على قدر أهمية الثورات البشرية الكبرى، وتحولاتها التاريخية والحضارية، كالثورة الزراعية، والثورة الصناعية، والثورة التكنولوجية، يمكن اعتبار الثورة النسائية الممتدة طوال القرن العشرين إلى يومنا هذا، واحدة من الطفرات الكبرى في التطور الإنساني.

ليست الحركات النسوية مجرد سعي لمساواة حقوقية أو سياسية، فهي أعمق من ذلك بكثير، تطال إعادة نظر جذرية في القيم والنظم الاجتماعية والأخلاق.. بل وحتى في تعريف أنفسنا بيولوجياً.

إعادة تشكيل الحضارة والتمدن، بل وتحديد الوجهة المستقبلية لاستمرار النوع البشري، تعتمد كلها اليوم على مدى قدرتنا على الاستجابة لهذه الثورة، التي تقطع مع عصور مديدة وسحيقة، وتباشر طوراً مختلفاً من الثقافة والسلوك والحقوق لا يقلّ أثراً عن القطيعة مع العبودية مثلاً.

على قدر استجابتنا لهذا التحول الكبير إما نزدهر أو نتأخر ونأفل. فلا الديموقراطية ولا حقوق الإنسان ولا العدالة ولا الحرية.. تكتمل معانيها اليوم، إلا بترجمتها نسوياً.

ملف "المدن" ليس إلا مساحة متواضعة، لكنها منحازة، للبوح والقراءة والإصغاء لأصواتهن.