"التحرّش مش غزل".. نحو أماكن عمل آمنة

منى حمدان

الثلاثاء 2018/12/11
ليس غريباً جداً أن تتعرض مراسلة صحافية للتحرش الجنسي على الهواء مباشرةً. حدث الأمر عشرات المرات، في السنة الماضية وحدها. الغريب أن تحتفل المؤسسة، حيث تعمل المراسلة، بالأمر. والأغرب أن تفرد خبراً على موقعها عن الحادثة، تسمي فيه ما حصل، بالـ"موقف طريف، تعرضت له مراسلة الـLBCI ريما عساف، أثناء تغطيتها التظاهرات في فرنسا".

ليست القناة غريبة عن المجتمع الذي نعيش فيه، ولا هي بعيدة عنه. مجتمع ما زال متأخراً جداً، ليس فقط عن حماية النساء من التحرش الجنسي، بل عن ما هو أبسط. متأخر عن معرفة الفرق بين التحرش والتودد، أو الغزل. وربما ليست مصادفة غريبة أن يكون شعار حملة المؤسسة العربية للحرية والمساواة AFE، هذا العام: "التحرش مش غزل".

مكان عمل أكثر أماناً
لا يوجد في لبنان تشريعات متعلقة بالتحرش الجنسي عموماً، وبالتالي، نفتقد وجود تشريعات تتعلق بالتحرش الجنسي داخل أماكن العمل. عام 2017، قدّمت وزارة الدولة لشؤون المرأة مشروع قانون لمعاقبة التحرش الجنسي في مكان العمل والأماكن العامة، وما زلنا ننتظر بتّ مجلس النواب له.

لكل هذه الأسباب وغيرها، أطلقت مؤسسة AFE، دراسةً "حول خلق أماكن عمل أكثر أماناً: نحو سياسات داخلية لمناهضة الحرش الجنسي في لبنان". الهدف من الدراسة، بحسب مديرة الإعلام في المؤسسة، ميرا عبدالله: "العمل مع الشركات لمعرفة إذا كان لديهم سياسة للتحرش الجنسي داخل المؤسسة. واتضح أن 15 في المئة فقط من الشركات لديهم سياسة لمواجهة التحرش. و33 في المئة منهم لديهم نوعاً ما من الحماية في سياستهم الداخلية، مثل السياسة الخاصة بالتمييز، لكنها لا تسمي التحرش".

يعتبر التحرش الجنسي واحداً من أسباب كثيرة لانسحاب المرأة من سوق العمل، ولعدم وصولها إلى مراكز قيادية، ويساهم في انحسار مشاركة النساء في الحياة الاقتصادية والسياسية.

مبادئ توجيهية
نتيجة للدراسة، وضعت AFE دليلاً، لمعالجة هذه المشكلة. فيه اقترحت مبادئ توجيهية لموظفي الموارد البشرية. يهدف الدليل إلى خلق بديل عن التشريعات، التي يتطلب إقرارها سنوات في لبنان، يمكن اعتماده من قبل الشركات كسياسة لمواجهة التحرش.

يورد الدليل تعريفاً واضحاً للتحرش الجنسي: "هو شكل من أشكال التمييز والعنف القائم على النوع الاجتماعي، الذي ينطوي على أي فعل ذي طبيعة جنسية سواء كان لفظياً أو جسدياً أو إيمائياً أو مرئياً و/أو مكتوباً. إما صريحاً أو ضمناً، ويكون غير مرحب به، وغير مرغوب فيه ويشعر الشخص يشعر بالإهانة أو الترهيب".

للأسف لم تقرأ أمل هذا التعريف قبل ذلك. خصوصاً داخل المؤسسة التي تعمل فيها. "كنت أشعر بأنني غير مرتاحة لوجوده. أشعر بتوتر غريب لا أفهمه. ولا أريد أن أضحك على نكاته وإيحاءاته الجنسية في سياق حديثنا عن العمل داخل المكتب". فسّرت أمل شعورها في حديثها لـ"المدن"، بالتوتر وعدم الراحة، لوجود مديرها حولها. لكنها لم تذكر التحرش، هي لا تعرف أن لها الحق باتهامه بالتحرش الجنسي. ذكرت أنها لم تكن تعرف أن ذلك يعد تحرّشاً جنسياً. وقالت: "حتى لو اتهمته بذلك ماذا سأستفيد؟ من سيحميني؟ وعملي؟ ما هي الإجراءات المتبعة لذلك أصلاً؟".

غالباً يكون المتحرش داخل مكان العمل، في منصب أعلى من المرأة، وهذا يصعّب عليها التبليغ. من سيصدقها؟ ماذا سيقول المحيطون بها؟ هل ستخسر وظيفتها؟ كل تلك الأسئلة، وغيرها الكثير مشروعة، في ظل غياب تام لأي قانون أو تشريع أو آلية تراعي ظروف عمل النساء.

لا يؤخذ موضوع التحرش الجنسي على محمل الجد. لا يعطى الموضوع الأهمية التي يستحقها. كثيرون لا يعرفون، ولا يكترثون لآثاره النفسية على الناجية. كثيرون لا يعتبرونه أمراً خطيراً. هذه الدراسة أثبتت ذلك. تجربة كل واحدة منا أثبتت ذلك.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024