف ومن دون أي أختام رسمية أو مصادقات أساسية، كل ذلك في سبيل تسهيل أمور مغادرة اللبنانيين. والجدير بالذكر أن هذه الإجراءات هي نفسها التي قامت بها السفارة في لندن في رحلات سابقة وتم الأمر من دون أي إشكاليات، ووصل اللبنانيون إلى لندن وأتموا طريقهم إلى بيروت. فالأوراق هي في الأصل، وكما أفهِم المغادرون، لاستخدامها في مطار لندن بغية السماح لهم بالعبور واللحاق بطائرة الميدل إيست. أما مسألة صعودهم إلى الطائرة من كولومبو فتبقى من مسؤوليتهم الشخصية كون الرحلة تجارية وكونهم هم من قاموا بالحجز على مسؤوليتهم. ودور السفارتين اقتصر على تأمين مقاعد لهم على رحلة لندن بيروت، وهذا ما أفهِمه اللبنانيون صراحة ومنهم الشاكي.

فالبعثتان ليستا بحاجة إلى دروس في كيفية إتمام عملهما وتواصلهما مع السلطات المحلية، وهذا أصلًا من أبجديات العمل الدبلوماسي، والدبلوماسية اللبنانية مجلّيّة في هذا الحقل بشهادة أهل الدبلوماسية والعلاقات الدولية. والمثير للشفقة أن تأتي الدروس ممن هو للأسف محل ملاحقة قانونية في البلد الذي يزوره ومطلوب للمثول أمام عدالتها.

ثالثًا- أمّا لماذا لم تسمح شركة الطيران بصعود هؤلاء اللبنانيين على متنها، فمن المعروف أن هذه شركات تجارية لها مطلق الصلاحية الاستنسابية في السماح لمن تشاء ورفض من تشاء. وهي تصلها تعليمات تتغيّر بين رحلة وأخرى خاصة في هذا الوقت الاستثنائي الذي يمرّ به العالم. وقد أُبلغ اللبنانيون المغادرون من قبل السفارة اللبنانية بضرورة التأكد من شركة الطيران عن سلامة أوراقهم وتأكيد السماح لهم بالمغادرة. ولدى السفارة تسجيل بين أحد هؤلاء اللبنانيين وبين شركة الطيران تبلغه بأن ما بحوزته من مستندات هو كاف لصعوده إلى الطائرة. إذن السفارتان قامتا بكل ما هو مطلوب منهما. وستحاول السفارة في الهند معرفة ما إذا كان لوضعية الشاكي القانونية غير السليمة في البلد المضيف أي علاقة لمنعه من صعود الطائرة، وما إذا كان رفاقه المغادرون قد أُخذوا بذنبه كونهم كانوا في مجموعة واحدة.

رابعًا- إحدى أخوات طقطوقة "وينيي الدولة" طقطوقة أخرى بعنوان "عم نشوف سفارات/أو دول تانية شو عم تعمل". لطالما عزف بعض اللبنانيين على هذا الوتر—بعضهم القليل لأن غالبهم الأعمّ، وهو قد يكون من أشد منتقدي دولته في وطنه، تراه يأبى أن يذكر اسم لبنان بسوء. وكثيرًا ما يحلو للمُشتكي مقارنة سفاراتنا بالسفارات الأجنبية. بكل فخر نقول إنّ تعامل سفاراتنا مع اللبنانيين في الاغتراب ليس أقلّ مهنية من تعامل سفارات كبرى أخرى، بل تضاهيها أحيانًا برغم قلة الإمكانات. أنْ تُنجَز المعاملة المكتملة الشروط في سرعة قياسية رغم ضغط الظروف، وأن يجنّد طاقم السفارة على مدار الساعة هو أمر يجب التنويه به لا الشكوى منه. ولطالما تلقت البعثة اتصالات في الفجر وفي أنصاف الليالي وما بعدها؛ وكذبٌ أن أحدًا لم يجب على اتصالاتهم من مطار كولومبو حين منعوا من صعود الطائرة، فلدى السفارة سجل المكالمات الذي يبيّن تلقّي القنصل فيها الاتصالات، وأيضًا محاولاته التواصل مع شركة الطيران. ونحن نعلم يقيناً كذلك كم من الوقت يستغرق إنجاز المعاملات في غير بعثات، ولدينا وثائق تشير بأن رعايا دول أوروبية وغربية وصناعية كبرى لم يزلوا عالقين في بعض دول العالم منها سريلانكا والهند، وبعضهم تأخر إخلاؤه لأكثر من شهرين.

أخيرًا- تقدر هذه السفارة معاناة اللبنانيين الشاقة التي يمرّون بها بسبب الإقفال العالمي وانقطاع السبل بهم. ومراسلاتنا مع الخارجية اللبنانية شاهدة على تواصلنا اليومي في سبيل إيجاد حلّ لوضعهم. وهي تدرك أن كثيرًا مما يقال يوضع في خانة "التنفيس وفش الخلق"، ولطالما تحمّل فريق عمل السفارة فشات الخلق هذه وأحيانًا الشتائم برضى وابتسام، لأن المهمة أمامنا أصعب وأقدس. والغريب واللافت للنظر حقًا أن أكثر اللبنانيين الذين كرّس لهم وقت وجهود لمساعدتهم هم أكثرهم شكوى وأوّلهم إثارة للمشاكل وأشدّهم نكرانًا للجميل. ولكن أن تصل الأمور إلى فبركات وزيف وكذب وتلفيق، ومحاولة اكتساب تعاطف رقمي رخيص على حساب سمعة لبنان وإنجازات ممثليه وعرق موظفي سفاراته الكادحين، فهذا لا بد من وضع حد له.

ستبقى هذه السفارة، كما كلّ سفارات لبنان في العالم بيت اللبنانيين خارج وطنهم وملجأهم وحصنهم وخط الدفاع الأول عنهم في دنيا الانتشار. ولن تثني عزيمتنا منشورات وزقزقات وفيديوهات من النوع الرديء شكلًا ومضمونًا. ولكن نهيب بوسائل إعلامية جادة، كـ"المدن"، ألا تأخذها موجة الشعبوية الإعلامية، وأن تبقى حصن الإعلام الرصين الذي لطالما ميّز لبنان مقيمًا ومغتربًا.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024