وزير حزب الله للصحة مثال للازدواجية.. والاضطراب الاجتماعي

لوسي بارسخيان

الثلاثاء 2020/01/28

على صورة وزير الصحة السابق جميل جبق، الذي أدهش زميلته في الحكومة السابقة مي شدياق لدى اكتشافها وزيراً لحزب الله يضع الكرافات ويصافح السيدات، يبدو وزير الصحة الخلف، البعلبكي حمد حسن، خارج صور شخصيات الحزب النمطية الملتزمة: كأنه رجل ليبرالي، زوجته غير محجبة، يصافح باليد، ويضع الكرافات.

إزدواجية الصورة والطموح
في "بروفايله" هذا يبدو حمد حسن أقرب إلى مواصفات "مدنية" عادية، منه إلى مواصفات رجال حزب الله أصحاب القيافة المعتبرة دينية. ولكن مظهر الوزير الجديد هذا يخفي وراءه ازدواجية يعيشها في حياته العامة. فمظهره الخارجي المختلف عن مظهر الشخصيات التي يختارها حزب الله لمواقع المسؤولية، يساعده في خرق الصورة النمطية لنوابه ووزرائه القدامى، من دون أن يعني ذلك أبداً خروجه عن عباءة الحزب.

فعلى رغم مؤهلاته العلمية كوزير للصحة، ليبدو الرجل المناسب في المكان المناسب، فهو لم يصل إلى منصبه، إلا بسبب ولائه المطلق لحزب الله، الذي ولّاه مناصب هي التي يعترف بمؤهلاته فيها: رئاسة بلدية بعلبك في الولاية السابقة، ورئاسة اتحاد بلديات بعلبك في ولايته الحالية. أما الوزارة فلم تكن يوماً في حسابات حسن، أو حتى طموحاته. فهو كان يتحضر لترؤس مجلس إنماء بعلبك الهرمل كحد أقصى، كأحد وعود الثنائي الشيعي الانتخابية لمساواة أهالي بعلبك بأهل الجنوب في الخدمات.

وحمد حسن لا يكسر لحزب الله كلمة. فالحزب يمون عليه حتى العظم. وفي سيرته الشخصية، يعرّف أنه رجل طموح، كثير الحركة، وصاحب مبادرة،  كلما وصل إلى منصب سعى إلى منصب أعلى.

تجاوزات وارتكابات عادية
ودود المعشر، يبتعد عن الصدامات. وهذا ما يجعله رجل كل الظروف والمناسبات والمواقف " passe par tout": من بطانة حزب الله، وصديق لتيار المستقبل، ومرتبط بقوة بالأجهزة الأمنية والعسكرية.

يعرف حمد حسن من أين تؤكل الكتف. وقادر على الاستفادة من الظروف التي تحيط به، مهما كانت تناقضاتها شديدة. وساهمت الثورة ومناداتها بوزراء "تكنوقراط"، في جعل أمثال حمد حسن أفضل واجهة يمكن أن تقدمها أحزاب السلطة في هده المرحلة، وتسعى في تسويقها تلبية لرغبة الثوار.  

وسيرة الرجل الشخصية تجعله مقبولاً لجمهور لحزب الله في بعلبك. بل يمكن أن يظهر بوصفه جائزة ترضية، تخفف النقمة التي خلفتها سقطة حزب الله في الانتخابات النيابية، عندما لم يسم أي شخصية بعلبكية في لائحته. وكادت هذه السقطة تُستخدم لإشعال نار ثورة بوجهه في بعلبك.

خريج الجامعات الروسية في علوم الصيدلة. ومتخصص في العلوم المخبرية، قبل امتلاكه مع زوجته مبنى مخالفاً، جعلاه مختبراً خاصاً للفحوص الطبية. وتستعمل زوجته، إبنة بدنايل ريم سليمان، شطراً منه مختبرات للتجميل النسائي.

اسمه متداول في مخالفات وارتكابات عدة يقال إنه أقدم عليها أثناء توليه رئاسة بلدية بعلبك. والأكيد أنه عمل على تطويع الظروف لمصلحته في هذه المخالفات التي جرت بالتواطؤ مع الأجهزة الرقابية التي يفترض أن تطبق القوانين والقرارات.

قيل إنه شيد مستوصفاً مخالفاً. لكن الحقيقة أنه إشترى المبنى المخالف وأنشأ فيه مستوصفه. وقيل إنه خرق القرار الصادر بمنع رخص البناء في بعلبك، بتشييده بناء كبيرا في محلة مار جرجس، لكنه برر المخالفة بموافقة القوى الأمنية التي غضت النظر عن شروعه بالبناء المخالف. وقيل إن شقيق زوجته استحصل على رخصة من البلدية التي كان يرأسها، لإقامة محطة وقود في منطقة سكنية. فيتبين أن منصبه البلدي لا يخوله منح مثل هذه الرخصة. وقد يكون شقيق زوجته استفاد من موقعه في السلطة للحصول على الإذن من المحافظة.

هو إذاً أقرب إلى شخصية المراوغ المتحايل منه إلى مرتكب المخالفات المباشرة. يتواطأ مع الظروف في معظم الأحيان. وهو جمع بين وظيفته أستاذاً متفرغاً في الجامعة اللبنانية ورئاسة البلدية. واستفاد من سابقة حصلت مع رئيس بلدية طرابلس. وساعدته الظروف بإدخال ولدين من أبنائه الأربع إلى كلية الطب في الجامعة اللبنانية من دون امتحان دخول. وذلك لمجرد أنه أستاذ متفرغ في كلية الصحة.

الشطارة والزئبقية
ما يميز حمد حسن في المقابل، شطارته "الثقافية" التي تمنحه مقدرة على النقاش في مجتمع الولاءات والعصبيات المحلية. هذه الميزة الشكلانية تزوده بمواصفات تجعل منه واجهة للتشاطر والزئبقية وحب الظهور. وحزب الله يستغل هذه الشخصية لتسويق صورة يريدها لنفسه، وتظهره على غير حقيقته: حزباً حديدياً مغلقاً.

وحمد حسن هو رئيس البلدية الذي سمح بإقامة ساحة مريم في بعلبك، من دون أي معارضة. وعندما رفض حزب الله إنشاء "ساحة الوطن" للجيش، لم يتمكن إطلاقاً من كسر إرادة الحزب في المدينة.

نمط حياته، في المقابل، لا يشبه إطلاقا نمط حياة بيئة حزب الله. ويقول كثيرون إنه من الصعب جداً أن يتأقلم شخص مثله مع نمط عيش الحزب المتزمت اجتماعياً. وقد تكون هذه الميزة الإضافية مناسبة لشخصية وزير الصحة الجديد.

في اليوم الأول من تسلمه مهماته الوزارية، قام حمد حسن بزيارة مباغتة إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت. اللفتة مرحب بها. لكن من يزور حسن، لا ينقل عنه تفاؤلاً كبيراً بإمكانية إحداث تغيير في وزارته. فالتغيير والإصلاح يحتاج إلى الموارد. ولبنان عملياً بلد الفوضى والإفلاس.   

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024