ساحة سمير قصير: مع اللاجئين رفضاً لخطاب الكراهية

وليد حسين

الخميس 2019/06/13
لسنا في مطلع القرن العشرين، وإلا كنّا شهدنا "فرق الشبيبة" في قطاع الشباب في التيار الوطني الحر الذين شنوا حملة لمناهضة العمالة السورية، تشكّل فرقاً شبه مسلحة على مثال فرق الفاشية لـ"مكافحة وباء الشيوعية" في إيطاليا. ولسنا في ثلاثينات ذاك القرن، وإلا كنا شهدنا حملات ترهيبية لمقاطعة المحال التي يديرها سوريّون، شبيهة بتلك النازيّة في ألمانيا  وإعلاناتها الترويجيّة "أيها الألمان، دافعوا عن أنفسكم، لا تشتروا من اليهود". بل نحن في مطلع القرن الواحد والعشرين، وشباب وصبايا "التيار" (الحضاريون!)، وحملتهم التي جالوا فيها على المتاجر والمؤسّسات "توعويّة"، لتحذير التجار وأصحاب المؤسّسات من مغبّة توظيف العمّال الأجانب (السوريين تحديداً) كونهم يخرقون قانون العمل اللبناني، كما أظهرت شرائط الفيديو التي نشرها قطاع الطلاب عن تلك الحملة. 

العونيون "الحضاريون"
هم "حضاريّون" يحبّون لبنان ويريدون توظيف اللبنانيّين، وإفادة البلد اقتصاديّاً، ويريدون إعادة إعمار سوريا لا طرد العمّال من لبنان. فـ"اللبناني قبل الكل" وسوريا "كرمال ترجع تتعمّر، لازم ترجع عا بلدك"، كما دلّت شعارات الثلّة العونيّة "المتحضّرة". 

وهؤلاء بخلاف جمهرة الصحافيين والناشطين الحقوقيين والمواطنين وبعض الشخصيات السياسيّة والحزبية، بمن فيهم حزب القوات اللبنانية، الذين تحرّكوا مساء الأربعاء 12 حزيران، في ساحة سمير قصير، رفضاً للخطاب العنصري وخطاب الكراهية ضد اللاجئين والعمال الأجانب (السوريين) الذين "يسلبون" اللبنانيين لقمة عيشهم" (حسب الدعاية الباسيلية). فهؤلاء الأشخاص، الذين فاق عددهم المئتي شخص، مشكوك بلبنانيّتهم وفق خطبة باسيل الأخيرة: "لأنّ الانتماء اللبناني لدى هؤلاء ليس قوياً كفاية ليشعروا بما نشعر به ولأنهم يعتبرون أنّ هناك انتماءً ثانياً قد يكون أهم بالنسبة إليهم". أما التمييز بين "المواطن اللبناني وغير اللبناني بالعمل والسكن والضريبة وأمور كثيرة، فهذا ليس تمييزاً عنصرياً بل سيادة الدولة على أرضها". وإذا كنا لا نعرف في أي كتاب مناهض للعنصرية يقرأ باسيل، فعلى هؤلاء المعتصمين ضد خطاب الكراهية تطهير ذاتهم من "الجينات" غير اللبنانية، و"تكريس مفهوم للانتماء اللبناني" قال عنه باسيل أنه "جينيّ"، كي يثبتوا لبنانيّتهم وحبّهم لكل ما هو لبناني بما فيه التمييز العنصري، الذي بات حالياً يتجوّل في الساحات، بعدما كان مجرّد خطابات منابر في السابق.

هزالة وكاريكاتورية
وإذا كان هؤلاء المعتصمون في ساحة سمير قصير، قد أرادوا من وقفتهم الصامتة التحذير من مغبّة الوقوع "في متاهات لا تُحمد عقباها" بعد حملات العونيّين التي تحضّ على الكراهية، فما هو حاصل عملياً على الأرض ليس مجرّد "خطاب كراهية"، طالماً أنّ الحملات "التوعويّة" بدأت تأخذ شكلاً "حديثاً" من التحرّك "السكوادري" لإيطاليا الفاشية، أو "النازي" لألمانيا إبّان حملات مقاطعة المتاجر التي يملكها اليهود، والتي انتهت بتسكيرها ومن ثم تكسيرها ونهبها في "ليلة الكريستال" الشهيرة. فالمسألة لم تعد تقتصر على "الخطاب"، بل بتنا أمام حملات لوزارة الاقتصاد والبلديات مصحوبة بـ"الأهالي"، وبشعارات وهتافات وإجراءات عنصرية، لإقفال جميع المؤسسات التي تشغّل عمالاً أجانب، "شاءت الصدف" أنّهم سوريون. وسبق هذه الحملات أخرى سيّارة لشبيبة التيّار بسترات رماديّة، كُتب عليها "بتحب لبنان، وظّف لبناني"، ترفع قبضاتها بشعار التيّار وتصرخ "الله، لبنان، عون وبس"، في مشهد يذكّر بحوادث أوروبية مشابهة، رغم هزالة وكاريكاتورية المشهد اللبناني.

بجوار الرمز
قد يكون الصمت المشهود أبلغ تعبيراً أحياناً وأشدّ وقعاً من الكلام. وربما لهذا السبب كانت هذه الوقفة صامتة وبشعار موحّد رفعه الجميع، أتى إسماً على مسمى: "ضد خطاب الكراهية"، وأتى أيضاً في المكان المناسب: بجوار نصب سمير، رمز ربيعيّ دمشق وبيروت المغدورين. 

لم يخرق الصمت الكلامي للوقفة إلّا هتاف بسيط في نهايتها، لـ"رفع الصوت في بيروت" ضد العنصرية التي تطال اللاجئين، لكنه لم يلق تجاوباً إلّا من قبل بعض الناشطين ولم يستمر إلا لبرهة من الوقت. فاستمر الصمت وسكتت حناجر بعض الناشطين السوريين الحاضرين وعاد الجميع إلى بيوتهم آمنين. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024