المخرجة المسرحية لمى داود تصقل مواهب الأشخاص المعوقين

نيكول طعمة

الجمعة 2018/08/10

مبادرة إبراز طاقات الأشخاص المعوقين وصقل مواهبهم في مجال الإخراج والتمثيل فكرة جديدة على مجتمعنا، إلا أن المخرجة المسرحية لمى داود خاضت التجربة الاستثنائية في حياتها التي حلمت بها وهي على مقاعد الدراسة، ونجحت.

بماذا حلمت داود قبل نيلها شهادة في الإخراج والتمثيل من الجامعة اللبنانية؟

في حديثها إلى "المدن"، تقول داود إنها حلمت بعمل فنيّ مميّز يتيح لها فرصة الانخراط مع ذوي الاعاقة بحيث تتمكن من استثمار طاقات عدد من المعوقين في عروض مسرحية. وهذا ما حصل. "وقد أدّوا أدواراً رائعة ضاهوا بها كثيرين من غير المصابين بإعاقة".

قبل 3 سنوات، انطلقت لمى بمشوارها مع أطفال وشباب من جمعية Avance لذوي الحاجات الخاصة والمصابين بداء الصرع. عن تلك المرحلة تتحدث: "أثبت هؤلاء أنهم يملكون مواهب هائلة في القدرة على التعبير مهما كانت نوعية الإعاقة، لأن المبدع الحقيقي هو الذي يكتشف مواهب غير مرئية أو تلك التي تنتظر الظروف لتفجير طاقاتها، إلى درجة لا أشعر فيها أن الذين يقفون أمامي على خشبة المسرح هم من ذوي الحاجات الخاصة، بل أصحاب بصيرة يتعاملون مع الموضوع بأحاسيسهم من خلال الحركات وفيزياء الجسد".

استفادت داود من مهارات الحالات الصعبة وقدرات الذين لا يتقبّلهم المجتمع، بل يهمّشهم بحجة ضعفهم وعدم قدرتهم على القيام بشيء، بدل أن يمنحهم فرصة المشاركة في الحياة. وهذا ما حدا بها إلى كسر الحواجز من طريق إشراك هؤلاء في العمل المسرحي، "لاسيما المصابين بالتوحّد، داء الصرع أو التأخر الذهني، أو الذين يعانون صعوبة في النطق والسمع والحركة الخ..".

هل يختلف العمل مع الأشخاص المعوقين مع غير المصابين بإعاقة؟

"لا أخفي أن العمل مع ذوي الحاجات الخاصة وتحديداً في مجال التمثيل ليس سهلاً"، تجيب، "وكم سمعت من كثيرين أن التعامل مع هذه الفئة متعب جداً ويتطلب جهداً كبيراً وصبراً طويلاً لتنفيذ أي عمل مسرحي أو ما شابه من الأعمال الفنية. لكن ما يتجاهله الناس والمجتمع أن هؤلاء أشخاص يعطون أكثر مما يأخذون وبدون مقابل، وقد جعلواني شخصاً يعرف معنى الابتسامة الحقيقية والصادقة من تلك المزيّفة، فكيف الحال بالنسبة إلى الأمور الحياتية والعملية المختلفة؟".

يشمل عمل داود في التدريب المسرحي نحو 200 من ذوي الإعاقة، موزعين على عشرة صفوف وفق مستوى كل منهم. "وبالنسبة إليّ العدد ليس مهماً بقدر قدرتي على إخراج المواهب والطاقات الموجودة داخل كل ولد بهدف إظهارها أمام الجمهور والتفاعل معها طبيعياً".

ووفق داود، فإن العروض المسرحية تتنوّع بين المشهد الراقص والتعبير الجسماني أو الإيمائي أي الصامت بحسب المناسبة وظروفها. "وعلى مدى ساعة وربع ساعة ينقسم العرض بين 10 و11 مشهداً يلفت فيه الممثلون الأنظار إلى أدائهم ويُضحكون الجمهور وسط التصفيق والاعجاب". وتوضح أنها لا تتعامل مع الأشخاص المعوقين بدافع الشفقة أو ابتزاز مشاعر الآخرين، ولا مشكلة لديها في العمل معهم، بل تجد أنهم يتمتعون بطاقة جسدية قادرة على التعبير بشكل لافت تعوّضهم عن النطق، السمع والحركة. تقول: "عندما أقوم بحركة أمامهم ينفذونها مباشرة، وهذا ما لم ألحظه مع الممثلين المحترفين". تضيف: "يقدّم هؤلاء كوميديا المفارقات من دون الإشارة إلى أوضاعهم أو مشاكلهم، قوامها الضحك والمتعة وليس التهريج".


إذن، يشارك في العرض المسرحي أكثر من 200 معوّق بين 5 و35 سنة، "وقدم هؤلاء خلال 3 سنوات 7 عروض في مختلف المناسبات المهمة التي تعني الأطفال. وكان العمل المسرحي الأخير في فندق فينيسيا، في أيار الماضي 2018، بعنوان القدرات".

حالياً، تنهمك داود وطلابها بالإعداد للعمل المسرحي الجديد تزامناً مع بداية العام الدراسي 2018-2019.

وتأمل داود "أن يهتم المسؤولون بهذه الفئة من المجتمع، ويقدموا لها الدعم المادي والمعنوي لإبراز المواهب المختلفة للمعوقين، وتجهيز دور المسارح كي يتمكن أصحاب الاعاقات الحركية من الوصول إليها بسهولة دونما عقبات لوجستية وهندسية".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024