انتهاك خطير: داتا مرضى كورونا تتسرب إلى الأحزاب

نادر فوز

الثلاثاء 2020/12/22
قبل أسبوع، تلقّت مواطنة لبنانية مصابة بفيروس كورونا، تسكن ضمن نطاق بلدية الغبيري، اتصالاً من الهيئة النسائية في حزب الله. اتصال "اطمئناني"، سُئلت فيه عن حاجتها لأي دعم ممكن في ظروفها المرضية. كرّرت الممثلة الحزبية أسئلتها أكثر من مرة، للتأكد من صحة المصابة وأوضاعها، ثم أقفلت الخط.
ولدى التدقيق مع أكثر من حالة، من منطقة الغبيري وغيرها، يتّضح أنّ داتا المصابين بفيروس كورونا تتسرّب من الهيئات الصحية والمعنية إلى جهات سياسية، بغض النظر عن هويّتها وموقعها. فتتحوّل الإصابة بكورونا إلى مادة استغلال سياسي، وانتخابي طبعاً، كما سائر المآسي الأخرى التي يمكن أن تضرب أي كائن لبناني في أي كيان سياسي أو اجتماعي على طول الأراضي اللبناني وعرضها.

نفي جهات معنية
وفي اتصال مع "المدن"، يؤكد رئيس بلدية الغبيري معن خليل أنّ لا علم له بأي شيء من هذا القبيل، ويؤكد تالياً أنّ لا علاقة للبلدية بهكذا أمور. ويضيف أنه في حال الحصول على أسماء من يشتكي من هذا النوع من الاتصالات، يمكن التدقيق بالحالة، مشيراً إلى أنّ التسريب يمكن أن يصدر عن أي جهة معنية. وفي الإطار نفسه، يقول أحد مستشاري وزير الصحة العامة لـ"المدن" إنّ أي تسريب للأسماء لم يحصل خارج نطاق الأجهزة والهيئات الرسمية المعنية في متابعة ملف كورونا والمصابين. كما أنّ مقرّبين من الوزير يضيفون لـ"المدن" أنّ محاولات عديدة تتمّ لأبلسة عمل الوزارة والوزير، من خلال الإشارة إلى خدمات سياسية وحزبية يقوم بها.

اتهام سابق للوزارة
هذا، مع العلم أنه سبق للوزارة أن كانت عرضة للاتهام بممارسة جمع المعلومات لصالح حزب الله أو غيره، من خلال عشرات المتطوّعين والمتطوّعات الذين تمّ الاعتماد عليهم لتدوين المعلومات حول الوافدين إلى مطار بيروت، في ظلّ أزمة كورونا، تبعاً للإجراءات المعتمدة من قبل الدولة اللبنانية. فكان مشهد عشرات الشابات المحجّبات، على ما يجلبه من إسقاطات سياسية ونظرة معلّبة، مادة اتهام وانتقاد سياسي للوزير والوزارة.  

تسريب معلومات المرضى
في متابعة ملفات مرضى كورونا على الأراضي اللبانية، هناك ثلاث جهات فعلية تتحكّم بالمعلومات حول المصابين. أولاً، وزارة الصحة العامة المعنية الأولى بهذا الملف. ثانياً، وزارة الداخلية وسائر الدوائر المختصة فيها، من محافظين وقائممقامين وأجهزة بلدية، وفق القرارات المتلاحقة الصادرة عن الوزير محمد فهمي، بتكليف هذه الأجهزة بإجراءات ملاحقة الحالات، والتأكد من الحجر عليها ومتابعة أحوالها الصحية. وثالثاً، المراكز الصحية أو الاستشفائية التي يمكن أن يتلقّى المصابون بالفيروس العلاج أو المتابعة الصحية فيها. وتتقلّص الاحتمالات إن كان المصاب بالفيروس لم يزر مركزاً للعلاج. واحدة من هذه الجهات، أو موظف في واحدة من هذه الجهات، مسؤول على الأقلّ عن تسريب داتا المصابين بكورونا لجهات حزبية وسياسية بغية ممارسة "الواجب" السياسي مع جمهور المصاب بالفيروس. فلا تفلت هذه الشريحة الاجتماعية أيضاً من قواعد الزبائنية السياسية الاعتيادية. 

سلوك عام ومتنقّل
استغلال الحالات المصابة بفيروس كورونا من أجل تكريس واقع سياسي وحزبي، ليس بالأمر المستبعد عن أحزاب وقوى السلطة. فالممارسة نفسها، شهدتها مختلف أحياء الأشرفية بعد جريمة مرفأ بيروت. بعد أيام على 4 آب، وبسحر اعتيادي، تسرّبت أسماء المتضرّرين والمهجّرين من تفجير المرفأ إلى قوى سياسية وحزبية وازنة في هذه الأحياء. فقامت بواجبها السياسي المغلّف بورقة إنسانية، وتم الاتصال بالمئات من سكان هذه المناطق المنكوبة لطرح إمكانية المساعدة أو الدعم. وكذلك الحال عقب موجة الحرائق القاتلة في مختلف المناطق اللبنانية قبل عام. أو حتى في المواسم المختلفة، على أبواب الشتاء لتقديم مادة المازوت ووسائل التدفئة، وفي فترات الأعياد وحتى مع استمرار الأزمة المالية والاقتصادية، بغية تقديم المساعدات وصناديق الإعاشة. ولو أنه في أغلب الأحيان، تقتصر الرسالة على دعم معنوي، تحاول فيها هذه القوى تثبيت وقوفها إلى جانب الناس، للإيحاء بأنها تشعر معهم ومع حاجاتهم ومع واقعهم المرّ. هو سلوك مستمّر، متنقّل من منطقة لأخرى، ومن حزب لآخر، من مصيبة لأخرى، ومن مأساة لأخرى.

استغلال حاجة اللبنانية ومآسيهم، لأغراض سياسية وحزبية وانتخابية، ملح الأحزاب والطوائف اللبنانية. مآسي المواطنين، مادة تجذب الذباب السياسي والانتخابي، وكلّه بغلاف إنساني. استولت أحزاب وقيادة هذه السلطة على أجهزة الدولة وإمكانتها. وظّفتها لمساعدة مواطنين أكلتهم الأزمات والمآسي، بأموال ومساعدات ومواد منهوبة من الدولة نفسها. أحزاب وقيادات، ذباب ملّون بأهواء سياسية مختلفة، يبتدع الأزمات ويصنع المآسي لينجذب إليها وليتغذى منها.. ليشعر أنه على قيد الحياة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024