حياتهم مهددة بانقطاع أدوية علاجهم: مدمنو المخدرات بانتكاسة مميتة

إيمان العبد

الإثنين 2021/11/15
يقبع لبنان في  دوامة فقدان الدواء منذ  بداية الأزمة الاقتصادية، وطال الأمر فئة جديدة في طور العلاج من إدمان المخدرات. فجأة تبلغت المراكز الصحية والجمعيات عن خطر فقدان "العلاج البديل " أو المعروف بالـ"ost" في نهاية شهر تشرين الثاني الجاري. والعلاج هذا يوصف للأشخاص في طور العلاج من إدمان المخدرات، ويتلقاه حوالى 1200 شخص في لبنان. وهو واحد من الأنماط العلاجية للإدمان، يعتمد على أدوية تعد بديلاً عن المواد الأفيونية. 

إدمان متجدد
وفي حديث مع جوزيف خوري، نائب رئيس جمعية الأطباء النفسيين في لبنان، أوضح أن انقطاع العلاج البديل "OST" في لبنان يضع الذين يتلقونه من المدمنين أمام خيار detox الإجباري، أي تنظيف أجسامهم من الدواء. لكن هذا الخيار صعب لأسباب عددها خوري:  

أولاً، عدد المراكز الحكومية التي تجري هذه العملية قليلة، وهي لا تستقبل أكثر من 20 إلى 30 شخص، فيما يبلغ عدد مرضى الإدمان في لبنان 1200 شخصاً يجب علاجهم خلال  كانون الأول المقبل.

وارتفعت كلفة العلاج أضعافاً، وقد تصل إلى 6 مليون ليرة للجلسة الواحدة. والمريض يحتاج عادة إلى جلسات عدة. إضافة إلى أن خيار علاج الديتوكس في المنزل، بمتابعة الطبيب، غير ممكن لأن أدوية الأعصاب المخصصة لهذا العلاج مفقودة في الصيدليات.

هذه العوامل مجتمعة تضع علاج المدمنين أمام خطر الانتكاس مجدداً، والعودة إلى تعاطي الهيرويين والمواد الأفيونية. وحسب خوري يكون المدمن عرضة  للـover dose في هذه الحال، لأن جسمه نظف سابقاً من المخدرات، التي يعرضه تعاطي أي كمية منها لآثار سلبية كبيرة.

أدوية منتهية الصلاحية
وبرنامج علاج المدمنين على المخدرات في لبنان بدأ باستخدام العلاج البديل OST منذ 10 سنوات. وهو اليوم مهدد بالزوال مع الجهد الذي بذلته وزارة الصحة والجمعيات المدنية والأطباء. والتهديد يطال مصير 1200 شخص في طور العلاج من الإدمان يأخذون هذا الدواء المهدد بالفقدان. وهذا الرقم هو الرسمي المسجل في الوزارة، عدا عن الأشخاص غير المسجلين رسمياً.

ويعتبر خوري أن رفع الدعم عن هذا الدواء قد يكون حلاً لتوافره مجدداً. لكن هذا يشكل عبئاً مادياً على كثيرة ممن يتلقون العلاج. وما يمكن فعله الآن هو إيجاد حلول موقتة مع وزارة الصحة، تسد هذ العجز. ومن الطروحات التي تدرسها اللجنة العلمية في جمعية الأطباء النفسيين، إمكانية استخدام أدوية OST التي انتهت صلاحيتها في شهر أيلول الماضي، للمرضى، من دون أن يؤدي ذلك إلى تأثير على صحتهم.

أما الإجراء الثاني الذي بدأت المراكز في تنفيذه في 10 تشرين الثاني، فهو تخفيف الجرعات بنسبة 25 في المئة للمرضى، لضمان  توافر الدواء في المستشفيات مدة أطول، وتحسباً من انقطاعه الكلي، لأنه لا يمكن قطع الدواء فجأة عن المرضى.

