أبواب متاحف لبنان تُفتح للمكفوفين: "الرجاء اللمس"

نيكول طعمة

الأربعاء 2018/07/11

في عالمنا الرقمي اليوم، هل يمكن للّمس أن يحل محل صورة؟ أم هل على الفنون التشكيلية والمنحوتات أن تقتصر على تجربة بصرية؟ وهل ستتمكّن أيدينا في المستقبل من لمس لوحات مفاتيح فقط ونرى بعيوننا المغلقة؟ أسئلة دفعت مؤسِّسة جمعية Red Oak الدكتورة نادين أبو زكي للإجابة عنها بالنحت عبر عينين مغمضتين في الظلام الحالك، والعثور على مكانة المحسوسات في الإبداع الفني. عن تجربتها هذه، تقول أبو زكي لـ"المدن": "لقد أظهرت لي هذه التجربة أن الفن لا يتوجه إلى حاسة البصر فحسب، إنما يمكن إثارة انفعالات أشدّ قوة وعمقاً من خلال لمس أعمال فنية". وتسأل: "ماذا لو لمسنا لكي نرى؟ وماذا لو أعدنا استكشاف حواسنا؟".

هكذا، توجهت أبو زكي إلى رواد المتاحف في لبنان عبر كسر محرمات "الرجاء عدم اللمس" في المتاحف اللبنانية، عبر لمس المنحوتات في الظلام وتحويلها إلى "الرجاء اللمس". ومن أجل ذلك، أطلقت جمعية Red Oak مؤخراً، بالشراكة مع متحف Omero الوطني الحسّي في إيطاليا، مشروع "أبواب. الرجاء اللمس"، الذي يُعتبر الأول من نوعه في لبنان والمنطقة. وفي هذه الشراكة، تؤكد أبو زكي، "أنها فرصة تخوّل لبنان أن يكون مبتكراً في مجال الفن وأن يصبح من البلدان القليلة في العالم التي تسمح للجميع باختيار رؤية الفن بالحس واللمس".

نظام توجيه عبر اللمس؟
كيف تستطيع المتاحف أن تكون مهيأة ليتمكّن الأشخاص المعوقون بصرياً من تقدير موجوداتها الجميلة والتمتّع بها؟ تجيب أبو زكي أن متخصصين وخبراء من متحف أوميرو سيتولون في مرحلة أولى تدريب عيّنة من الأدلّاء والفرق الفنية في متاحف لبنانية متعاونة في المشروع، وهي: المتحف الوطني- بيروت، سرسق- الأشرفية ومقام في عاليتا– جبيل، على الوسائل والتقنيات المتصلة بحاسة اللمس، بدءاً من شهر تشرين الثاني 2018. وتوضح: "ستختار هذه المتاحف مجموعة من أعمالها الفنية المتاحة للّمس، على أن يتم تنفيذ المشروع على مراحل متتالية تشمل متاحف على نطاق أوسع وضمن برنامج متطوّر". وتشير إلى أنه بالتزامن مع استكمال المشروع تقام نشاطات تربوية لتلاميذ المدارس لتوعيتهم على حاسة اللمس وفهم العمل الفني من خلال تحسّسه.

وعمّا يتضمنه التدريب، تقول أبو زكي إنه يرتكز على "كيفية استقبال المكفوفين في المتحف، توجيه هؤلاء نحو التعرّف إلى ما يحويه المتحف، وطريقة اكتشاف أعماله عبر تلمسّ القطع من طريق لغة البرايل وغير ذلك".

وبسؤالها عن قدرة المكفوفين على تقدير الأعمال الفنية من خلال نظام توجيه عبر اللمس؟ توضح أن ثمة اختلافاً في التقنية بين الموجودات في المتاحف، إذ يحوي المتحف الوطني قطعاً أثرية، ومتحف سرسق لوحات فنية، بينما يوجد في متحف مقام منحوتات، مع الإشارة إلى وجود طريقة خاصة تمكّن الزائر من اكتشاف العمل الفني في القطع الأثرية أو اللوحات أو المنحوتات مع كيفية وصول المعلومة تربوياً وثقافياً.

ومن أبرز التقنيات التي تحوّل القطع إلى لوحة حسيّة، تذكر أبو زكي، "القلم الناطق الذي عبر الصوت يعطي شرحاً مفصلاً عن اللوحة، طباعة المنشورات الخاصة بالمتاحف بطريقة البرايل، كذلك هناك تقنية تعيد استنساخ بعض المقتنيات الفنية لتصبح بمتناول الجميع ومنهم المكفوف، وعلى كل متحف أن يختار التقنية أو الأدوات التي تناسبه لاعتمادها". وتأمل أبو زكي أن تتعمّم هذه الثقافة على متاحف لبنان كلها.

أوميرو
 
وفي مداخلة للمسؤول عن المشاريع الخاصة في متحف أوميرو، أندريا سوكراتي، تحدّث إلى "المدن" شارحاً أهمية تعاون جمعية "ريد أوك" ومتحف أوميرو وانهماكهما في المشاريع الاجتماعية المبنية على الفن والإرث الثقافي. ويقول: "يهدف أوميرو إلى ترويج نفاذ الجميع إلى المتاحف، لاسيما الأشخاص المعوقين بصرياً. لذلك، يتولى فريق عمل المتحف درس أفضل الحلول وتوفير الأدوات المناسبة تسهيلاً لخوض المكفوفين تجارب مفيدة لدى ارتيادهم المتاحف والمعارض الفنيّة". ويوضح أن حاسة اللمس مع حاسة السمع من أهم الحواس، وبواسطتهما يتعرّف المكفوف إلى العالم المحيط به، وينطبق ذلك على الأعمال الفنية. يضيف: "من هنا بات لزاماً علينا أن نسمح لهذه الفئة أن تكتشف الفن من خلال حاسة اللمس، وللأسف، هذا الأمر غير مسموح به في أكثرية المتاحف في أنحاء العالم".

ومثلما يتعاون أوميرو مع متاحف في لبنان، يتعاون مع العديد من المتاحف في باريس، مدريد وطوكيو.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024