مخلفات الصرف الصحي تغمر أراض بقاعية

لوسي بارسخيان

الخميس 2019/01/03
فاحت الروائح "النتنة" بين زحلة وبعلبك قبل أيام من نهاية عام 2018، مع ما كشفته بلدية بعلبك خلال مؤتمر صحافي مفاجئ، عن كميات من مخلفات محطات التكرير التي "نشرت" في مساحات جردية من أراضي عين بوضاي ووادي جريبان. وسرعان ما بينت التحقيقات، بعد توقيف ناقليها، أنها (sludge) أو الوحول المترسبة ، الناتجة عن عمليات التكرير في محطة الصرف الصحي في زحلة، والتي كان مجلس الإنماء والإعمار قد سارع إلى تشغيلها، منذ نحو عام تقريبا، تحت ضغط الشارع والانتخابات النيابية، التي استدعت تعهدا شخصيا من قبل رئيس الحكومة سعد الحريري حينها.

نتانة الصفقات
إلا أن مصدر "نتانة" الروائح، ليست كلها متعلقة بمخلفات الصرف الصحي البشري، الذي يمكن استثماره من خلال معالجة سليمة في تغذية الأراضي الزراعية، إنما بما أظهرته من "استهتار" فيما اعتبر "صفقات" بالتلزيمات. تسقط معها الأخلاقيات العامة التي تحمي صحة البيئة والمواطنين معا.

فمشكلة الـ(sludge) الذي غرقت به محطة تكرير زحلة قبل أشهر ليست حديثة، وإن تحولت مؤخراً إلى موضوع شكوى قضائية، تقدمت بها بلدية بعلبك، بوكالة المحامي محمد حيدر، ضد شركة "ميراج الزهراني"، ممثلة بشخص مديرها العام محمد فرحات، ومحطة تكرير الصرف الصحي في زحلة، وكل من يظهره التحقيق فاعلاً أو شريكاً.

وحسب رئيس بلدية بعلبك حسين اللقيس، فإن لا أحد معصوماً من "التهمة"، بدءاً من مجلس الإنماء والإعمار، إلى بلدية زحلة، وإلى وزارة الطاقة والمياه، وإلى كل من يمكن أن يظهره التحقيق متواطئا في تأمين المساحات اللازمة في بعلبك. فيتساءل في تصريح لـ"المدن": كيف يمكن لمجلس الإنماء والإعمار أن يلزّم جهة بمعالجة مخلفات محطة التكرير، من دون الاطلاع على كيفية التخلص منها. وهل صحيح أن بلدية زحلة، ومؤسسة مياه البقاع، غير مطلعين على تفاصيل تخلصهما من هذه المشكلة، التي كادت تعطل عمل محطة التكرير قبل أشهر؟

شاحنات فرحات
اللافت في ما يكشفه اللقيس، هو فيما نقل إليه على لسان مدير شركة "ميراج"، محمد فرحات، لدى ضبط سائقي شاحناته، التي "وزعت الخيرات" بأراضي بعلبك، أن الأخير حاول، تجنباً لرفع الشكاوى القضائية، أن يفهمهم بأنه من الأسماء المدرجة على لائحة "العقوبات" الأميركية. وكأن في ذلك تحديداً لهوية سياسية تجنبه المحاسبة على "تسميم أبناء جلدته". ويطالب اللقيس بوجوب محاسبة المتواطئين من أبناء المنطقة، الذين سهلوا وصول هذه الوحول، أيا كانت هويتهم.. مؤيداً التساؤلات المطروحة، حول كيفية وصول "الشاحنات" المضبوطة إلى مواقعها المحددة، بمحيط بلدات طاريا وبريتال وجرود عيون السيمان وشمسطار، من دون أن يجري تعقبها في هذه المناطق، التي لا يمر فيها حتى "الطير الغريب"، من دون التأكد من هويته.

ما كشفته هذه الواقعة في المقابل، يسلط الضوء مجددا، على الثغرات الكثيرة التي تلف عمل محطات التكرير، التي تعمل جزئياً، في مختلف مناطق البقاع، وفقا لرئيس المصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية. فدخول شركة "ميراج" على خط معالجة هذه الوحول، جاء إثر أزمة عانت منها محطة التكرير، بعد أشهر من تشغيلها.

