خضر حسان
انقلب المشهد بشكل مفاجىء مع اقتراب ذكرى عاشوراء، وهي المناسبة الدينية التي يحيي فيها الشيعة ذكرى مقتل إمامهم الحسين بن علي، في واقعة كربلاء. إذ رجّحت كفّة الخيار الديني الممزوج بالأقاويل والتفسيرات الغيبية على كفّة العِلم الذي يؤكّد سرعة انتشار الفيروس، وصعوبة التأكّد من عدم الإصابة به، حتى مع اتّخاذ الاجراءات الوقائية.
مع إعلان حالة التعبئة العامة وإقفال البلاد ابتداءً من يوم الجمعة 21 آب، ظهر الانقسام الواضح بين أبناء القرى الشيعية، حيال إقامة مجالس العزاء إحياءً لمناسبة عاشوراء أو الإلتزام بقرار التعبئة العامة، الذي يقضي بمنع التجمّعات لأي سبب كان. وفيما كانت بلدية معركة تنشر بيانها الداعي إلى الالتزام بالإقفال العام ومنع التجمّعات، أصرّت "لجنة إحياء عاشوراء" على إقامة المجالس، مع تأكيدها على التزام التباعد بين الحضور والحرص على التعقيم. علماً أن قرار اللجنة، ليس مخالفاً فقط لقرار الدولة والبلدية، وإنما مخالف لدعوة رئيس حركة أمل نبيه برّي والأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، حين دعا الطرفان الجمهور الشيعي إلى عدم التجمّع، والاكتفاء بإحياء المراسم عبر الشاشات والمظاهر الدعائية المرافقة، كنشر الأعلام والصور وارتداء اللباس الأسوَد بكثافة.
وبين مؤيّد ومعارض، سادت الفوضى في معركة. فاللجنة العاشورائية افتتحت مجالسها وقسمتها بين دوام نسائي عصراً، ودوام رجالي مساءً. وطاولات فردية انتشرت في الشارع العام وفي ساحة البلدة، عليها ما تريد كشافة الرسالة الإسلامية التابعة لحركة أمل توزيعه على المارّة عن روح إمامهم الحسين... مياه وحلوى وقهوة وفواكه، ومكبّرات صوت تصدح بالأناشيد الدينية، حوَّلَت البلدة إلى فوضى عارمة، غذّتها التجمّعات في المقاهي وحول الطاولات العاشورائية الفردية.
إصابة رجل دين
رفض البلدية لما يحصل كان هزيلاً. لم تستعمل البلدية سلطتها القانونية في تطبيق قرار الدولة وقرارها الموازي. فاكتفى رئيس البلدية بنشر تسجيلات صوتية عبر الواتساب، يحذّر فيها من إقامة المجالس ويحث على ضرورة عدم التعرّض لخطر الاصابة.
وأكثر ما يثير الغرابة، هو توجّه دورية من قوى الأمن الداخلي إلى البلدة يوم الجمعة، بهدف منع التجمّع. لكن الدورية سرعان ما غادرت من دون تطبيق القرار. وذلك، بعد تعرّضها للاستهزاء من قِبَل الشبّان المنتشرين على جانبيّ الشارع العام، وبعد تأكّدها من أن المجلس العاشورائي سيقام مهما كلّف الأمر.
عزوف القوى الأمنية عن تطبيق القرار، ترك رئيس البلدية من دون سند، فما كان منه إلاّ التأكيد على عدم لجوئه إلى تطبيق قرار الإقفال ومنع التجمّعات على ناس ناس، أو مؤسسة دون أخرى، فبرأيه "إما أن يقفل الجميع وإما أن يفتح الجميع. وإما منع كافة المجالس العاشورائية وإما السماح بها كافة".
استقالة البلدية والقوى الأمنية من مهامهما فتح الباب أمام المزيد من الاستهتار بالفيروس. ولم يقتصر الأمر على إقامة مجلس واحد في البلدة، بل العديد منها.. إلى أن سجّلت البلدة إصابة رجل الدين العراقي مصطفى الدجيلي بالفيروس، وهو الآتي من العراق إلى لبنان، خصيصاً لإحياء المجالس في بعض القرى الجنوبية، ومنها معركة.
تأكيد إصابة الدجيلي أثارت الذعر في البلدة. لكن بدل منع التجمّعات، راحت كل جهة تلقي اللوم على الأخرى، وتؤكّد التزامها بالاجراءات الصحيّة، ومواصلة إحياء المجالس. فاللجنة العاشورائية سارعت لنفي علاقتها بالمجلس الذي سجّل إصابة الشيخ أثنائه، ورأت في الحادثة دليلاً على صحّة ما تقوم به لحماية مجالسها. وأوردت في بيان لها أنها "ملتزمة كما في كل ليلة منذ بدء المجالس العاشورائية باتخاذ كافة التدابير والإجراءات الوقائية والصحية، والتي أثبتت بشهادة الجميع انها المثال والقدوة والأكثر حرصاً على سلامة أهلنا المشاركين في المجالس"، موضحة أن الشيخ الدجيلي "يقرأ في مجلس خاص في أحد منازل البلدة".
أما البلدية، فدعت في بيان جميع المخالطين، إلى "حجر أنفسهم وانتظار تعليمات خلية الأزمة ولجنة الصحة". وتمنّت على الجميع الركون إلى "أخبار البلدية فقط، وعدم تشويش أفكار الناس لمصالح شخصية وآنيّة"، من قبيل شائعة عدم صحّة خبر إصابة الشيخ.
ردود الفعل
انقسم الشارع بين من ألقى اللوم على البلدية والقوى الأمنية لتقاعسهما في تأدية واجبهما، ومنع التجمعات بالقوة، وبين من رأى في الإصابة قضاءً وقدراً لا يستوجب وقف المجالس، بل تشديد الاجراءات الصحية فيها.
ولم يقتنع المعارضون بمظلومية رئيس البلدية، والتي حاول نشرها لتأكيد عدم مسؤوليته. فبرأيهم، مَن كان قادراً على إزالة المخالفات بالقوة، يستطيع منع التجمّعات بالقوة، خصوصاً وأن البلدية والجهة المنظّمة للمجالس، تتبعان لتنظيم سياسي واحد، هو حركة أمل. وبالتالي، يصبّ تهاون البلدية في هذا الموضوع، في خانة عدم التصادم داخل أبناء التنظيم الواحد، وإن كان ذلك على حساب صحة الناس.
في المقابل، تفهَّمَ البعض عدم نيّة البلدية التصادم مع الأهالي. فمسألة كهذه تحمل بُعداً دينياً، تخرج من خانة الانتماء إلى تنظيم سياسي واحد، لأن داخل التنظيم الواحد هناك آراء متعددة حول المجالس والشعائر المرتبطة بها، حتى في الأحوال العادية السابقة للفيروس. وأصحاب هذا الرأي، ومنهم رئيس البلدية، يعوّلون على الوعي ومدى الالتزام بالمعايير الصحية فقط.