حفل جنون
وتصف  ألين عون، الأخصائية الاجتماعية في مركز escal لمتابعة علاج المدمنين على المخدرات، التابع لجمعية SIDC، أن ما يجري أشبه بحفل جنون. فالمراكز تبلغت بشكل غير رسمي خطر انقطاع الدواء. وخلال مدة تعتبر علميا قصيرة،  عليهم تخفيف جرعات الدواء. وبدأت الآن بـ25 في المئة، ولكن بعد أسبوع تتدنى النسبة إلى 50 في المئة. وهي وتيرة عالية يمكن للمريض ألا يتحملها، ولها آثارها السلبية عليه.

الفئة المتضررة بشكل كبير حسب الأخصائية، هم الذين بدأوا العلاج قبل مدة وجيزة، وكان لديهم أمل بالشفاء. وأضافت أن جميع الأشحاص في طور العلاج هم في حال ترقب وتوتر كبيرين بعد سماعهم الخبر. فحياتهم استقرت ويتخوفون من انتكاستهم مجدداً، جراء انقطاع الدواء الذي يؤدي إلى أوجاع في أجسادهم، عدا عن التقلبات النفسية وخطرعودتهم إلى تعاطي المواد الأفيونية. وأضافت عون أن ما يحصل هو تهميش آخر لهذه الفئة من قبل السياسات الحكومية.  

الوصمة والتهميش
"انقطاع الدواء آخر هذا الشهر، يهدد مصير حياتنا نحن المعالجين من الإدمان. ونحن فئة يتم تهميشنا وإقصاءنا وقطع الدواء عنا يعني تخريب حياتنا". هذا ما يقوله طوني، وهو أحد الأشخاص في طور العلاج. يتلقى طوني العلاج منذ 4 سنوات، بعد 20 سنة من الإدمان: "كل هذا المجهود مهدد. فإما أن أتحمل أوجاع انقطاع الدواء، أو أعود إلى تعاطي الهيرويين". وأضاف طوني: "أمام هذا الوضع نحن نقف عاجزين، ولا يمكننا أن نتظاهر احتجاجا على هذا الوضع. فالوصمة الاجتماعية تطاردنا، وسنكون عرضة للخطر. كنا ننظم حملة مناصرة سابقاً مع الجمعيات، لجعل هذا العلاج مجانياً، ولكن هذا أصبح مستحيلاً اليوم".

المراكز الأساسية  التي تعنى بعلاج المدمنين على المخدرات،  ومنها مركز SIDC والجمعية الوطنية للاطباء النفسيين، على تواصل مع وزارة الصحة العامة واللجنة الوطنية للصحة النفسية لوضع خطة طوارئ.

مساعدة فرنسية
وفي حديث "المدن" مع الدكتور ربيع شماعي، رئيس اللجنة الوطنية للصحة النفسية التابعة لوزارة الصحة، يقول إن اللجنة تبلغت منذ 10 أيام خطر انقطاع الدواء في آخر هذا الشهر. وذلك بعد تأخر مصرف لبنان عن صرف الاعتمادات المالية  للوكيل. وأوضح شماعي أن الحل الأمثل الآن، هو طلب منح من الخارج. وهذا ما فعلته الوزارة. فقد تم التواصل مع السفارة الفرنسية لتأمين كمية من الدواء للبنان، وقد تصل مع نهاية هذا الشهر، وتكفي 3 أشهر فقط .

وإضافة إلى تخفيف جرعات الدواء، هناك استخدام جرعات انتهت صلاحيتها. أما المرضى الذين  يأخذون العلاج البديل بجرعات خفيفة، ستؤمن لهم منح مالية لإجراء ديتوكس في المستشفيات، نظراً إلى أن كلفته ارتفعت.

وحسب شماعي، ليس من بادرة لرفع الدعم عن الدواء. والتفاوض مستمر مع وزارة الصحة العامة ومصرف لبنان لصرف الاعتمادات المالية. وهو قال إن لبنان اليوم في المرحلة متوسطة الخطورة، إذ لن يكون هناك انقطاع كلي ومفاجئ من هذا الدواء. وهناك تجاوب من جميع الأطراف لاتباع هذا الخطوات تماشياً مع الوضع الراهن.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024