رفض بلدية زحلة
كان أحد الحلول المقترحة حينها، يقضي بأن تسمح بلدية زحلة بتخزينها في أحد الحفر الصحية المجهزة بمطمرها الصحي. إلا أن البلدية رفضت الأمر، كما يقول رئيسها أسعد زغيب لـ"المدن"، بسبب ضيق المساحات المخصصة للمطمر، بتراكم كمية النفايات المضاعفة، التي بدأت تصلها منذ ارتفاع أعداد النازحين السوريين في زحلة وقضائها من جهة، وبسبب رفض السلطات المركزية لمشروع يولد الطاقة من النفايات، تقدمت به بلدية زحلة، وكان سيسمح وفقا لزغيب باستخدام هذه الوحول في توليد الطاقة.

المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، كانت واحدة من الجهات التي حذرت من "أزمة" في معالجة السلادج داخل مطمر زحلة أيضاً، من خلال كتاب وجهته إلى مجلس الإنماء والإعمار في 23 تشرين الأول. ويقول رئيس المصلحة سامي علوية لـ"المدن": اقترحنا حينها على المجلس إنشاء مركز لمعالجة هذه الوحول، على قطعة أرض، أبدينا استعداداً لتقديمها في منطقة خربة قنافار، تسمح لنا بالإستفادة من هذه الوحول لأغراض زراعية، كما هو حاصل في بلدان العالم، ولكن لم نلق أي إجابة".

صمت الجدل حول كيفية التخلص من هذه الترسبات لأشهر، بعدما أعلن عن حلول تم التوصل إليها، قضى أحدها بأن يعالج "سلادج" زحلة في محطة تكرير النبطية المجهزة لذلك. ليتبين مع انكشاف "فضيحة" نثر هذه المخلفات في أراضي بعلبك، بأن شركة "ميراج" التي التزمت "إنقاذ" محطة تكرير زحلة من "الغرق" في سلادجها، لم تكن تملك تصورا واضحا لكيفية معالجتها. فحاولت أولاً، وفقاً للمعلومات، أن تورط بها بلدة الكفور، حيث جرى تأمين حفرة كبيرة لاستيعابها، سرعان ما تعقبها سكان المنطقة حتى طردوها من بلدتهم، ثم ضبطت كمية 20 شاحنة، منها في حفرة بأعماق مختلفة بجرود عيون السيمان، بأراضي البقاع العقارية، قبل أن يقبض على ناقلها بالجرم المشهود، قبل أيام أيضاً في أراضي طاريا وبريتال، بمحيط مدينة بعلبك.

ملف آسن
هذه "الفضيحة" كانت مرشحة لتتحول إلى مسألة "اتهام مباشر" من بلدية بعلبك لبلدية زحلة، إلا أن رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب يسارع لرفع التهمة، بالإشارة إلى أن البلدية ليست جهة مسؤولة عن محطة تكرير زحلة. وفي الأساس، فإن مجلس الإنماء والإعمار لا يشارك البلدية بأي قرار يتخذه بشأن المحطة، التي يفترض أنها تعالج مياه زحلة الآسنة، وإذا أرادت البلدية أن تطلع على أي من تفاصيل تشغيلها، فإن ذلك يتم بالتواتر.

أما مؤسسة مياه البقاع، وإن كانت تناط بها قانونياً إدارة هذا المرفق، فهي لن تستلم المحطة قبل عام إضافي، مع تفضيلها - وفقاً لمصادرها - بأن تطول المهلة، خصوصا أن المؤسسة لا تملك من ضمن هيكليتها الإدارية إختصاصيين في إدارة محطات التكرير، أضف إلى أنها عاجزة ماليا عن ذلك.

ليظهر بأن التهمة تتلبس أولا الشركة المتعهدة، ومن خلفها الجهة الملزمة أي مجلس الإنماء والإعمار. فعلى أي أساس لزم هذه المعالجة لشركة ميراج، وما هو دفتر الشروط الذي وضع لها، وبأي كلفة، وهل يقوم المجلس بمراقبة تطبيق الشروط؟ واذا وجدت هذه الشروط، هل سيعاقب الشركة الملتزمة على إخلالها بها؟ وما هي الحلول البديلة، التي سيلجأ اليها بعدما إنكشفت "فضيحة" التلزيم الأول؟ وأخيراً، ما هو مصير تشغيل محطة تكرير زحلة بعد هذه العقبات التي برزت بوجهها؟
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024